طرابلس ، الثقافة والامن والوجه الحضاري المُغَيّب .نبيل الزعبي
في خِضّم الهمروجة التي تعيشها مدينة طرابلس هذه الايام بوصفها عاصمة للثقافة العربية في لبنان للعام ٢٠٢٤ ، طرأ على الحدث امران خطيران لم يأخذا حقهما من الاهتمام لما لهما من تَبِعات امنية واقتصادية على البلد بدون ان يفاجئا احد بقدر ما سُلِّطت الأضواء على الاول الامني والتعمية على الآخر الاقتصادي ليطرحا اكثر من تساوُلٍ وسؤال :
١-هل هي المرة الاولى التي يضيئ بها الاعلام اللبناني على اسلحة المسدسات التركية ” الرخيصة” التي يعرفها القريب والبعيد ولم تكن تحتاج إلى الصدفة للإضاءة عليها وقد سبق ان أُثيرت منذ سنوات ايام القلاقل الامنية التي عصفت بمدينة طرابلس، ليقترن التساؤل بالعجب ، ويا لها من صدفة خيرُّ من كل حواجز التفتيش الامني والجمركي داخل وخارج مرفأ طرابلس عندما تنصّلت الأجهزة المعنية من مسؤولياتها واخذت الواحدة منها ترمي المسؤولية على الأخرى وادخلت نفسها بنفسها في خانة التواطؤ العلني وتأكيد وجود اكثر من حالة مماثلة لأسلحة تدخل إلى لبنان سواء بحاويات الزيت التي لا تُفتَش كما جاء في بيانات رسمية بالتزامن مع اعذار اقبح من الذنب عندما ربطت التقصير بالثقة الزائدة بالامن التركي وتفتيشه الذاتي للبواخر قبل اقلاعها من المرافئ التركية ، إلى ما تسرّب عن تعطيل مفتعل لاجهزة التفتيش في المرفأ اللبناني بفعل فاعل ، وكلها أمور إن لم تدخل الواحدة منها في خانة الفضيحة المجلجلة ، ما عساها تسمى يا ترى ! وكل شيئ صار ” على عينك يا مواطن “مهما كبرت القضية وتوسعت ، بالصدفة حصلت ام بغيرها ، مع القناعة التامة ان كشف الفساد في هذا البلد لا يحتاج إلى الصدفة على الإطلاق بعد ان تنكّب حملة مكافحة الفساد بأنفسهم حماية الفساد وتنظيمه وسقطت الشعارات عل عتبة مصالح الجميع دون استثناء .
٢-كم من السياسيين اللبنانيين توقف امام التقرير الأخير الصادر عن البنك الدولي والذي أكدّ ان الفقر في لبنان عميقُّ جداً وبأبعاد مختلفة وبات في عمقه وشدّته دون مستويات الحدود الدنيا للفقر وثمة محافظات ، يتعدى فيها ال٨٢ بالمئة وعائلات تعيش على المساعدات ، منها من يكتفي بوجبة عذائية واحدة في اليوم ومنها من لايتعدى دخلها الدولار الواحد يومياً إلى غير ذلك من التوصيف الذي لم يُضِف اي جديد على الامن الاجتماعي والاقتصادي اللبناني وانما زاده تفاقماً وتعقيدا ومن الجدير في هذا المجال الاضاءة على ما سبق لمنظمة الإسكوا ان اجرته منذ سنوات ، بتكليف من برنامج الأغذية العالمي، من مراجعة استراتيجية لملف الأمن الغذائي والتغذوي في لبنان، ونتج عنها توصيات ملموسة لتحسين الأمن الغذائي والتغذية لجميع المجتمعات في لبنان ، واذا بالأيام والليالي تمضي مسرعةً ولا يُسمَع في ظلماتها سوى “تطنيش”الحكومات المتعاقبة الذي تتحمل فيه حكومة تصريف الأعمال ومن سبقها ،المسؤولية الكبرى عن هذا التدهور الذي لا تكفي ” البهورات” والمواقف الشعبوية لوزير الشؤون الاجتماعية الحالي من وقفه او الحد منه .
لقد كان حرياً برئيس حكومة تصريف الأعمال الذي ارتجل خطاباً “مكتوباً” في قلب مدينته ، عاصمة الثقافة العربية لهذا العام وعلى ارض معرض الشهيد رشيد كرامي الدولي الذي،بدوره، يكاد يُحتَضَر لشدة الاهمال المزمن اللاحق به ، ان يقدم جردةً ولو يتيمة بالإنجازات التي قدمتها حكومته لمدينته التي استغرق طويلاً في وصفها متناسياً ان طرابلس رُشِّحَت منذ سنوات كعاصمة اقتصادية للبنان فبقي ذلك على الورق مثلما بقيت كعاصمة ثانية منذ الاستقلال المزعوم ، ويا ليت دولته افرح قلوب ابناء مدينته لِما على حكومته إقراره وتطبيقه لانتشال مدينته من حال البؤس والفقر الذي تعيشه او قد قدّم القليل القليل لحماية آثارها المتهالكة وأبنيتها القديمة التراثية المتصدعة المهددة بالسقوط في اية لحظة وعديدها يتجاوز الآلاف حسب إحصاءات بلدية طرابلس ، هذه البلدية المنكوبة التي جعلوا ابناء المدينة يترحمون على ايام كانت مزرعة وتحولت إلى مزارع يتنازعها كل من يحسب ان له فيها حصةً وما اكثرهم فأحدثوا فيها الشلل ولم يزل العجز بادياً على غرفها الداخلية وجدرانها الخارجية التي اُحرِقت ذات يوم بفعل فاعل ، فلم يُكتَشَف المجرم حتى تاريخه ، ولم تجد من يعيدها إلى جماليتها السابقة كواجهة اساسية للعاصمة الثقافية التي كنا نتمنى ان لا تُترَك يتيمةً من رعاية أثريائها ونوابها وممثليها في الحكومة ، شأنها شأن سائر المرافق الحيوية الاخرى من مرفأ ومعرض ومصفاة ومدارس متصدعة المباني من ينجو من انهيار أسقفها ، تتلقفه الباصات المدرسية المهترئة والخوف من فجواتها المفتوحة على مصير الطلبة فيها من السقوط والدهس على قارعة الطرق ، في مدينة تتزايد النقمة فيها بازدياد حالات الفقر والبؤر التي كفرت بكل ما يتعلق بأمن متفلت وانماء كاذب ،لا تُستَثنى منها منطقة دون اخرى ، وفي مقدمتها طرابلس بشكل خاص وهي التي وضعوا لها منذ سنوات خطةً اسموها الامن والإنماء ، فألغوا الإنماء واكتفوا بالامن الذي استدعى زج العديد من ابناء المدينة في السجون ، منهم من انتهت محكوميته ولم يخرج ومنهم من لم يُحاكَم بعد ،وقد استمر توقيفه ما يتجاوز الأحكام إن صدرت ، وفي ظل كل ما تقدم ينبغي ان نفرح لاعتبار طرابلس عاصمة ثقافية كخطوة متقدمة ينبغي على الجميع الالتفات الجدي إلى المدينة واسترجاع حقها السياسي والاقتصادي كعاصمة ثانية للبنان تحوي مدينةً مملوكية تنافس القاهرة ، ويحق لحجارتها القديمة ان تتحدث عن الحضارات التي تعاقبت عليها لتعود إلى الحياة من جديد بعدما غُيّبَت عنها عن سابق تصوُرٍ وتصميم عقودُ وعقود .