
همسة حق في آذان المتظاهرين “لعلمنة” سوريا* (٢) ✍️ بقلم :الأستاذ الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي
في ساحة الأمويين ، وبالتزامن مع اكتشاف مقبرة القطيفة التي تحتوي على رفات أكثر من مائة ألف من الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب -في سجون النظام الأسدي الهالك -موضوعة أجسادهم الطاهرة في أكياس ، ومع استمرار تدفق مشاهد فظائع السجون ، وقبل حلول يوم الجمعة الثاني لتحرير الجمهورية العربية السورية من نظام الإجرام والإبادات الجماعية وقهر الرجال والنساء والأطفال ، وبعد أيام معدودات من القصف الإسرائيلي الشامل لأهم المراكز الاستراتيجية في سوريا واحتلالها المتمدد ، تركب أفواج من الشباب والشابات أمواج “سوريا حرة” و”ارفع رأسك فوق..أنت سوري حر ” ليصرخوا بكل حناجرهم وبكل شراسة أنهم يريدون “دولة علمانية ولا يريدون الحكم الديني” !!
🎯من حيث الشكل : فإن المتأمل بحال المتظاهرين لا يجدهم مجرد معبرين عن وجهة نظر معينة ، بل يقرأ في وجوه كثير منهم ولغة أجسادهم أنهم سيسحقون من يخالفهم !! وثبت أن بعض منظمي المظاهرة هنَّ ممن سبق أن طلب من النظام البائد على الصفحة الفيسبوكية قصف الثوار بالكيماوي وهذا موثق لدينا،
في حين نرى بعضهم من المضلَّلين الذين جعلوا العلمانية مرادفا للحرية تارة وللديمقراطية تارة ثانية وللمدنية تارة ثالثة وللوطنية تارة رابعة دون إدراك المدلولات الدقيقة لكل مصطلح وآثاره.
🔴في الأساس : هل كان ميشال عفلق إلا علمانيا ؟ وهل كان حزب البعث العربي الاشتراكي السفاح وزبانية المخابرات إلا
رمز العلمانية بأبشع صورها ؟
إذا كنتم تقصدون بالعلمانية اللاطائفية واللامذهبية ، فهذا ما طالب به الشعب المسحوق على يد الأسرة الأسدية الحاكمة ، ودفع الأثمان الباهظة من الأرواح والممتلكات والكرامة الإنسانية والإقصاء والتهجير والتنكيل ..فدواء كل ذلك إقصاء الطغيان لا إقصاء الدين الحنيف الذي هو عين التحرر من الفراعنة على مدى العصور
🔴ثم هناك فارق كبير بين رفض حكم الدين للشعب ، وبين رفض التحكم بالشعب باسم الدين ، فالأول إجبار للشعب على الانسلاخ عن هويته الحضارية ومنعه من تقرير مصيره الثقافي والتشريعي والقضائي والتنفيذي وفق منظومة فقهية معاصرة ، أما الثاني فهو مردود لأن أبشع الممارسات على الإطلاق هو التحكم بالشعب باسم الدين الذي هو العدل والحق ، وإن العلماء الربانيين في سوريا هم الذين يكافحون التدين المغشوش بكل صوره وكانوا ولا يزالون من أئمة الهدى في العالم كله وقد بذلوا الغالي والنفيس جراء مواقفهم الحرة وتحمّلوا ما تحمّلوه عقودا من الزمن .
🔴لقد وقع المتظاهرون فيما يوهمون الناس أنهم يريدون الفرار منه ..ألستم من يفرّ من الأصوليين الذين يحبون إكراه الناس على نموذج يعتقدونه ، فتحولتم إلى الأصولية العلمانية التي تريد إجبار الشعب على نموذج معين ؟
🔴ثم أليست الثورة نفسها التي حررتكم من نظام القهر والاستبداد والاستعباد هي ثورة على تشويه الدين وتوظيفه للدعوة إلى الحاكم الجزار المستبد على المنابر ، وثورة على تدخل نظام الملالي في طهران الذي فتك في سوريا بتوظيف الدين توظيفا خبيثا لنحر الشعب السوري الحر دفاعا عن المقامات المقدسة والسيدة زينب وارتكب باسمها مجازر لا ترضى عنها لا زينب ولا أبوها ولا أمها ولا جدها خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم !
🔴أما إذا كانت الهتافات ضد ما يسمى بالحكم الديني ، فإنه وبمنطق الحرية نفسه ، إذا اختار الشعب أن يُحكم بدينه فلن تستطيعوا منعه فهذه ببساطة حريته التي يجب احترامها ، علما أن الحكم بشرائع الإسلام الحنيف لا يعد حكما دينيا بالمعنى التيولوجي الكهنوتي الكنسي الذي ثارت عليه علمانية فرنسا المدعومة من اليهود ، فلا طبقة رجال دين في الإسلام بل العبرة بالعلم والخبرة بمنهاج العدل والإنصاف لكل الناس والذي نزل به وحي السماء فلا يعدّله أحد على الإطلاق ..ألم يكن الدواليبي والزرقا والسباعي رحمهم الله رجالات العلم والمؤسسات هم من تبوأ مسؤوليات جسام ما بين رئاسة وزراء ووزارة عدل ونائب رئيس البرلمان السوري ؟!
🔴هل تعلمون أن العلمنة بالمعنى الذي تطالبون فيه هي عودة خاطفة إلى الظلم والاعتقالات والإقصاءات بثوب جديد ، فهي اعتقال القرآن العظيم في البيوت ، واعتقال الإسلام العظيم في المساجد ، وإقصاء عقول الفقهاء المبدعين عن ساحات التطوير والتحديث في كل مناحي الحياة لمجرد اقتناعهم بضرورة الاستئناف الحضاري الإسلامي المنفتح الذي تتعطش له البشرية كلها بعدما انهارت المنظومة القيمية للغرب، في مقابل استيراد تشريعات معلبة ومنتهية الصلاحية لتحكم غدا سوريا والأسرة السورية كما حكمتها في عدد من الدول في القارة الأوروبية العجوز وغيرها !! تعيبون ما تسمونه وصاية الدين على المجتمع ثم تحاولون ممارسة وصايتكم على رب المجتمع باستبعاد وحيه العظيم عن الشعب الذي يحبه ويريد ذلك!!
🔴ثم ما علاقة سوريا باللادينية المسماة زورا بالعلمانية ؟وهل هي انتاج سوري محلي أم أن العلمانية بضاعة فكرية مستوردة ..فماذا تبقى من سوريتكم إذا كانت منظومة الفكر مستوردة لا تمت إلى تحضر سوريا وحضارتها العربية الإسلامية الأصيلة ؟!!
🎯إنها حرب المصطلحات ، وحرب المفاهيم المزيفة ، فهل هكذا يكون شكر الله على نجاح الثورة المظفرة بإعلان المطالبة بالحجْرِ المسبق على كل ما يمتُّ إلى الله تعالى بِصِلَة في رعاية الناس وشؤون الناس طالما أنه مستقى من رب الناس ملك الناس إله الناس ، كل ذلك بعد أن كشف الكرب عنكم وجعلكم تحطمون أصنام ظالمكم ..
🎯فهل تريدون بناء صنم جديد اسمه العلمنة لتجعلوا منه المقدس الوحيد لتغطية أهوائكم في الحياة والحكم والسلطة ثم تقومون بنزع القداسة عن كل ما يخالفها ؟!
🎯كونوا أحرارا .. وتمردوا على الصنم الجديد قبل نصبه في ساحات سوريا الجديدة، فإن نزلتم إليها بالمئات لتقديسه ، فارتقبوا نزول الملايين من الأحرار
للدفاع عن الهوية الحضارية لبلاد الشام في وجه تركة عفلق وعلمانيته البائدة.