
ماهي مهمات الإعلام الأربع؟ \ أسامة إسماعيل
الإعلام والصحافة أكثر المهن التي يجب أن تكون نخبوية حرة مستقلة لاطائفية وتغييرية ولكن الواقع مختلف تماما”، فمعظم وسائل الإعلام في لبنان موجودة على أساس المحاصصة الطائفية والسياسية والحزبية، وسميت الكتابة الصحافية والإعلامية بالتحرير لتمييزها عن انواع الكتابات الأخرى وأساليبها، وهذه التسمية استعارة لغوية لمعنى مجازي من فعل حرر يحرر تحريرا” ومعناه الأصلي أو الحقيقي حرر الكتاب وغيره أي أصلحه وجود خطه ويقابلها في اللغتين الفرنسية والإنجليزية edit, editer. فالمعنى المجازي هو تحرير الفرد(Liberation) من التبعية”(Dependencey) والعبودية. فمهمة الإعلام والصحافة الأولى تحرير الفكر والنفس والإرادة وتخليصها من حالة القطيع الجماعي والشعبي (Herd)، ومن التقليد والتبعية لأشخاص وطوائف وأحزاب وعشائر ودول خارجية. فهذه هي القاعدة، اما الواقع الحالي فهو الشاذ. فالحاجة إلى التمويل والمناصب والوظائف والشهرة تدفع معظم وسائل الإعلام إلى التبعية لأشخاص وطوائف وأحزاب ودول خارجية، وتدفع العديد من خريجي كليات الإعلام والصحافة إلى العمل في هذه المؤسسات بالإضافة إلى بعض مواقع التواصل الاجتماعي Social Media التي تشجع حالة القطيع والتبعية الطائفية والحزبية وتقديس أشخاص والغلو في شأنهم وتتخذ المديح والهجاء ومخاطبة المعتقدات والإيديوجيات الجماعية الجامدة والعواطف والمصالح الجماعية والمظاهر السطحية سبيلا” لتلقي التمويل والدعم وتحقيق الانتشار والتأثير أما مواقع التواصل صفحاته التي تمتهن اللعب على العواطف والغرائز الجماعية والسب والشتم والعبارات البذيئة والتحريض والإثارة فهي خارج الموضوع ولاتستحق الإهتمام وتضييع الوقت.
المهمة الأولى : التخلص من حالة القطيع
إن أولى مهمات الإعلام هي ترسيخ قيمة الفرد النخبوي الحر المستقل المتمايز والناقد، والتخلص من حالة القطيع الجماعي والشعبي، فلولا القطيع لما حدثت وتحدث كل هذه المشكلات والأزمات والصراعات والحروب وحالات الظلم والاضطهاد والتهميش والحرمان، ولولا القطيع لما استطاعت “الحركة الصهيونية” ان تحتل فلسطين سنة١٩٤٨ وأن تشن حروبها العدوانية، ولولا القطيع لما استطاعت الأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية وزعماؤها أن تسيطر على الواقع وأن تمضي في ايديولوجياتها وسياساتها وقراراتها وصراعاتها السيئة والخاطئة، ولولا القطيع لما همش النخبوي الحر المستقل المتمايز والناقد ولماظلم وحرم. فمجموعة أشخاص لديها إيديولوجيا أو عقيدة ومشاريع وأموال طائلة وسلاح لاتستطيع أن تفعل فعلها وان تحقق أهدافها بدون قطيع يستجيب ويخضع بسرعة وسهولة لمخططاتها ومشاريعها وسياساتها وقراراتها وصراعاتها نتيجة التأثر العقائدي والعاطفي والنفسي والإجتماعي والحاجات المادية والإقتصادية والمعيشية والإجتماعية. وللأسف، إن أكثر الناس مستعدون للسير في القطيع الجماعي والشعبي وراء هذه المجموعات لأنهم يفتقدون العقل وإلارادة الفرديين ويستبدلونهما بالمعتقدات والإيديوجيات والعواطف والمصالح المادية الجماعية والشعبية.
المهمة الثانية : دعم خصوصية الفرد
المهمة الثانية للإعلام هي دعم خصوصية الفرد، حيث تكون ذات الفرد هي المركز فيما الموضوعات الخارجية هي الأطراف أو المحيط، فيكون الإتجاه من الذات الفردية إليها لاالعكس حيث يستخدم الدين والمذهب والمجتمع والسياسة والإقتصاد والفن والإعلام والتكنولوجيا لاستلاب الذات الفردية ودمجها في كيانات جماعية تحت اسماء وعناوين مختلفة مثل “العقل الجمعي”(Collective mind) بدلا”من العقل الفردي، و” الطائفة”(sect) والحزب (Party) و” العشيرة”(Clan) والشعبية بدلا”من الفرد المواطن، و”الرأي العام”(Public opinion) بدلا”من الرأي الخاص والشخصي. ووفق هذا الواقع يباح التدخل في شؤون الفرد الشخصية والفكرية والمهنية كأن شؤونه تعني المذهب والطائفة والسياسة والمجتمع والأحزاب ولاتعنيه، لذلك يقول فاليري:” السياسة هي فن منع الناس من التدخل في مايعنيهم”. فمهمة الإعلام افهام من يجب أن يفهم أن العقل وإلارادة والعاطفة والغريزة والحاجات المادية والإقتصادية هي شؤون فردية وشخصية ويجب أن لاتكون في خدمة الدين والمذهب والطائفة والإيديولوجيا والسياسة والمجتمع والإقتصاد بل يجب أن تكون هذه الأمور في خدمتها.
المهمة الثالثة : التثقيف وتصحيح المفاهيم
المهمة الثالثة للإعلام هي التثقيف والإرشاد وتصحيح المفاهيم ومحاربة الفوضى والإستبداد والفساد المالي والإداري والسياسي والإجتماعي، فهذه المشكلات تؤدي إلى الإزعاج والضرر والإهانة والظلم والمضاربة والمنافسة الشرسة وغير المشروعة وإثراء أشخاص وإغنائهم وافقار آخرين، والفساد السياسي يتيح لأشخاص غير جديرين وغير أكفاء وغير نزيهين الوصول إلى المناصب والمراكز القيادية واستغلال السلطة والسياسة والمنصب لأجل جمع الثروة والغايات الفئوية والإنتخابية والنفوذ وتوظيف التابعين والمحسوبين لهم في القطاعين العام والخاص وتحسين أوضاعهم وتمكينهم. وهذا مايشجع عليه النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي العشائري المرتبط بالخارج. فمهمة الإعلام نقد هذا النظام ونتائجه السيئة بدل الدعاية والتسويق لانتخابات شعبية عددية طائفية حزبية عشائرية تعيد إنتاج هذا النظام والواقع السيء مهما كانت قوانين الإنتخابات المشرعة أو المقترحة، فالمشكلة هي في هذا النظام السياسي لافي قوانين الإنتخابات. وإن دور الإعلام هو تصحيح المفاهيم والتمييز بين ماهو حقيقي وماهو مزيف، وبين ماهو سليم وماهو محرف. فالسياسة الصحيحة والحقيقية ليست ماهو سائد وشائع، ولكن الدول الإستعمارية رسخت هذا الخطأ الشائع والسائد لمفهوم السياسة أي الصراع لأجل السلطة والمناصب والثروات والسيطرة عبر الإنتخابات والأحزاب والإيديولوجيات واستغلال الدين والطوائف والعواطف والمال والإقتصاد وعبر التظاهرات الشعبية والعنف والحروب بدلا”من أن تكون إدارة الشؤون العامة وتنظيمها وتحسين الأوضاع العامة والتنمية الشاملة والعادلة. وليست السياسة احتلال أراضي الغير واستيطانها والتوسع بالإحتلال وقضم الأراضي وشن حروب عدوانية ضد الغير كما فعلت” الحركة الصهيونية ” بدعم من الإستعمار الغربي منذ سنة ١٩٤٨ حتى اليوم، حيث الحرب الإسرائيلية على غزة وسابقا”على لبنان، وإن كانت طريقة مواجهة الكيان الإسرائيلي وفتح جبهات ضده وتوقيتهما حولهما علامات استفهام، وخاصة أن نتائجهما سيئة وأدت إلى تحقيق الكيان بعض أهدافه، وإن إيقاف الحرب في غزة يوقف القتل والتدمير وتهديد البلدان المجاورة ولكنه لا يعني الاعتراف بالإحتلال الإسرائيلي والأمر الواقع الذي فرضه. ويدخل في نطاق تصحيح المفاهيم والتثقيف والتنوير تصحيح مفهوم الدين والمذهب، فليس الدين تقديس أشخاص والولاء لهم في مناسبات وعادات وطقوس وأناشيد وشعارات، وليس الدين مظاهر وتفضيل أشخاص على آخرين بالمعاملة على اساس الاتباع والولاء المطلق للمذهب وللشخص أو الحزب الذي يعتبر نفسه ممثلا”للمذهب والطائفة وعدم المعارضة والانتقاد، وليس” رجل الدين “اعلم وأفهم من غيره في كل شيء، في السياسة والإجتماع والإقتصاد والفلسفة وعلم النفس والإجتماع والإعلام والفن والحرب والعسكر، فلديه اختصاص محدد وهو العقيدة الدينية والمذهبية والفقه والشريعة!!!
المهمة الرابعة : تشجيع التنمية والعدالة
المهمة الرابعة للإعلام هي تشجيع التنمية الشاملة والعدالة، فلا تنمية بدون استثمارات منتجة وتنظيم الأسواق على اختلاف أنواعها :سوق العمل، سوق الاستهلاك، سوق العملات النقدية، سوق الخدمات… ولاعدالة بدون تنمية شاملة ومتوازنة وإدارة صالحة وسليمة ومستقلة تقدم الوظائف وفرص العمل والرواتب على أساس الكفاءة والجدارة والإختصاص والاداء والإنتاج والأمانة لاعلى أساس التبعية الطائفية والحزبية والسياسية و”الواسطات” و”المحسوبيات” والتملق والتصويت في الإنتخابات النيابية.
إن غياب التنمية الشاملة والعادلة والإقتصاد المنتج والإدارة الصالحة والسليمة والضوابط الكافية والتحرر والإستقلال يؤدي إلى الفساد المالي والإداري والهدر والمضاربة والمنافسة غير المشروعة والشرسة واستبعاد صاحب الكفاءة والجدارة والإختصاص الحر المستقل الصالح وظلمه كمايؤدي إلى العجز المالي وتراكم الدين العام وزيادة الفقر والبطالة وتهريب الودائع بالعملة الصعبة إلى الخارج والأزمات الإقتصادية والمالية والنقدية كماهو الحال اليوم في لبنان. فليست مهمة الإعلام تسويق هذه الأزمات والمشكلات بل مهمته تشجيع التنمية الشاملة والعدالة والتنظيم والضوابط التي تكبح (repress) هذه المشكلات والأزمات.
أسامة إسماعيل