مقالات

قلّة التقدير والتسلّط… حين يُطفئ الجحود وهج العلاقات

بقلم: وصال كبارة

في زمنٍ تتسارع فيه الوجوه وتبرد فيه القلوب، بات التقدير عملةً نادرة، والاحترام رفاهيةً لا تُمنح بسهولة. بين من لا يُقدّر، ومن يُريد التحكّم بكلّ ما حوله، تضيع المشاعر الحقيقية وتُنهك الأرواح الصادقة.

قلّة التقدير ليست مجرّد تقصير في الشكر، بل هي نزفٌ صامت يطفئ الرغبة في العطاء. فكم من قلبٍ أخلص، فقوبل بالجفاء!
وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم:
“من لا يشكر الناس لا يشكر الله”
(رواه الترمذي).

بهذا الحديث، يُعلّمنا الرسول أنّ الشكر والامتنان ليسا مجاملةً، بل خُلُقٌ يعكس الإيمان، وأنّ تقدير الآخرين هو تقدير لنعمة وجودهم في حياتنا.

أما التسلّط، فهو الوجه الآخر للجحود. المتسلّط لا يرى في الناس شركاء في الحياة، بل أدواتٍ لإثبات ذاته. يتدخّل في قراراتهم، ويُقيّد اختياراتهم، متذرّعًا بالحرص عليهم. لكنّ الإسلام نبّه إلى خطورة هذا السلوك حين قال النبي صلى الله عليه و سلم:
“اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به”
(رواه مسلم).
فمن يستعمل سلطته ليتحكّم بالناس أو يُرهقهم، إنما يُعرّض نفسه لسخط الله قبل أن يُفسد قلوب من حوله.
وعندما تجتمع قلة التقدير مع التسلّط في علاقة واحدة، تصبح المودة عبئاً، والتفاهم صراعاً خفياً.
حينها يصبح الانسحاب حفاظاً على الكرامة، لا هروباً من المسؤولية.
لأن العلاقات لا تُبنى على كثرة الكلام، بل على الاحترام المتبادل. فمن لا يُقدّرك لا يستحقّ بقاءك، ومن يخاف من استقلالك لا يستحقّ ثقتك.
فلتكن كرامتك ميزان حبّك، ووعيك حدّك الفاصل بين من يقدّرك ومن يستهلكك.
كذلك الحرية ليست تمرداً والكرامة ليست غطرسة؛
إنها ببساطة، الطريق الذي رسمه الإسلام لكرامة الإنسان، دينٌ علّمنا أن اللين قوة، وأن الشكر عبادة، وأن من لا يحترم الناس… لا يعرف طريق الإيمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى