
بيان سياسي صادر عن حزب التحرير – ولاية لبنان*
حول سير لبنان في مسار الاستسلام والتطبيع عبر التفاوض غير المباشر والمباشر مع كيان يهود!
يتابع حزب التحرير – ولاية لبنان بقلق بالغ تطوّر المسار السياسي والعسكري الذي رسمته أمريكا للبنان والمنطقة بعد معركة طوفان الأقصى وما صاحبها مما سُمي بحرب الإسناد، وصولاً إلى وقف إطلاق النار وعودة المبعوثين الأمريكيين بخطاب ضاغط يهدف إلى إخضاع لبنان بالكامل لميزان القوى الأمريكي – اليهودي، ثم بدء التفاوض المباشر في ٢٠٢٥/١٢/٣م بين من سُموا موفدين مدنيين من السلطة اللبنانية ومبعوثين من كيان يهود الغاصب!.
لقد بات واضحاً أنّ أمريكا تعمل على فرض خريطة سياسية جديدة على المنطقة ومنها لبنان، وهي تقوم على نزع عناصر القوة في المنطقة، ودفع البلاد نحو مسار تفاوضي – تطبيعي مع كيان يهود، تحت التهديد بالضربات العسكرية وتوسيع العمليات العسكرية كما ظهر مؤخراً في الاعتداءات الغاشمة على لبنان. ويأتي ذلك في أجواء قرار مجلس الأمن (٢٨٠٣) الذي مهّد عمليّاً لفرض وصاية أمريكية مباشرة على غزة والمنطقة!، وسعي أمريكا لتهجير أهالي مناطق الوصاية بذريعة مناطق ترمب الاقتصادية!.
إنّ حزب التحرير – ولاية لبنان يؤكّد أنّ هذه الخطة ليست ظرفيةً، بل مشروعٌ متدرّجٌ تسعى أمريكا عبره إلى:
- ضبط (الحدود اللبنانية – الفلسطينية) بما يخدم أمن الاحتلال.
- إنهاء أمريكا لمظاهر العمل المسلح في المنطقة، وحصر استعمال السلاح بالسلطة اللبنانية التي تستطيع أمريكا التحكم بها.
- إبقاء التركيبة السياسية في لبنان قائمة على الأقليات، والعمل على عقد (معاهدة دفاعية) بين لبنان والولايات المتحدة للتدخل السياسي والعسكري المباشر بحجة حماية التنوع الديني.
- إعادة تشكيل البيئة الداخلية بما يتوافق مع مشروع «الإبراهيمية» ومسار التطبيع، وليس أدل على ذلك مما صرح به رئيس الجمهورية خلال زيارة البابا لاوُن للبنان، وهو بند تسعى أمريكا فيه لتغيير فهم المسلمين لدينهم، وهو يحمل كفراً بَواحاً.
- تثبيت نفوذها المباشر في مؤسسات الدولة اللبنانية عبر أدوات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية، وليس أدل على ذلك من بناء واحدة من أكبر سفاراتها في العالم في لبنان بأيد أمريكية حصراً، وهي تعوم على قاعدة عسكرية بحرية وفيها مطارات وسلاح جو لا يعرف مدى حجمه وتنوعه إلا هي، وجعلتها من الأسرار على أهل البلد والسلطة فيه؛ وهذا ما يجعل وجودها وجود احتلال مقنَّع.
- السيطرة على ثروات الغاز في شرق المتوسط، ومنها لبنان، فها هو حقل قانا قبالة السواحل اللبنانية وجزء منه محل نزاع مع يهود وتم ترسيمه بوساطة أمريكية، ومن قبله كاريش، وهذا ما يقيِّد لبنان بقيد قانوني واقتصادي يجعل أي استثمار له يمر عبر القناة الأمريكية.
إنّ حزب التحرير – ولاية لبنان يعتبر أنّ ما يجري اليوم هو تقليب للبلد بين يَديّ أمريكا، بين مرحلة الإدارة بالوكالة (٢٠٠٥م) إلى مرحلة الإدارة الأمريكية المباشرة (٢٠٢٥م)، عبر تثبيت حلفاء جدد، وإخراج قوى إقليمية من المشهد، وإيجاد وجوه سياسية واصطفافات سياسية تخدم مصالح أمريكا. وهو يرفض بشكل قاطع أي مشروع مؤداه مزيد من النفوذ الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً، ويؤكّد أنّ الموقف السياسي الواضح الثابت يكون بالوقوف في وجه كل أدوات المشروع الأميركي – اليهودي مهما تعددت واجهاتها.
إنّ المواجهة مع هذا المشروع ليست ظرفيةً ولا موسميةً، بل هي صراعٌ استراتيجيٌّ على هوية المنطقة ومستقبلها، ولن يثنينا ضغط سير السلطة اللبنانية في هذا المسار عن الوقوف في وجهه حتى يستعيد لبنان والمنطقة موقعهما الطبيعي ضمن إطار بلاد الشام بل الأمة الإسلامية، بعيدا ًعن مشاريع الهيمنة الخارجية الأمريكية وغيرها.
إنّ الخطة الأمريكية لتطويع لبنان والمنطقة ليست قدراً محتوماً، بل مشروع احتلال جديد بألفاظ خدَّاعة، يجب مواجهته سياسياً وفكرياً، والوقوف في وجه كل من يروّج له أو يشارك في تنفيذه. ولقد سبق وحذرنا في بياناتنا الفائتة من الحملة الأمريكية لتطويع لبنان والمنطقة، ومن التحرك المحموم لأمريكا ومبعوثيها وتصريحاتهم في لبنان والمنطقة، وها نحن نحذر مرةً أخرى، ولن تكون الأخيرة، من استمرار الصمت المريب للقوى السياسية للسلطة وأحزابها، والقبول الضمني تارةً والعلني تارةً أخرى من بعض النواب والسياسيين والإعلاميين!.
فيا أهل لبنان عموماً، أحزاباً وقوىً سياسيةً وهيئات اجتماعية ونخباً فكريةً حيةً، إنّ حزب التحرير – ولاية لبنان يدعوكم إلى إدراك خطورة هذه المرحلة، ورفض محاولات جرّ لبنان نحو مسار تطبيع أو وصاية دولية تحت مسميات مضلِّلة. إنّ ما يمرّ به لبنان والمنطقة اليوم من الاستسلام للمشاريع الغربية والأمريكية لا يجلب إلا مزيداً من الهيمنة والتفكك.
ويا أيها المسلمون في لبنان خصوصاً، إنّ طريق المواجهة يكون بالثبات على المبدأ، وإن إعلان رفض المشروع الأمريكي هو جزءٌ لا يتجزأ من الواجب الشرعي، وتكاملٌ مع رفض الأمة الإسلامية لكل خطوة استسلام أو تطبيع مع كيان يهود الغاصب، ويقع على عاتقكم أكثر من غيركم فضح المشروع الأميركي- اليهودي بكل أدواته، دون انسياق خلف الضغوط أو انسحاق أمام مشهد القوة والتغوُّل الأمريكي – اليهودي. قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.. إنها ساعة الحقيقة، هل تنتظرون أن تروا يهود يسيرون بين ظهرانيكم وفي شوارعكم ومدنكم وتحت حماية السلطة ورعايتها؟!..
لتكنْ هذه اللحظات شاهدةً على أنّ الأمة لا تُهزم ما دامت تحمل قضيةً وتدافع عن هويتها، وأنّ لبنان جزءٌ من أمة قادرة أن تقف ثابتةً أمام كل محاولات الهيمنة، إذا ما توحّد على مشروع يرفض الوصاية ويصون السيادة، هو مشروع الخلافة الثانية على منهاج النبوة.. ونحن اليوم أَولى بالثبات ورفض الإملاءات، وأَولى بأن نحمل مسؤولية مواجهة المشروع الأمريكي – اليهودي بكل وضوح وقوّة وعزيمة.
وختاماً، فإنّ اللحظات المفصلية التي تعيشها المنطقة لا تحتمل التردّد ولا الضبابية. فإمّا أن نكون أسياد قرارنا أو أن نكون ساحةً مستباحةً لأعدائنا. ونحن في حزب التحرير – ولاية لبنان نُعلنها واضحة: لن نسمح بأن يُكتب مستقبل هذه المنطقة ومنها لبنان خارج حدود معتقدها ودينها، ولن نقبل أن تُصادر إرادة الأمة تحت أي مسمى: اتفاقات أبراهام، أو الديانة الإبراهيمية، أو دعاوى الازدهار الاقتصادي الموهومة مع أمريكا التي ما زالت يداها تقطر من دماء المسلمين في لبنان وفلسطين وسوريا، وفي غيرها من بلاد المسلمين!. قال تعالى: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
حزب التحرير
ولاية لبنان
الخميس ١٣ جمادى الآخرة ١٤٤٧هـ
4/12/2025م
