
عن الذين يتعبون بصمت \ بقلم الإعلامية وصال كبارة
في عالمٍ تتسارع فيه الأيام وتتزاحم المسؤوليات، يغفل كثيرون عن حقيقة بسيطة وعميقة: أن لكل إنسانٍ ظروفه التي لا يعلمها إلا الله.
لا أحد يمرّ في هذه الحياة دون معاناة أو ضغوط، غير أن البعض لا يرى من الآخرين سوى ما يظهر على السطح، فيحكم ويعاتب ويظنّ أن الغياب إهمال، وأن الصمت برود، وأن التأخير تهاون.
غير أن خلف كل تراجع قصة تعب، وخلف كل تأخير مسؤولية ثقيلة، وخلف كل غياب وجعٌ لا يُقال.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].
آية تُذكّرنا بأن الإنسان محدود الطاقة، وأن لكل ظرفٍ حدوده، فلا ينبغي أن نحاكم الآخرين على ما يفوق قدرتهم.
إنّ العلاقات لا تُقاس بكثرة الوجود، بل بصدق الشعور، ولا تُبنى على وفرة الكلام، بل على عمق الفهم.
فليس من العدالة أن نطلب من الآخر أن يكون حاضرًا دائمًا، فيما هو يواجه ضغوطًا لا نعرف عنها شيئًا.
وليس من الإنصاف أن نحاسب من يُحبّ لأنه غاب يومًا، دون أن نتساءل عمّا يخفيه من همٍّ أو انشغال.
التقدير هو اللغة التي تُبقي العلاقات حيّة مهما تعاقبت المسافات، وهو الامتحان الحقيقي للحبّ والصداقة والإنسانية.
فحين نُدرك أن الآخر يعاني، نصبح أكثر لينًا ورحمة.
وعندما نتعلم أن نفهم قبل أن نحكم، نصبح أكثر نضجًا وإنصافًا.
وما أجمل أن نجد من يقول لمن نحبّ: “أنا أعذرك… خذ وقتك.”
ففي هذه الجملة دفء لا تمنحه عشرات الكلمات، وصدق لا يُقاس بالعتب أو اللوم.
إنّ التقدير ليس مجاملة، بل وعيٌ إنسانيّ راقٍ، يزرع الطمأنينة في قلبٍ مُرهق، ويعيد للحبّ معناه الأصيل.
ختامًا، نحن بحاجة إلى أن نرى بعيون الرحمة قبل أن نحكم بعيون الغضب، وأن نُدرك أن الناس ليسوا نسخًا متشابهة من القوة والاحتمال.
فقليلٌ من التفهّم قد يُصلح علاقة، وكلمة تقدير قد تُعيد إنسانًا إلى طمأنينته.
فليكن التقدير خُلُقًا يوميًّا، لا انتظارًا لاعتذارٍ أو توضيح،
لأن أصدق ما في الإنسان هو ما يَعذِر، لا ما يُعاتب.
