
الإنسان مخير لامسير تجاه المذهب والمجتمع والسياسة والإقتصاد \ أسامة إسماعيل
الإنسان ليس مسيرا"بل مخيرا". فأن يولد على مذهب ديني معين لم يختره بل اختاره أهله لايعني أنه مقيد وأسير هذا المذهب طول حياته، فيستطيع عندما يكبر أن يختار من هذا المذهب مايتوافق مع عقله وإرادته وحريته واستقلاله وكرامته وحقوقه وراحته ويترك مالايتوافق مع هذه الأمور، من معتقدات وآراء ومناسبات وعادات وطقوس وأحكام، فإذا لم يجد شيئا"في المذهب يتوافق مع هذه الأمور تركه كله. وماينطبق على المذهب ينطبق على السياسة والمجتمع والإقتصاد. فأن يولد الفرد في بلد يعتمد النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي العشائري لايعني أن يكون عندما يكبر مؤيدا" لهذا النظام ومشاركا"فيه ترشحا" أو اقتراعا" ولايعني أن يسير في القطيع الجماعي والشعبي وأن يكون تابعا"للشخص أو الحزب الذي يعتبر نفسه ممثلا" للمذهب الذي ولد عليه،في النظام السياسي ومناصب الدولة.
الإنسان يتمايز عن الحيوان الإجتماعي
الإنسان يتمايز عن الحيوان الإجتماعي بعقله وإرادته وهما مصدر اختياره وقراره فيما العاطفة والغريزة والحاجات المادية والطبيعية تتبع عقله وإرادته، مما يجعله حرا” مستقلا” في تفكيره وخياره وقراره وسلوكه وغير ملزم بالسير في القطيع الجماعي أو الشعبي وراء شخص أو حزب أو منظمة معينة خلافا”للحيوان الإجتماعي الذي لايستطيع أن يسير إلا في القطيع بسبب طبيعته وغريزته وحاجاته حتى قيل إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يعرف معنى الحرية(‘La liberte) وأن يمارسها كفعل بفضل عقله وإرادته رغم الظروف والحالات والضغوط التي تعاكس حريته. فهو مثلا”، لم يختر المذهب الذي ولد عليه، وهذا الأمر يعاكس حريته، ولكنه عندما يكبر ويتفتح عقله يعي معنى حريته وإرادته فيرفض كل مافي هذا المذهب من شوائب وتشويهات وتحريفات تتعارض مع جوهر الدين والعقل والعلم والمنطق وقيمة الفرد والعدالة، كل مايقوم على تأويلات مخطئة ونصوص موضوعة ومغالاة وتخيلات وأساطير وعواطف و غرائز جماعية، كل ما يقوم على تقديس أشخاص والولاء لهم أكثر مما يقوم على توحيد الله بالعبادة والتقديس والتعظيم والولاء. لذلك يواجه من قبل العديد من التابعين للسلطة المذهبية والنافذين أو الحزب الذي يعتبر نفسه ممثلا”لهذا المذهب بالتكفير أو التخوين ومحاولات النبذ والحرمان والضغوط المادية والإقتصادية والنفسية والمعنوية، وهذه المواجهة والمعاكسة تعد حافزا” أكبر له لتأكيد حرية إرادته واختياره وقراره والتعبير عن فكره ورأيه بالقول والكتابة والفعل.
مفاهيم وعادات مخطئة حول الإقتصاد والمعيشة
يستطيع الفرد بعقله وإرادته أن يرفض المعتقدات والمفاهيم والعادات المخطئة المتعلقة بالإقتصاد والمعيشة. مثلا” : إن التوافق مع النظام السياسي والإجتماعي والمذهب الديني الذي ولد عليه والتبعية والولاء لمن يعتبر نفسه ممثلا” لهذا المذهب و”الواسطة” و”المحسوبية” هي الطريق الوحيد للحصول على وظيفة أو فرصة عمل براتب أو مدخول جيد، والإحترام والأمان في هذا البلد رغم ان طريق العلم والثقافة والإختصاص والكفاءة والحرية والإستقلال هو الطريق الصحيح والأفضل والأجدر. والمثل الثاني: تبرير الظلم والتفاوت الإقتصادي ونسبة ذلك إلى الله والغيب كأن الله يرزق ويغني ويقوي غير المستحق وغير الجدير ويحرم المستحق والجدير. فالمجتمع والنظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي وليس الله والغيب سبب الظلم والتفاوت الإقتصادي بين الأفراد. فعندما يصبح جمع الثروة هدفا”في ذاته لا الإكتفاء الذاتي والتنمية وتلبية الحاجات الأساسية يصبح المال سيدا” لاخادما”، ويسخر المال العام والإقتصاد لحفنة من الأثرياء والسياسيين والأحزاب والتابعين لهم، مايؤدي إلى التوزيع غير العادل للثروة والفساد المالي والإداري والهدر والدين العام والعجز وافتعال أزمات مالية ونقدية واقتصادية وتهريب رؤوس أموال إلى الخارج. فالإدارة السيئة للمال العام والإقتصاد والتوزيع غير العادل للثروة والمحاصصة السياسية والحزبية والطائفية وغياب الضوابط الكافية للنظام المالي والنقدي والإقتصادي عوامل تؤدي إلى أزمات مالية إقتصادية متتالية كان أشدها في تاريخ لبنان الحديث ماحدث في ١٧تشرين الأول ٢٠١٩،والظلم والتفاوت الإقتصادي. فمقابل كل شخص يثرى ويغنى هنالك شخص يفتقر أو ينحدر مستواه الإقتصادي والمعيشي، وبعد أزمة ١٧تشرين الأول ٢٠١٩ ازداد عدد الأثرياء والأغنياء الذين استفادوا من ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية مقابل ازدياد عدد محدودي الدخل والفقراء والمعطلين عن العمل، ومعظم الذين يغنون أو يثرون ليسوا ذوي مستوى علمي وثقافي مرتفع لأن من يستفيد من اقتصاد السوق والأزمات وارتفاع سعر الدولار ويغنى أو يثرى لن يصرف وقته في قراءة الكتب وكتابة المقالات والأبحاث التي لاتؤمن للمثقف والكاتب والصحافي مورد رزق ، بل يصرفه في عد الأوراق النقدية وتكديسها وجمع الأرقام التي تكون له ثروة من مئات الاف الدولارات أو ملايين الدولارات وحتى مليارات الدولارات. وهذه الثروات التي تذهب إلى أيدي هؤلاء الأشخاص كافية لمعالجة أزمة الفقر والبطالة، وبعبارة أخرى معالجة مشكلة الظلم والتفاوت الإقتصادي بين الأفراد، ولكن، لوكانت هنالك عدالة مالية واقتصادية وضوابط كافية، أصلا”، لمااغتنى وأثرى هؤلاء في الأزمات أوقبلها أو بعدها كما أن النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي لايساعد على تحقيق هذه العدالة. فالديموقراطية الإنتخابية العددية الطائفية الحزبية العشائرية تقوم على توزيع الحصص على الذين يسمون رؤساء الطوائف والسياسيين والأحزاب والتابعين والمحسوبين لهم في المناصب والوظائف وفرص العمل والمشاريع والمداخيل في القطاعين العام والخاص.
لااصلاحات شاملة وجذرية وعادلة
ينصب الإهتمام والجهد في هذه الديموقراطية على الإنتخابات وتأمين العدد والشعبية وافتعال الأزمات التي تربط باللعبة الدولية الإقليمية. ويسهم غياب الضوابط الكافية للإقتصاد الرأسمالي في حالات الهدر والإنفاق غير المجدي والفساد المالي والإثراء غير المشروع، وتغيب الإجراءات والتدابير اللازمة لإجبار الأثرياء والأغنياء على تقديم جزء من ثرواتهم لخدمة التنمية العامة الإقتصادية والإجتماعية وزيادة الوظائف وفرص العمل ودعم الرعاية وتخفيف الأعباء الضريبية عن ذوي الدخل المحدود والمنخفض عبر الضريبة التصاعدية وفق مستوى الدخل الفردي فلايعامل ذو الدخل المتدني والمحدود والمعطل عن عمله كمايعامل الأثرياء والأغنياء. ولكن، هل يقوم من جمع الثروة وكدسها نتيجة البخل والزيادة مقابل النقصان وغياب الضوابط الكافية وتجنب الضرائب والمتوجبات والاقتطاع من الثروة إلى حد تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج، بهذا الأمر؟
وهل يفرض السياسيون والأحزاب الأثرياء والأغنياء الذين يتولون شؤون الدولة هذه الإجراءات والتدابير؟ وهل هؤلاء تهمهم العدالة الإقتصادية والإجتماعية وهم الذين يستعملون نفوذهم وتأثيرهم لتوظيف التابعين والمحسوبين لهم في القطاعين العام والخاص برواتب ومداخيل جيدة وحرمان النخبوي الحر المستقل الذي ينتقدهم ولايقترع لهم، من الوظيفة اوفرصة العمل ذات الدخل الجيد، ويحمل عبء ارتفاع الأسعار أو التضخم وزيادة الرسوم والضرائب بسبب سياساتهم وإدارتهم السيئة والأزمات التي يفتعلونها رغم مدخوله المحدود أو المنخفض أو تعطله عن العمل! مما يسهم في زيادة مشكلة البطالة والظلم والتفاوت الإقتصادي بين الأفراد؟وهل يرجى من هؤلاء السياسيين والأحزاب القيام بإصلاحات شاملة وجذرية وعادلة سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية؟ وهاهم يبحثون عن قانون إنتخابي يرسخ النظام السياسي السيء بدلا”من إصلاحه وتغييره؟!
الفرد بعقله وإرادته وحريته واستقلاله وكرامته يختار مايرى أنه الصواب والأفضل في المذهب الذي ولد عليه، وفي السياسة والمجتمع والإقتصاد والفن ويرفض ويترك مالايراه كذلك، ويستطيع أن يختار الزواج أو البقاء أعزب أو التأخر في سن الزواج، ورفض العادات والمظاهر السيئة والتعقيدات التي ربط الزواج بها. وإن الإعلام معني بنقد المفاهيم والممارسات المخطئة المتعلقة بالدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والفن واقتراح تصحيحها وإصلاحها، وكذلك تشجيع حرية الفرد في الإختيار والقرار وفق عقله وإرادته وعلمه وثقافته ومصلحته لاوفق إلزامات الأهل والمجتمع والسلطة التي تفرض عليه كل شيء. ولكن معظم وسائل الإعلام السياسي والإجتماعي في هذا البلد لاتقوم بهذه المهمة بل تقوم بما هو العكس، كما أن الديموقراطية الإنتخابية العددية لاتؤمن حرية الفرد النخبوي في الاختيار والقرار فهي حكم العامة والأكثرية التي تتمسك بالالزامات والمفروضات عقائديا”وعاطفيا” ومصلحيا”دون نقد واعتراض.
أسامة إسماعيل