مقالات

من بيروت 1982 إلى الخيام وأخواتها 2024

الاعتداءات الصهيونية المتجددة تسقط الرهان الشعبي على دور الجيش في الدفاع عن لبنان و شعبه
المؤرخ و الكاتب السياسي د. حسن محمود قبيسي

ما عاشته الخيام وأخواتها على مرأى و مسمع كل متابع ، وما عانه عائدون ،عاد بذاكرتنا إلى أيلول 1982، وحصيلته مجزرة صبرا و شاتيلا ، وقد صنفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” ما حدث في صبرا وشاتيلا ضمن “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية” ، ووصفها بعض من عايشها بأنها “الأبشع في التاريخ الإنساني”. مجزرة ارتكبها الجيش الصهيوني بقيادة وزير الحرب أرييل شارون وعملاؤه : مسلحو حداد (جيش لبنان الجنوبي) بقيادة سعد حداد، والقوات اللبنانية (الجناح العسكري لحزب الكتائب وحلفائه في الجبهة اللبنانية ) بقيادة إيلي حبيقة، ضد اللبنانين و اللاجئين الفلسطينيين في مخيم صبرا وشاتيلا، واستمرت من يوم 16 إلى18 أيلول /سبتمبر/ 1982 . ووقف الجيش اللبناني الفئوي يومها على الحياد .
في المقدمات و المسببات
حوصرت بيروت الغربية بالكامل صيف 1982، ودارت اشتباكات برية استمرت نحو شهرين بين القوات المشتركة التي ضمّت فدائيين من منظمة التحرير ومقاتلين من القوى الوطنية اللبنانية وكتيبة سورية من جهة، والقوات الصهيونية التي قصفت العاصمة وارتكبت مجازر بحق المحاصرين وقطعت عنهم الماء والكهرباء من جهة أخرى.
رفع الحصار باتفاق يقضي بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، ونص على وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني وانسحاب مقاتلي المنظمة ( وقد تم في الأول من أيلول 1982 )،مقابل تعهد وضمانات أمريكية بحماية المخيمات واللاجئين في لبنان، وعدم دخول الجيش الصهيوني إلى بيروت ،مع نشر قوات حفظ سلام متعددة الجنسيات لضمان ذلك.
لكنها انسحبت بسرعة فيما بعد.
اغتيال الجميل الذريعة
بعد ظهر14 أيلول / سبتمبر 1982،اغتيل بشير الجميل عندما كان يخطب في رفاقه أعضاء الحزب، حيث قتل و26 آخرون من أنصاره المتهورين .
وبعدها اقتحمت القوات الصهيونية بيروت مستغلة إزالة المتاريس وجمع السلاح من القوات المشتركة واسترخاء مقاتليها؛ لكن مسارعة المقاومين الوطنيين للقيام بعمليات بقرارات ذاتية ، حمل العدو الصهيوني على استجداء وقفها ،والانسحاب من بيروت بدءًا من يوم الأربعاء 22/9/ 1982 ومن مطارها بين 26و 29/ 1982.
احتلتها يوم17 /9 /1982 رغم مقاومة أشبه ما تكون بالرمزية لرفع العتب ، كان أول شهدائها من المقاومين الاستشهاديين القائد الشهيد محمود وهبي (قائد القوة الخاصة في التنظيم الثوري الناصري/ قوات ناصر ) في منطقة البربير، وأجّل تجلياتها مقاومة مقاتلي الاتحاد الإشتراكي العربي ( حزب الاتحاد فيما بعد ) وتفجير راجمة صواريخ بالقوات المتصهينة .
وخرق العدو الصهيوني بذلك اتفاق فيليب حبيب (المبعوث الخاص للرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط)، وهو أول اتفاق رسمي يُتوصل إليه بين منظمة التحرير وحكومة العدو ووقعه الطرفان في 24 تموز / يوليو 1981.
وشكلت «إسرائيل» عام 1982 “لجنة كاهان”،فأكدت أن وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون وعددًا من الضباط الكبار في جيش العدو كانوا مسؤولين مسؤولية غير مباشرة عن هذه المذابح. أرغم شارون على الاستقالة من منصبه لكنه احتفظ بمنصب وزير بلا حقيبة في الحكومة. ومن جانبها، أكدت “لجنة ماكبرايد” المستقلة الأممية أن «إسرائيل» تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية القانونية عن المجزرة، واتهمتها بالمشاركة في التخطيط والتحضير للمذابح وتسهيل حوادث القتل من الناحية الفعلية، ورأت أن المليشيات اللبنانية قامت بدور المنفذ للمجزرة.
إلى خروقات آلية 1701
الجمعة 29/11/2024:
أطلق العدو الصهيوني قنابل مضيئة في أجواء سهل مدينة الخيام وتلة الحمامص في الأطراف الغربية والجنوبية للمدينة مقابل مستوطنة المطلة، واستخف بتعهداته وبالاتفاق مع لبنان الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا ، وبواسطة اليونيفل التي حملت موافقته على دفن مواطنة خيامية من أل التنوخي ، ثم تراجعه ومنع المشيعين من دفنها ثم قصف سياراتهم وسيارة الأسعاف.
وحلقت مسيراته في أجواء منطقة الزهراني جنوبي لبنان على علو منخفض، وأطلق رشقات نارية كثيفة على محيط «مستشفى بنت جبيل الحكومي» جنوبي لبنان
ويوم السبت 30/11/2024، قصف مدفعي «إسرائيلي» يستهدف سهل الخيام في أطراف القليعة ، وإصابة عدد من الأشخاص جراء غارة من مسيّرة استهدفت سيارة من نوع «رابيد» كانت مركونة إلى جانب الطريق في مجدل زون (صور) ، وارتفاع حصيلة الغارة «الإسرائيلية» على بلدة رب ثلاثين الجنوبية إلى شهيدين، وقد يصل إلى ثلاثة ، وشنه غارة ثالثة استهدفت تبنا بين تفاحتا والبيسارية في جنوب لبنان،واستشهاد المواطن حسن حمد فقيه و جرح باقر جواد هاشم جراء غارة استهدفتهما داخل بلدتهما رب ثلاثين في جنوب لبنان، وغارة على البيسارية أدّت إلى إصابة شخص بجروح،وأخرى استهدفت أطراف تفاحتا المجاورة للبيسارية في جنوب لبنان، وغارة على سيارة في مجدل زون أدّت إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح من بينهم طفل يبلغ من العمر سبع سنوات ،وأخرى تستهدف تبنا في أطراف البيسارية في جنوب لبنان للمرة الثانية بعد وقف إطلاق النار،و تمشيط بالأسلحة الرشاشة باتجاه محيط بنت جبيل ويارون
ومحاصرة جنود الاحتلال مواطن داخل سيارته في مرج العبد بعيترون بعد توغلهم إلى وسط البلدة ويجبرونه على تركهاوالابتعاد قبل أن يضرموا النيران فيها ، وغارة على سيارة في مجدل زون أدّت إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح من بينهم طفل يبلغ من العمر سبع سنوات،وتقدّم لقواته باتجاه طريق عام عيترون وقطعتها بردمها بالأتربة،كما تم رصد آليات العدو تتجوّل داخل بلدة دير ميماس قبل أن تعود جنوباً إلى هورا بين دير ميماس وكفركلا،ومسيرات في سماء بيروت و بعبدا وضاحية بيروت الجنوبية
واستكملت يوم الأحد 1/12/2024 بغارة على يارون وقصف مدفعي استهدف محيط أرنون الشقيف في جنوب لبنان فجر اليوم.و انفجار هائل وقع في بلدة الخيام فجر اليوم يُرجّح أن يكون ناجماً عن قيام العدو بعملية نسف لبعض المنازل والمباني ، و….
ومأزق تحميل الجيش فوق طاقته
كان اغتيال الجميل 14/9/1982 الذريعة . ولا ذريعة اليوم ولادافع للتصعيد الصهيوني إلا صمود اللبنانين رغم تتابع الاعتداءات ، فكل اعتداءاتها المتواصلة لم يمنع 88% من النازحين من العودة إلى بلداتهم و مدنهم على ما أكده منسق «لجنة الطوارئ الحكومية» الوزير ناصر ياسين، في مدينة النبطية يوم 30/11/2024، رافعي رؤوسهم متمسكين بالنهج المقاوم ، وهو ماحجم نتنياهو وسخف طروحاته وادعاته وعنترياته الجوفاء .
و يتعامى جعجع و الجعاجعة عن تلك الخروقات ويطالب بسحب سلاح المقاومين، ويزايدون حتى على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه الذي طالب باتصال مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي يدعو أثناء مكالمتين هاتفيتين «جميع الأطراف [ كان الأدق لو انحصرت المناشدة بالعدو الصهيوني ]إلى العمل على التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار».
لاتتطابق نظرة العدو الصهيوني إلى الجيش اللبناني و دوره مع موقف المجتمع الدولي، لذا لا ينتظر اللبناني من الجيش القيام بدوره الوطني في الدفاع عن لبنان وشعبه لغياب الاستراتيجية الدفاعية و العقيدة القتالية ، فانعدمت الثقة مما يعيد إلى الأذهان ظاهرة شهدتها بيروت أولًا بعد تنصل العدوالصهيوني من التزاماته وتنصل الولايات المتحدة الأمريكية من تعهداتها بحماية المخيمات، بعد وقف القتال وانسحاب العدو الصهيوني من بيروت خريف 1982 ، الظاهرة التي قد تتجدد قريبًا ، باسنهاض مجموعات من الذئاب المنفردة ، من بيئة مقاومة لا تربطها أي علاقة بالمقاومة الإسلامية الملتزمة بوقف إطلاق النار، ولا تقل ضرباتها إيلامًا بل أشد فتكًا ، والمقاومة ليست مسؤولة عن ضبط الأوضاع الداخلية ، وهذا مأزق جديد للمجتمع الدولي المسؤول عن قيام العدو الصهيوني و الحروب الدائمة في منطقتنا العربية ، باعتراف الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي رد على تهجّم نتنياهو المتكرر على الأمم المتحدة قائلاً: «عليه أن يتذكّر أن بلده وُلد بقرار [مشروط ] من الأمم المتحدة »، في إشارة إلى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولة «إسرائيلية» ودولة عربية.
الخروقات و مواصلة الاعتداءات أحرجت الجيش اللبناني و قيادته وأسقطت الرهانات على أي دورلاحق له في قتال العدو الصهيوني ، ما لم تؤمن له مستلزمات التصدي عدة و عديدًا ، وجعل المطالبين بتحجيم المقاومة عرضة للتنمير و الأستهزاء و التشكيك وؤتعريض لبنان للاحتلال ( والدخول والاجتياح إذا جوبه وتصدى له مقامون لا يُكرس احتلالًا ) و اللبنانيين للمذلة أو حتى لانتداب أو الوصاية .
انتشار الجيش المدافع عن لبنان و سيادته على كل الأراضي اللبنانية مطلب شعبي وطني ،لا مقررات دولية ولا توصيات إقليمية ولا مزايدات تتماهى مع الطرح الصهيوني، المراهن على قيام الجيش اللبناني في زمن السلم ما عجز الصهاينة عن القيام به حربًا ،و بالقوة . وهو ما يحتم وضع استراتيجية عسكرية ، واعتماد سياسية دفاعية ، وتحمل دولة رعاية مسؤوليتها كاملة ، وفي ذلك الاستقرار و التنمية و السيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى