
آمال وآلام.الدكتور عبد السلام الفري الولايات المتحدة الأمريكية
كنت أحسبني
بعروبتي
سيدا
لوحدي أمة
من خيرة الأمم
تهابني أسياد
ما أخرج الله
من عرب و من عجم
فلا الجوع يقهرني
و أنا ابن الجود و الكرم
و لا البرد
و لا العطش
و كيف أموت
من غدر
و العزة من أهلي و الوفا
انبثقوا؟!
فإذا بعروبتي
على جبيني
خزي يطاردني
بين الأمم
معرّة
تبطل الصلاة بها
كنت أحسبني
لي في مطعم أهلي حق
و في مسقاهم حق
و في ملبسهم حق
و في أموالهم حق
فلا منة و لا فضل
فإذا أنا في ضيقة
و قد نال مني الجوع
و الفقر و العطش
وجدت من القسيسين أبرارا
و من الرهبان خير إحسان
و أهلي جنبي
ساسة و مسوسون
ما هم بمستضعفين
يطالعون على الشاشات أخباري
حتى إذا ما أتعبتهم صوري
أخذوا فسحة
و قد أسكتوا صوتي
ليتجاذبوا الشجب و التنديد
و ليتفاخروا في التحليل
و ليتباروا في اللهو و الغنا و ريادة التمثيل
فأدركت بعقبها
أن القائم بأمر الله فيهم
غائب
إما أُعدم أو مسطول
و أدركت بعدها أن ساسة الأمة
سوستها
كنت أحسبني
إذ دخلت الحرب
بأهلي عزيزا
ذا بأس
و ذا غلظة
لا للعِدى عليّ سلطة
و لا أمر
و حين اشتدت الحرب
و خارت قواي
و أنا قاب قوسين من النصر
أو أدنى
انفض الكلّ في خلسة
من حولي
و تركوني قائما
نعم
لِجرح العدى عندي ألم
يوما سوف يلتئم
و جرح الأحبة
مهْما أداويه
ليس يلتئم
كنت أحسبني
بقرآني فقيها
شفيعا و مُشفّعا
أُفتى في التعدد و في الميراث
أُألّف بين القلوب
أزينها
كلاما مرصعا
فإذا المنابر قد غصت
رويبضة
و بالمجامع
فويسقة عناكيب
استوطنوا
جعلوا عنكبوتا لهم
إماما أكبر
فغيروا ما شاؤوا في فتاواي
و أبدعوا
حتى صار يهتدي بهداهم
سلاطين و حكام
فسننت لنفسي على إثرها
سنّة
و التزمت الصمت
علّ صمتي
قبل الهلاك يصدع
لا كلماتي
كنت أحسبني
بعلمي
“عبدا من عبادنا”
سوف أعيش الدهر بين ذويّ
معززا وكريما
“لا منّة ممنونة و جباء”
فإذا بي من عوز البلاد
و أهلها
أُذل و أشقى
و مثقف الكرتون
في دعة
يعيش و ينعم
فتواريت عن كل جدال
و اعتذرت لليال أفسدتُ سباتها
ظللت أحسبها منجا الأنبياء
كنت أحسبني
إذ أُحسن ناجيا
يوما سيشفع لي إحساني
و إذ الصدقات في الميزان
و إن قلّت عظيمة
و تكون في ذوي الرحم
من النافعات و أعظم
فعلمت بعقبها
أن الخير بين الخلق
في رحاب المعابد
قد اُغتيل ساجدا
فكأني بالذي عشت أرتجي وسيلته
عاش ليردّ عليّ إحساني
كنت أحسبني بمالي
في غنى
عن كل أهل
و لقد جعلت من البنين
خير زادي
و سميت مجازا
هذي البلاد
بلادي
فحلت بعد الهدنة طامة
صيفها كشتائها
و أدركتني أيام عجاف
ضاع معها الولد
و سقطت البلاد في بطون الطغاة
فشردوا الأوطان
و هجروا الأحفاد
و مسخوا التاريخ
و لم يبق اسم للبلاد
و لا للبلاد عنوان
و ها أنذا منذ قرون
أصلي و أرتقب
ظهور نبي
يوما سيبعث فينا
ليستلّ الحق من أفواه العملاء
علّي أعود إلى أهلي
و أحيى
و لو بعد الممات
كنت أحسبني
يوم لقيانا بحسنها
قد كُفيتُ
و لم يبق في قاموسي
للنساء حظ
حسبي أنها قد جمعتْ
من عبقهن أزكاه
و قد ترُبت يداي
فهجرت كل صديق
و تواربت عن كل تجمع
لا تباركه
فإذا هي
بعد حول لم يمت
من عظيم أفعالها
في عيني
أقبح ما جاد الوجود به
فوجدُتني بعدها
أعتذر من كل القبيحات.
نعم
لِجرح العدى عندي ألم
يوما سوف يلتئم
و جرح الأحبة
مهْما أداويه
ليس يلتئم
الدكتور عبد السلام الفري
الولايات المتحدة الأمريكية