
من النفط إلى الخوارزميات:صراع الشركات العالميةعلى اقتصاد الخليج الرقميالمصدر مجلة الاقتصاد والاعمالد. خالد عيتاني*
من النفط إلى الخوارزميات… هكذا يمكن اختصار التحوّل الاقتصادي في الخليج العربي.
فبينما كانت الثروة لعقود تُقاس بعدد البراميل المصدّرة، أصبحت اليوم تُقاس بعدد المعالجات الذكية ومراكز البيانات.
تحوّلت السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعُمان إلى محاور استراتيجية في خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية، ” Microsoft، Amazon Web Services، Google Cloud، Oracle، Huaweiحيث تتنافس الشركات الكبرى:”، على إنشاء سُحب وطنية، ومراكز بيانات، ومعامل ذكاء اصطناعي تخدم الاقتصادات المحلية وتُعيد تعريف مفاهيم السيادة الرقمية والتنمية البشرية.
وفيما تتسابق الدول نحو “التحول الخوارزمي”، يبقى السؤال الأهم: من يقود فعلاً ثورة الذكاء الاصطناعي في الخليج؟ هل هي الشركات الغربية بقدراتها التقنية، أم الآسيوية بمرونتها وسرعتها، أم تحالفات تجمع الاثنين ضمن رؤية خليجية مستقلة؟
أولاً: السيادة الرقمية والسحابة الوطنية
تشهد دول الخليج طفرة غير مسبوقة في إنشاء مراكز البيانات، إذ أعلنت المملكة العربية السعودية عام 2025 عن خطة لتوسيع قدرتها الرقمية إلى 3.3 غيغاواط بحلول 2030، ضمن رؤية تدعم الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي الوطني.
وفي الإمارات العربية المتحدة، استثمرت Microsoft مبلغ 1.5 مليار دولار في شراكة استراتيجية مع شركة G42 لبناء “سحابة سيادية إماراتية” تعمل على منصة Azure.
أما Amazon Web Services (AWS) فخصّصت 5.3 مليارات دولار لإطلاق منطقة سحابية في السعودية بحلول 2026.
Google Cloud أطلقت مركز تميز للذكاء التوليدي Generative AI في الرياض بالتعاون مع Accenture كما وسّعتOracle عملياتها في جدة ورياض، بينما افتتحت Alibaba Cloud مركزها الثاني في دبي أكتوبر 2025.
لذا تسعى الحكومات الخليجية إلى تحقيق “الاستقلال الرقمي” عبر استضافة البيانات محلياً وإدارة البنى التحتية من داخل المنطقة. الشركات التي تضمن الإقامة المحلية والامتثال التشريعي هي الأكثر جذباً للعقود الحكومية الاستراتيجية.
ثانيًا: البنى التحتية والمعالجات الذكية
من يملك القدرة الحسابية يملك المستقبل. فقد أعلنت NVIDIA عن تزويد السعودية بـ 18 ألف شريحة Blackwell GPU لتأسيس “مصانع ذكاء وطني”، بينما وقّعت AMD اتفاقاً مع شركة HUMAIN بقيمة 10 مليارات دولار لإنشاء مراكز بيانات مفتوحة الاعتماد. كما أطلقت Intel حلول Gaudi3 عبر شراكات سيادية مع الإمارات، في حين تسعى Huawei (Ascend) وAlibaba (Yitian) إلى تطوير معالجات محلية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
لذا المعالجات هي “النفط الجديد” للعصر الرقمي. من يسيطر على إنتاجها أو توريدها يمتلك القوة الاقتصادية في العقود القادمة. لذلك تستثمر دول الخليج في مشاريع حوسبة عملاقة تعتمد على الطاقة النظيفة لتغذية اقتصاد الذكاء الاصطناعي.
ثالثًا: رأس المال البشري ونقل الخبرة
بحسب تقرير PwC 2025، يشكّل نقص الكفاءات أكبر عائق أمام تبنّي الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.
ولمعالجة ذلك:
أطلقتMicrosoft وG42 صندوق مطورين بقيمة 1 مليار دولار لدعم المواهب المحلية.
تدير Google Cloud Academy برامج تدريب جامعية في السعودية والإمارات.
تُخرّج Huawei ICT Academy نحو 3000 مهندس سنوياً من المنطقة.
تُقدّم IBM وDeloitte دورات في حوكمة الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته.
لذا لن تثمر استثمارات المليارات دون بناء رأس مال بشري محلي. التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج يعتمد على المهارة قبل المعالجة.
رابعًا: المدن الذكية والمنصات التشغيلية
المدن الخليجية تتحوّل إلى “كائنات رقمية حية”.
دبي Live أطلقت نظام توأم رقمي يدير المدينة لحظيًا.
نيوم Cognitive City في السعودية تمثل أول اقتصاد خوارزمي ذاتي الإدارة.
Nokia و Ericsson و Cisco توفر الشبكات الذكية والأمن السيبراني.
Huawei Smart City Suite يُستخدم في الدوحة وأبوظبي.
لذا تقدّر PwC أن تحسين كفاءة المدن الذكية يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2–3 ٪ سنوياً عبر خفض الهدر الطاقي وتسريع الخدمات
خامسًا: اللغة والهوية الرقمية والنماذج العربية
للمرة الأولى، يدخل الذكاء الاصطناعي العالم العربي بلغته الخاصة.
نموذج Jais (من G42 وMBZUAI و Cerebras) يعد أكبر نموذج لغوي عربي مفتوح (30 مليار معلمة)
Fanar Model يخدم اللغة العربية الخليجية في القطاع التعليمي.
Google Gemini و Anthropic Claude بدأ بدعم العربية في منتصف 2025.
لذا النماذج اللغوية العربية تخلق سوقاً جديدة بقيمة تقديرية تتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً بحلول 2030. الاستثمار في الذكاء اللغوي يعني استقلال المحتوى الرقمي العربي وإثراء التعليم والإعلام.
سادسًا: المنافسة الفعلية بين الشركات العالمية في الخليج
سابعًا: تحليل اقتصادي شامل
وفقًا لتقرير Finance Yahoo 2025، من المتوقع أن يبلغ حجم سوق الحوسبة السحابية في السعودية 38 مليار دولار بحلول 2033 بمعدل نمو 11.3 في المئة.
كما تُشير PwC إلى أن إجمالي الإنفاق الخليجي على الذكاء الاصطناعي قد يتجاوز 23 مليار دولار سنوياً بحلول 2030.
وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مشروعاً تجريبياً، بل قطاعاً اقتصادياً استراتيجياً.
الخاتمة والتوصيات
تأسيس مجلس خليجي للسيادة الرقمية لتوحيد السياسات وتبادل البيانات بين دول الخليج.
تحويل الجامعات إلى حاضنات ذكاء اصطناعي عبر شراكات مع القطاع الخاص.
إطلاق صندوق خليجي للابتكار الرقمي يمول الشركات الناشئة في تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
إنشاء منصة عربية مفتوحة للنماذج اللغوية لتقوية اللغة العربية في الذكاء التوليدي.
قياس التقدّم بمؤشر خليجي للكفاءة الرقمية يشمل البنية، المهارة، الإنتاج، والحوكمة.
الخليج العربي يعيش اليوم ثورة رقمية سيادية، تتقاطع فيها التكنولوجيا بالاقتصاد والسياسة.
من يمتلك السحابة والبيانات والعقول، سيمتلك قرارات المستقبل.
السباق لم ينتهِ بعد، لكنه بدأ بالفعل، والعقد القادم سيُحدّد من سيكون مركز الذكاء الاصطناعي العربي العالمي.
*رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية
