مقالات

تعميم نوّاف سلام.. توقيتٌ خاطئ

عبد الكافي الصمد

قلّة ربّما تعرف الأسباب التي دفعت رئيس الحكومة نوّاف سلام لإصدار تعميمه، في 22 أيلول الجاري، الذي طلب فيه “التشدّد في استعمال الأملاك العامّة البريّة والبحرية والأماكن الأثرية والسّياحية والمباني الرسمية التي تحمل رمزية وطنية جامعة، قبل الإستحصال على التراخيص والأذونات اللازمة”؛ وقلّة أيضاً تعرف الأشخاص الذين نصحوا رئيس الحكومة في إصدار هذا التعميم الذي جاء قبل 3 أيام من قيام حزب الله، أمس، بإنارة صخرة الروشة بصور الأمينين العامّين السّابقين للحزب، السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، بمناسبة فعاليات الذكرى الأولى لاستشهادهما.

تعميم سلام لم يحتج إلى وقتٍ طويل، بعد إصداره، لكي يُفهم بأنّ المقصود منه هو ما يزمع حزب الله القيام به بإنارة صخرة الروشة بالمناسبة بصورتي نصر الله وصفي الدين، وهو تعميم سرعان ما استغل على نطاق واسع من قبل مناوئي الحزب وحلفائه ليشنّوا عليه حملة شعواء إختلطت بها السياسة بالمواقف الشخصية وحملات التحريض والإستفزاز على نطاق واسع، خصوصاً على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي، إلى حدّ خُيّل للبعض بأنّ البلد يقف على حافّة اندلاع حرب أهلية بسبب الخلاف على إنارة صخرة!

في الأيّام والسّاعات الماضية، وفي السّاعات والأيام اللاحقة، سمع وقرأ رئيس الحكومة وسيسمع ويقرأ إنتقادات ونصائح عدّة حول خطوة التعميم التي قام بها، وسيسمع ويقرأ أيضاً الكثير من الشّماتة بتعميم بقي حبراً على ورق، وأنّ ما أراد حزب الله القيام به قد فعله و”كسر” كلمة نوّاف سلام، ما يُشكل دافعاً لأسئلة كثيرة، من أبرزها: لماذا أقدم رئيس الحكومة على إصدار تعميم يعرف مسبقاً أنّه يُشكّل إستفزازاً كبيراً لفئة واسعة من اللبنانيين، بمعزل عن إذا كانت هذه الفئة تعجبه وتعجب آخرين أو لا، وتوافقه في الرأي أو تختلف معه.

والمفارقة التي تبلغ حدّ التناقض غير المقبول أنّه قبل إصدار رئيس الحكومة تعميمه كان احتفال كبير قد أقيم في ساحة ساسين وسط الأشرفية بمناسبة ذكرى اغتيال الرئيس المُنتخب بشير الجميل، في 14 أيلول من العام 1982، حيث رُفعت صوره في السّاحة على الأماكن العامّة والخاصة، كما أنّ صوراً لزعامات ومرجعيات وقيادات سياسية وأمنية ودينية من مختلف الأطياف السّياسية والطوائف الدينية، ترتفع في مختلف ساحات وشوارع المناطق اللبنانية، من غيرأن تنجو منها أيّ مرافق عامّة أو خاصّة، ومنها صور لرئيس الحكومة نوّاف سلام نفسه، من غير أن يُصدر تعاميم مماثلة يطلب فيها منع رفعها أو طلبه إزالتها.

ما حصل أمس من تجاوز وتجاهل حزب الله لتعميم سلام، ومن الهتافات التي أطلقت بحقّه من قبل مؤيدي الحزب الذين تجمّعوا في المكان، كان رئيس الحكومة بغنى عنهم، وكان بإمكانه التعاطي بواقعية وحكمة ومرونة أكبر مع الموضوع كي لا يقع بالمحظور في بلدٍ شديد الحساسية السّياسية والطائفية، والإنقسام والإختلاف حول كلّ شيء، وكي لا يُعرّض نفسه ويُعرّض موقع رئاسة الحكومة والحكومة نفسها والسلطة كلّها للحرج الذي أصاب الجميع أمام صخرة الروشة على مرأى مسمع الجميع.

كان بإمكان رئيس الحكومة مقاربة الموضوع بأفضل مما كان لكنّه لم يفعل، والتعميم الذي أصدره كان توقيته خاطئاً.
موقع “سفير الشمال” الالكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى