متفرقات

دور الإعلام الحقيقي يشبه دور الفيلسوف الناقد والإرشادي \ كتب اسامة اسماعيل

دور الإعلام الأساسي ليس نقل الأخبار والصور والتعليق عليها وتحليلها فحسب بل دوره الأساسي نقل المعرفة والإرشاد والنقد والتثقيف. ولكن هذا الدور آخذ بالإنحسار بسبب تبعية معظم وسائل الإعلام للسياسيين والأحزاب ومسايرتها القطيع الإجتماعي وماتريده وتطلبه الأكثرية. وبدأ هذا الإنحسار عندما قرر الإستعمار ثم الحركة الصهيونية إستعمال الصحافة والإعلام أداة بأيديهم لأجل الدعاية السياسية والحربية، وأعطيت المكانة للصحافة والإعلام التابعين والحزبيين، وجرى تهميش الصحافة والإعلام المستقلين والناقدين. وفي مايسمى “بروتوكولات حكماء صهيون” التي يشكك البعض في نسبتها إلى الحركة الصهيونية ، البروتوكول الثاني عشر:”سنعطل التأثير السيء لكل صحيفة مستقلة”و”سنمتطي صهوة الصحافة ونكبح جماحها”.
لو كانت هنالك صحافة مستقلة معاصرة لنشأة “الحركة الصهيونية” لاعترضت على مشروعها وانتقدته وقامت بإرشاد الناس المولودين على الدين اليهودي وتوعيتهم حول أخطار هذا المشروع في المستقبل عليهم وعلى الآخرين، ومايحدث اليوم في فلسطين ولبنان مثل على هذه الأخطار، ولدعتهم إلى عدم السير في القطيع وراء الحركة الصهيونية ومشروعها،ولكن هذا المشروع يقوم على التضليل وحالة القطيع الطائفي والقومي والحزبي والشعبي وتغييب العقل وإلارادة الفرديين والتفكير الحر المستقل، وتركز(centralise) على المعتقدات والأساطير والنصوص الدينية المحرِّفة والعواطف والغرائز الجماعية لتبرير الإستعمار واحتلال فلسطين وبعض الأراضي العربية المجاورة لها وشن الحروب العدوانية. في المقابل، لو كان هنالك إعلام حر مستقل ذات دور فعال لقام بالإعتراض على أي قرار أوخطوة تحت عنوان المقاومة يؤدي إلى أضرار وخسائر كبيرة تفوق بكثير ماتحققه عملية عسكرية أو فتح جبهة مساندة لغزة ضد الكيان الإسرائيلي، فقد حصر دور الإعلام والصحافة منذ أكثر من قرن بإعادة تسويق مايلقيه السياسيون الدوليون والإقليميون والمحليون والأحزاب ومايفرضونه من قرارات وخطوات وسياسات وأحداث وأزمات وحروب دون أن يكون لهما دور في إقناعهم والتأثير فيهم لثنيهم عن القرارات والخطوات والسياسات الخاطئة وعن شن الحروب. ففي الكيان الإسرائيلي، مثلا”، لاتوجد وسائل إعلام وصحف مستقلة بالمعنى الحقيقي لكلمة” مستقلة”، وقد تختلف آراؤها واتجاهاتها وفق التيارات والأحزاب التي تتبع لها، وهل هي موالية للسلطة أو الحكومة أو معارضة لها، ولكنها لاتختلف على الهدف الذي جمع لأجله مايسمى” الشتات اليهودي “من مختلف أنحاء العالم وهو وجود الكيان الصهيوني أو الإسرائيلي واستمراره واستقراره،وإذا شنت الحكومة الإسرائيلية على من تسميهم “مخربين” أو”إرهابيين” أو”أعداء” فإنها تؤيد الحرب ولكنها تختلف حول بعص التفاصيل والنتائج.
كيف يقوم الإعلام بدوره الحقيقي؟
إن دور الصحافة والإعلام الحقيقي يشبه دور الفيلسوف الذي يرى المشكلات والأخطاء والشوائب في المجتمع والواقع والمذاهب الدينية والإيديولوجيات والسياسة والإقتصاد فينتقدها ويدعو إلى إزالتها أو إصلاحها وتصويبها، ويرى الإعوجاج في سلوك البعض فينتقده ويحاول أن يقوِّمه بلسانه وقلمه، وينطلق من ذاته وعقله وإرادته لا مماتريده السلطات السياسية والمذهبية ومن يسمون “زعماء” والأحزاب والأثرياء، ولا مما يريده أو يطلبه الجمهور أو القطيع الجماعي الطائفي والحزبي والعشائري والشعبي، ولايقوم بدور شعراء البلاط والمديح والهجاء، ولايردد ببغائيا”مايقوله الآخرون وما يطرحونه من نظريات وآراء ومفاهيم، معتقدات وشعارات، ولايجمِّل الواقع ولايجعل الخطأ صوابا” والصواب خطأ”. ومن الأمثلة على ذلك : العديد من السياسيين والمنظرين يقولون إن الديموقراطية الإنتخابية هي أفضل الأنظمة، وهي مرادفة للحرية فيما الديموقراطية هي حكم الشعب لاحكم النخبة، فهل حكم الأكثرية العددية التي تضم مختلف المستويات بمن فيها الجاهل والسطحي والغوغائي والفاسد أفضل من الحكم الذي يقوم على معايير العلم والثقافة والإختصاص والكفاءة والجدارة؟ فكيف إذا كانت هذه الديموقراطية الإنتخابية ذات وجه عددي طائفي حزبي عشائري كما هو الحال في لبنان؟ حيث يفضل التابع للقطيع الطائفي والحزبي والعشائري والشعبي على النخبوي الحر المستقل وإن كان الأول جاهلا”وقليل الثقافة والأخلاق وغير كفء وفاسدا”، ممايوجد حالة تفاوت إقتصادي واجتماعي ظالم وغير متوازن، حيث الأدنى يفضل على الأعلى منه بالمستوى العلمي والثقافي والمعنوي في مجالات التوظيف والعمل والدخل والثروة والتكريم والمنصب والمركز الإجتماعي، وهي ليست مرادفة للحرية والإستقلال، ويقول بعض منظري علم السياسة الغربيين إن “الديموقراطية تختلف عن الديكتاتورية بالدرجة لاالنوع”، فهي تنطوي على ديكتاتورية الأكثرية العددية، و لاتعني دائما”، إنتظام الأمور في الإتجاه الصحيح والمتوازن والعادل، وبخاصة في الديموقراطية الطائفية الحزبية غير الخاضعة لضوابط كافية حيث يختل التوازن لمصلحة التابع والطائفي والحزبي والشعبوي والفوضوي والوقح واللئيم والمزعج والإنتهازي والفاسد، وتحدث من فترة إلى أخرى أزمات وحالات عدم استقرار وفساد مالي وإداري وهدر وإثراء غير مشروع ومحاصصة في المناصب والوظائف والمرافق العامة، وهذا النوع من الديموقراطيات يمنع قيام دولة مدنيةقوية عادلة غير مرتبطة بالخارج. ويكفي أن الكيان الإسرائيلي يعتمد الديموقراطية الإنتخابية الحزبية، وهو كيان يتناقض في وجوده وممارساته مع الحرية والإستقلال والحكم النخبوي الرشيد.
دور الإعلام تجاه الحرب الإسرائيلية
المثل الثاني :الحرب الإسرائيلية على لبنان حيث يبدو بوضوح انحسار دور الإعلام الإرشادي والتصويبي والناقد والتثقيفي الذي يشبه دور الفيلسوف،
ويطغى الطابع الإخباري والتسويقي والإستعراضي والعاطفي على معظم وسائل الإعلام والتواصل، وتكثر التحليلات والتعليقات والتوقعات التي تركز على الوقائع اليومية والآنية للحدث وتخضع للتسييس والتحزب والإيديولوجيا والعواطف بين يحمِّل حزبا”معينا” المسؤولية الكاملة (La responsabilite) عن نشوب هذه الحرب ونتائجها المدمرة من جهة، ومن يقول إن هذا الحزب استبق بإعلانه فتح جبهة إسناد غزة خطة إسرائيلية جاهزة لشن حرب عسكرية ضده. وتدور هذه الأحاديث والتحليلات والتعليقات والتوقعات حول من هو المنتصر ومن هو المنهزم في هذه الحرب؟ وماهو الثمن السياسي والإنتخابي الذي سيحصل عليه طرفا الحرب؟ رغم أنه لامنتصر ولامنهزم في هذه الحرب.ولاشيء من هذا القبيل يساوي ماأنتجته هذه الحرب من دمار هائل وعدد كبير من الضحايا، ونزوح كثيف وضاغط، و تدهور إقتصادي يشمل مختلف القطاعات وخاصة قطاعي الخدمات والسياحة وبعض المهن والأعمال الحرة وارتفاع إضافي في أسعار السلع والمواد الضرورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى