
طرابلس في خضم الصراع اللبناني – الإسرائيلي.
عملية “سيريت متكال” التي نفذها الموساد الإسرائيلي في طرابلس، تُظهر بُعدا أمنياً مهما في الصراع مع العدو الإسرائيلي، حيث تُعد هذه العملية من أبرز إنجازات المخابرات اللبنانية، وأكثرها تمثيلاً لعمق التدخلات الإسرائيلية و بغطاء ودعم غربي في لبنان.
في العام 1972 وصل الى لبنان بحراً من أثينا سائح ألماني يدعى اورلخ لوسبرخ، إعتاد لوسبرخ أن يسهر في “مقهى التوب” المعروف في شارع عزمي في طرابلس، وهناك تعرف الى لبنانية تدعى جميلة معتوق، ومن ثم تقدم لخطبتها، وبعد أشهر في العام 1973 بات يتردد الى شقتها بشكل مستمر للسهر، في المبنى المقابل لمنزل جميلة كانت توجد شقة سعيد السبع، أحد أبرز اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، في إحدى الليالي لاحظ سعيد السبع من خلف شباكه المغلق أن لوسبرخ يمسك بيده كاميرا ويحاول تصوير شرفته، ولما سأل عنه تبين أنه سائح ألماني فلم يعر الموضوع إنتباهاً وإعتبر الأمر من سبيل الفضول، حتى حدث أن كان السبع في شقة جاره في جهة أخرى من المبنى وخرج ليدخن سيجارة فرأى لوسبرخ خلف ستارة يوجه الكاميرا الى شرفة منزله فإرتاب في أمره، ولكنه هذه المرة كلّف عدداً من فريق حراسته بمراقبته، فتبين أنه يتردد بإستمرار على استديو رينوار في شارع عزمي لتحميض الصور، فراجع فريق السبع بمعاونة الأجهزة الأمنية اللبنانية استديو التصوير، ليتبين أن صور لوسبرخ ليس فيها الكثير مما يدعو للشك، إنما ما لفت أنظار المحققين كان وجود مظروف لدى الاستديو يحمل صوراً لكافة غرف منزل السبع، وتبين أن ملكية الصور تعود الى مهندس اسكوتلندي يعيش في المبنى ذاته واسمه جيمس بول، هنا تم وضع بول ولوسبرخ قيد المراقبة ليتبين انهما يدعيان عدم معرفتهما ببعضهما البعض، لكنهم يواظبون على اللقاء في أماكن أخرى في طرابلس، هنا إكتشف الفلسطينيون والقوى الأمنية اللبنانية العلاقة بين الإثنين، ولدى إنكشاف أمر الصور فر من بول من المكان اضافة الى بضعة أجانب بريطانيين كانوا يقيمون فوق شقة جميلة معتوق، وإختفى أيضاً القس الأميريكي روبرت مالوي الذي كان يقيم في المحلة أيضاً، ليتبين انهم كانوا جميعاً فرقة من الموساد، فالمهندس الاسكوتلندي جيمس بول تبين أنه تسيفي زامير (رابع رئيس للموساد فيما بعد) والقس مالوي هو ضابط الموساد مايك هراري (رئيس وحدة غيدون الإستخبارية فيما بعد)، أما لوسبرخ فهو حجاي هداس (ضابط موساد ومستشار ايهود باراك لاحقاً).
قبل مغادرة هراري، تم وضع خطة أخرى، غير مدركين لإنكشاف أمر لوسبرخ الذي لم يقترب منه السبع ولا القوى الأمنية اللبنانية إنما وضعوه قيد مراقبة محكمة، هدفت الخطة الى إفتعال إضطرابات أمنية، فقد وصل الى بيروت ثمانية هولنديين (كانوا في الحقيقة ضباط اسرائيليين من وحدة غيدون) على متن يخت إستجمام زعموا انه تعطل في مرفأ طرابلس، وتم تنسيق وفبركة عملية إختطاف الألماني المزعوم من شارع عزمي عبر سيارة نزل منها ملثمين بلباس عسكري وكوفية فلسطينية، بعدها حاول الهولنديين الذهاب الى المطار فأغارت القوى الأمنية اللبنانية على اليخت وأستحوذت على ما فيه من معدات وصور وتم توقيفهم جميعاً اضافة الى هراري واولسبرخ وجميلة معتوق، ونقلهم الى سرايا طرابلس، وكانت المفاجأة بتدخل المدعي العام أسعد جرمانوس وتم إخلاء سبيل الهولنديين بسندات إقامة!!! أما هراري وأولرخ وجميلة معتوق فقد تم إحالتهم لمحاكمة صورية، أما محاميهم فلم يكن سوى (وزير طرابلسي سابق
في المحصلة، وإختصاراً للكثير الكثير من التفاصيل، أرويها لاحقاً، تم عقد صفة سرية ألمانية لبنانية فلسطينية سميت “الصفقة الألمانية السوداء”، هُرّب تبعاً لها هراري وهداس وياتوم (أعطى في البداية اسماً خاطئاً هو حاييم رافاييل) وفي مرحلة لاحقة جميلة معتوق.
أما البطل اللبناني للقصة الذي قبض على المجموعات وإنتزع إعترافاتهم وهو (النقيب وقتها) عصام أبو زكي، الذي بالرغم من كونه في وحدة التحقيقات في الأمن العام اللبناني تم إرساله على نحو مريب الى الولايات المتحدة لمتابعة دورة في مكافحة المخدرات!؟