عربي

البرغوثي والسنوار والحرية؟

بكر أبوبكر

من الواضح أن العقل الفلسطيني مازال يدور حول فكرة الزعيم أو فكرة المُلهِم، رغم أن الزعامة أو الالهام أو الجاذبية التأثيرية (الكاريزما) لا تنطبق على كل صاحب موقع محدد، أو هي ليست مطلبًا يمكن تحقيقه بمنطق الانتقال التلقائي من درجة إلى درجة أخرى. فهي تتكوّن بسياق عوامل كثيرة شخصية من جهة، وبيئية موضوعية من جهة أخرى وعبر مواقف عديدة وتحديات صارمة ومنعطفات ضخمة، وفي جميع الأحوال هي فكرة جذابة، وتلقى رواجًا، ومريحة للناس عامة.

العقل الفلسطيني –أم هل نقول العاطفة أو الانجرار-لم يختبر باعتقادي فكرة النظام الحاكم أوالقانون من خلال دولة الحرية والمواطنة الكاملة، من خلال الدولة الديمقراطية بالثقافة والمؤسسات والأدوات الفعّالة، وذلك لافتقاد أي فرصة حقيقة لتجسيدها بإطار الدولة الفلسطينية. وثانيًا لضعف الأداء “الديمقراطي” للإطار المتشكل قبل الدولة أي السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة، والإطار الآخر الموازي الذي تشكل إثر “الحسم العسكري” في قطاع غزة.

وهذا الوعي الشعبي أو العقل العام لربما مازال أسيرًا لفكرة الزعيم الملهم او القائد المؤثر (كاريزما) التي تتجاوز المؤسسات والنُظُم والحريات، فتحقق المرغوب أو المامول؟

لم تكن لديمقراطية عديد مؤسسات السلطة المشهودة (مادون التشريعي والرئاسة)، و”لا ديمقراطية” كل المؤسسات في غزة-الحسم إلا لطمةً لمشروع “الثقة وتعزيز” المواطنة والديمقراطية والمساواة.

وفي النقطة الثالثة ولربما تكون الأولى يأتي الدور الإسرائيلي الذي عمِدَ على إفراغ أي مشروع ديمقراطي أو استقلالي تحرري فلسطيني من محتواه، فظهر أي فعل سواء للسلطة بالضفة أوالموازية لها في غزة بمظهر الفشل الذريع أو الفساد، أو التبعية، وبالتنفير من الطرفين، بغض النظر عن الفروقات الكثيرة المعروفة بين التجربتين.

سعى النظامُ الإسرائيلي الفاشي لتكريس فصل الكيانين بالضفة وغزة بالقوة أحيانًا وبالإغراء حينًا آخر، وعمل على إظهار كل ركائز الفشل كبيرة أو صغيرة، حقيقية أو كاذبة مضللة بأي منهما-ولسان حاله يقول بتضخيم وتكرار مقصود: أنتم فاسدون كلكم وأنتم لستم مؤهلين لا لحكم ذاتي ولا لدولة. ولا بد أن شخصيات قيادية محددة قد أسهمت في هذا الأمر فخرجت من إطار الزعامة أو التأثير لتصبح الناس بانتظار المنقذ أو الملهم الخفيّ أو المأمول خارج القائم! لاسيما وحالة التجمّد والتكلّس والوظيفية الرتيبة المناهضة أبدًا لحالة الابداع والتغيير والمبادرة أي الوظيفية المناهضة لما يمكن تسميتها العقلية الكفاحية الواعية بغض النظر عن الموقع.

ما العلاقة بين الشخصية الإلهامية من جهة، ونظام المواطنة والقانون والمؤسسات في ظل ما سبق؟

إن استقرار الرأي بأن النظام الديمقراطي أو نظام القانون والمواطنة الكاملة فاشل يكرس دومًا بالعقل الجماهيري البديل بضرورة وجود شخصية مؤثرة (كاريزمية) يعلّق عليها الناس آمالهم وأحلامهم، ما هو أسهل وأكثر وضوحًا من انتظار اختبار أوإصلاح أوتطوير أو تغيير الثقافة أوالآليات الديمقراطية للجميع، التي لا يتمسك بها باعتقادي اليوم إلا مجموعات المثقفين وقادة الرأي، والمفكرين والمصلحين والكوادر المتقدمة بالتنظيمات المجتمعية والسياسية.

أنا لا أريد أن أناقش هنا فكرة من هو الأهم والأفضل القائد الملهم أو المنقذ الفرد، أم المؤسسة والنظام الملهم؟ القائد المؤثر أم ترسيخ أسس نظام المواطنة والقانون ونظام الديمقراطية من حيث هي ثقافة: حوار والتزام دائمة بالمجتمع، وليس فقط بالسياسة عبر الصندوق. وإنما أحاول أن أفتح مساحة أوسع للتساؤل وحك الوعي والمقارنة والتفكر والتأمل.

في كل استطلاعات الرأي يفوز (الأسير) مروان البرغوثي كرئيس لدولة فلسطين في المرحلة التالية، وهو شخصية مؤثرة بسياق الزعامة بلا شك وله تأثير وتاريخ نضالي حافل ومشهود، وبنفس الإطار قامت “حماس” من أيام باختيار شخصية محاصَرَة (أسير) ولكنها مؤثرة، وتتسم بالزعامة أيضًا فيها، فكان يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي.

المثير بالأمر بالنسبة لي بالسياق هنا هو اضطرار العقل الشعبي الفلسطيني وحتى الوعي السياسي القيادي كما ظهر أيضًا للتمسك بالشخصيات الإلهامية المؤثرة-المنقذة، بغض النظر عن اختبار مقدرتها للقيام بأعباء الموقع اللاحق، استنادًا منها لأمل بالمستقبل ربما؟ أولتجربة سابقة أو مفاصل تاريخية محددة ارتبطت بهذه الشخصية أوتلك، على الرغم من حالات التقييد والحصار أو الأسر، وتقييد الحريات والتأثير المنطقي المتوقع بالتالي على طريقة التفكير واتخاذ القرارات المصيرية. أولرغبة لدى هذه القيادات القائمة من الخروج من أزماتها بالقاء العبء على الأمل والمجهول أو على الزعيم، أوللتحلل من اتخاذ القرار الصعب أو المصيري!.

مما لا شك فيه أن الشعب العربي الفلسطيني الباسل شعبٌ مناضل ويحب المناضلين ويفتخر بكل قياداته التاريخية، ويتأسى بهم وهو الى ذلك شعبٌ ينهد نحو الحرية والاستقلال والسلام. ولربما عاش في ظل قيادات مُلهمة ومؤثرة في معظم جوانب حياته التي هيمن عليها لفترة طويلة الخالد ياسر عرفات فلم يعد للثقة بفكرة النظام الديمقراطي المؤسسي مساحة أكبر لتقفز على فكرة الانصياع للزعامة أو الشخصية الملهمة لاسيما في ظل ماذكرناه من ضعف الأدوات وعدم قدرة الآليات الديمقراطية على إثبات نفسها، أما في حالتنا المحددة أي حالة مروان البرغوثي ويحيى السنوار فإن الفرضيات بأي اتجاه قد تحتاج لاختبار بغض النظرعن طبيعة القرار المتخذ، ولربما تفاجئنا الأيام القادمة بشرح ما نتفكر فيه ونتأمل وبما لم نفهمه. https://bakerabubaker.net/

Baker AbuBaker

writer & author

Palestine-Ramallah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى