مقالات

إعادة تعريف الإنسان في مواجهة القطيع والفقر والإحتلال والحروب \ أسامة إسماعيل

ليس الإنسان كائنا"إجتماعيا" سياسيا"بل الإنسان كائن فردي إجتماعي بشروط وحدود، أما السياسة فهي إحدى الظاهرات الإجتماعية التي يستطيع الفرد أن يخضعها لشروطه وحدوده وعقله وإرادته، وكذلك الدين والمذهب من الظاهرات الإجتماعية التي لاتعلو على عقل الفرد وإرادته، و لاتأتي سعادة الفرد من اندماجه بالمجتمع والسياسة والدين أو المذهب والايديولوجيا بل تأتي عبر شعوره بالحرية والإستقلال والكرامة والراحة النفسية وحصوله على حقوقه التي قد يعوقها النظام الاجتماعي والسياسي والديني المذهبي أو الإيديولوجي أو يمنعها عنه.

بين التعريفين التقليدي والتغييري للإنسان
منذ عصر أفلاطون وأرسطو حتى اليوم ساد التعريف التقليدي للإنسان وهو :”الإنسان كائن إجتماعي سياسي”، وهذا التعريف أتى في عصر لم تكن فيه فكرة الفرد والحرية قد تطورت كثيرا”، فكان الفرد يصنف على أساس طبقي وكذلك مفهوم الحرية كان يتبع هذا التصنيف فلاحرية خارج نطاق الجماعة أو الطبقة، وكانت المدينة الدولة أو المجتمع في اثينا مقسمة إلى : طبقة المواطنين الأحرار ومنهم الحاكمون والأثرياء والحراس، وطبقة الأجانب الزراع والصناع والتجار، وطبقة العبيد. فهذا التعريف يجعل صفة الإجتماعي للإنسان لاارادية أو فطرية وغريزية، وقد سار على هذا الدرب علم الاجتماع في العصر الحديث رغم التجارب والتطورات التي حدثت. واتفقت الإيديولوجيات ونظريات النظم الإجتماعية والسياسية كالديموقراطية والشيوعية والدينية على لاارادية الاجتماع الإنساني وفطريته، وغدا الفرد عددا”او رقما” يضاف إلى الأفراد الذي يكونون المجتمع أو الطائفة أو الحزب أو الطبقة. ففي الشيوعية الفرد عضو في جماعة البروليتاريا، وفي الديموقراطية عضو في الجماعة الإنتخابية فاما يكون من الأكثرية وإما يكون من الأقلية فلا كيان حر مستقل للفرد وخاصة في الديموقراطية ذات التمثيل الطائفي والحزبي والعشائري والطبقي، وفي النظام الديني المذهبي هو عضو في جماعة أو طائفة أو أمة، وفي نظر “الحركة الصهيونية” الفرد، إما يكون من الشعب اليهودي وإما من الأغيار (الجوييم). فالتعريف التقليدي للإنسان عصي على اي تطور فكري وفلسفي أو علمي او تكنولوجي أو تجريبي(Experiential) , فإذا كان العقل(mind) يتطور ويطور فلماذا تبقى المفاهيم والنظريات جامدة وأسيرة التقليد والإتباع والترداد الببغائي. فالإنسان ليس كائنا”إجتماعيا سياسيا” بالفطرة والغريزة كما قال أفلاطون وأرسطو ودوركايم(Durkhaim) وماركس(Marx) وابن خلدون بل هو كائن فردي إجتماعي بعقله وإرادته وشروطه وحدوده. ولو اعتمد هذا المفهوم أو التعريف للإنسان لكانت حلت مشكلات كثيرة ولمااستطاع الإستعمار و”الحركة الصهيونية “ان يحققا أهدافهما ولما كانت الديموقراطية الإنتخابية العددية هي القاعدة الأساسية للحكم والأكثر انتشارا”في العالم اليوم، ولمااستطاعت الأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية أن تحشد وراءها أكثرية الناس بالاعتماد على عواطفهم وحاجاتهم المادية، و لماحدثت هذه الحروب المدمرة والمهلكة والأزمات المالية والإقتصادية الضاغطة.ولا هذا التعريف التقليدي الخاطئ لكانت حياة
الفرد أفضل بكثير فيقل الإزعاج والضغط النفسي والإقتصادي والإجتماعي وينال الفرد الكفء والجدير المستقل حقوقه ومكانته.
ماالذي يحدد قيمة الفرد؟
الفرد يستمد قيمته من عقله وإرادته وعلمه وثقافته وإبداعه وعمله لامن الجماعة والقطيع ومن يسمى”الزعيم” والحزب والعشيرة وكمية النقود التي يملكها في محفظته فيما الجاهل والسطحي والسخيف وغير المثقف يستمد قيمته من هذه الأمور المذكورة وإن فاقد الشيء لايعطيه. فالنظريات والمفاهيم التقليدية للإنسان لاتترك خيارا”أمام الفرد بين الاجتماع والعزلة فعليه أن يكون اجتماعيا” مطلقا” مهما كانت ضغوط المجتمع وازعاجاته والزاماته واكراهاته. وفي هذه الحالة، لايختلف الإنسان عن الحيوانات الإجتماعية حيث يسير الفرد في القطيع الجماعي والشعبي بحكم الفطرة والغريزة والحاجات المادية دون أن يستطيع الرفض والنقد والعزلة حينما يشعر بالضغط والإنزعاج والكبت وقلة الإحترام مخافة النبذ والحرمان. وقد أخذت بعض نظريات الإعلام بالتعريف التقليدي للإنسان عندما رأت أن دور وسائل الإعلام هو الضبط الإجتماعي والمحافظة على النظام وهي مرآة المجتمع وتعبر عن رأي الأكثرية.
المفهوم التغييري الذي يقول إن الإنسان كائن فردي إجتماعي بعقله وإرادته وشروطه وحدوده يترك للفرد الخيار بين الاجتماع والعزلة . ولو اعتمد هذا المفهوم وسلك طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع لماسارت أكثرية المنتمبن إلى الدين اليهودي وراء “الحركة الصهيونية” في القطيع الجماعي والشعبي، ولمااستطاعت أن تحتل فلسطين سنة ١٩٤٨، وان تشن حروبها العدوانية منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، ولما سارت أكثرية المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك أو هذه المنطقة أو تلك وراء من يسمون “زعماء” والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية والإنتخابية في القطيع فتقترع لهم في الإنتخابات وتهتف لهم وتساندهم في مسرحيات صراعاتهم وأزماتهم لأجل السلطة والنفوذ ومصالحهم والدول الخارجية التي تدعمهم.
أسامة إسماعيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى