مقالات

صرخة الروشة \ أحمد قصيراوي

لم يخلُ تاريخ لبنان من الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ولن يكون آخرها مهزلة ما حصل على صخرة الروشة.
تلك الصخرة التي اعتدناها رمزًا للجمال والصمود في وجه العواصف، تحوّلت فجأةً إلى شاهدٍ على استعراضٍ عبثي جديد. فماذا لو صرخت هذه الصخرة، ماذا كانت لتقول؟

كانت لتقول لهم: كفى انتصارات دونكيشوتية، كفى تخاذلًا وجبنًا أمام العدو واستقواءً على الداخل، كفى استهتارًا بمنطق الدولة وكفى بكاءً على وهمٍ ضيعكم، فالوطن لا يُبنى بالنوستالجيا ولا بالخطابات الرنانة. كفى نكأً للجراح وكفى إشعالًا لنار خامدة وكفى إيقاظًا لفتن نائمة، فالناس يبحثون عن فرصة عيش، عن وظيفة تحفظ كرامتهم، عن مدرسة تُعلّم أولادهم، لا عن حروب صغيرة تُشعل من جديد.

لقد آن الأوان أن تعودوا لرشدكم بعد انتصاركم على الصخرة كما انتصرتم من قبل على “العامود”.
الانتصارات على الحجر لا تُشبع جائعًا، ولا تعيد قيمة للّيرة، ولا توفّر كهرباء، ولا توقف نزيف الهجرة الذي يأخذ خيرة شباب لبنان إلى بلاد الله الواسعة.

أما القوى الأمنية، فهي تعلم أن درء الفتنة الحقيقي وحماية لبنان لا يكونان بالمسايرة ولا بالمحاباة ولا بابتكار المبررات، بل بتطبيق القانون بعدلٍ وشجاعة، ومن دون تمييز. فالدولة التي تغضّ النظر اليوم عن فوضى صغيرة، ستجد نفسها غدًا عاجزة أمام فتنة كبرى.

إنّ صخرة الروشة، التي بقيت صامدة في وجه العواصف البحرية لآلاف السنين، لا تريد أن تتحوّل إلى مجرّد مسرحٍ لانتصاراتٍ وهمية، بل إلى مرآةٍ تذكّركم أن الصمود الحقيقي هو بناء دولة تحمي أبناءها، وتضع مصلحتهم فوق مصالح الزعماء والطوائف. فلتكن صرختها إنذارًا قبل أن يصبح الوطن كلّه مجرّد ذكرى على شاطئ البحر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى