مقالات

بين مؤتة وغزة: قياس فاسد \ محمد أسوم

للأسف ، يطالب بعضهم ( علماء وإسلاميون ) باستسلام غزة وانسحاب مقاومتها وتسليم سلاحها ، قياسا على انسحاب خالد بن الوليد رضي الله عنه بجيش المسلمين في غزوة مؤتة، زاعمين أن في الحالتين “إنقاذاً لأرواح المؤمنين”…

هذا القياس فاسد من أصله، ولا يصح شرعاً ولا واقعاً، والفرق بين الحالتين كبير، وإن وُجد وجه شبه ظاهري.

وأهم الفوارق ما يلي:

  1. طبيعة المعركة:
    جيش مؤتة قاتل في أرض العدو، بعيداً جداً عن المدينة المنورة ودولة النبوة، فكان جهاد طلب لا جهاد دفع. أما غزة، فهي تدافع عن أرضها وأهلها ضد محتل غاصب لفلسطين يرتكب أفظع الجرائم منذ 77 عاماً.
  2. الأسرى:
    الروم لم يكن لديهم أسرى من المسلمين، بينما يوجد أكثر من عشرة آلاف أسير مسلم في سجون العدو ، تحريرهم واجب لا يجوز التفريط فيه.
  3. خطر الزحف:
    الروم لم يخططوا لغزو المدينة أو اقتلاع دولة النبوة، بينما إسرائيل وحلفاؤها كانوا يعدّون لتهجير أهل غزة قسراً ضمن مخططات “صفقة القرن” و”أبراهام”.
  4. المقدسات:
    الروم لم يهددوا الكعبة، أما الصهاينة فجهزوا لهدم المسجد الأقصى بعد ذبح بقراتهم الحمراء.
  5. المصير بعد الانسحاب:
    انسحاب خالد كان عودة إلى دولة النبوة، قاعدة الإسلام الأولى. أما استسلام غزة فلن يؤدي إلا إلى التشريد في خيام ومخيمات جديدة، مع تسابق دول عربية على التطبيع مع العدو.
  6. النتائج البشرية:
    في مؤتة، كان إنقاذ ثلاثة آلاف مقاتل متيقنا به بالانسحاب التكتيكي ، أما في غزة، فالاستسلام يعني مذابح بمئات الآلاف من المدنيين لاقتلاعهم من أرضهم.
  7. واقع القتال:
    خالد اجتهد حين أيقن أن استمرار القتال سيؤدي إلى فناء الجيش. أما رجال غزة اليوم، فهم يثخنون في عدوهم، يتفوقون عليه في الإرادة والصبر، وهم على يقين من النصر بإذن الله.
  8. التوصيف الشرعي:
    النبي ﷺ سمّى جيش مؤتة بالكرّارين لأن انسحابهم أنقذ قوة الإسلام من الفناء. أما في غزة، فالانسحاب تسليم سلاح وهزيمة كبرى، بينما صمودهم يجعلهم “الفئة الظاهرة على الحق، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها”.
  9. النتائج السياسية:
    انسحاب مؤتة لم يغيّر شيئاً في الجغرافيا السياسية. أما سقوط غزة فسيعني قيام إسرائيل الكبرى وانتهاء القضية الفلسطينية.

الخلاصة:
لا مجال للمقارنة بين مؤتة وغزة.
مؤتة كانت اجتهاداً عسكرياً مشروعاً في أرض بعيدة، أما غزة فهي معركة وجود، معركة أمة على أرضها ومقدساتها وأسرارها.
فليُطوَ هذا القياس الفاسد، ولنعلم أن جيش غزة هو اليوم جيش الفئة المنصورة، القاهرة لعدوها، الثابت على الحق، الذي لا يضره من خذله ولا من خالفه.

محمد أسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى