مقالات

لبنان – اسرائ/يل : التفاوض المباشر بين وهم السيادة و ضرورات البقاء .بقلم رئيس تحرير موقع صوت الجيل الصحافي جواد خضر

في زمن تُكتب فيه خرائط الشرق الأوسط على حرارة الميدان لا على برودة المؤتمرات ، يجد لبنان نفسه أمام إحتمال كان يُعدّ لعقود خطاً أحمر : التفاوض المباشر مع إسرائ/يل لا من باب التطبيع ، بل من باب البقاء و الفرق بين الإثنين اليوم بات رفيعاً أشبه بخيط دخان بين الأنقاض .
لم يكن هذا الحديث وليد الصدفة . منذ الأسابيع الأخيرة تتكاثر التسريبات الدبلوماسية حول محاولات دولية لدفع بيروت و تل أبيب نحو مفاوضات
أمنية – سياسية مباشرة ، تتجاوز إطار الترسيم البحري الذي رعته واشنطن قبل عامين . الجديد هذه المرة أن الملف لم يعد يقتصر على النفط و الحدود ، بل يمتد إلى الضمانات الأمنية ، و ضبط السلاح ، و ترتيب الجنوب اللبناني .
من يفاوض من ؟
السؤال الأكبر ليس عن المكان أو الشكل ، بل عن الشرعية الداخلية . من يملك حق التفاوض بإسم لبنان ؟ الدولة التي أنهكها الفراغ الرئاسي و الإنقسام، أم المقاومة التي ترى في أي حوار مع العدو خيانة لدماء الشهداء ؟
إسرائ/يل بدورها لا تبحث عن السلام بل عن هدنة طويلة المدى تُبعد عنها تهديد الجبهة الشمالية في زمن الحرب المفتوحة مع إيران ، و في المقابل بعض القوى اللبنانية ترى في التفاوض المباشر ” ممراً إضطرارياً” يفتح باب الإنقاذ الإقتصادي حتى ولو على حساب الخطاب التاريخي للمواجهة .
الوسيط ينسحب … و الشارع يغلي .
واشنطن لم تعد تخفي ضجرها من لعبة الوساطات المتكررة ، فبعد أن أدت دور ” الوسيط المريح ” في الترسيم البحري ، تلمح اليوم إلى أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى جرأة لبنانية في فتح قنوات الإتصال المباشرة ، و لو سرّاً في البداية .
لكن الشارع اللبناني المثقل بالإنهيار المالي و التهديدات الأمنية ، ينظر إلى هذه الطروحات كأنها قنبلة سياسية موقوتة ، قد تُشعل صداماً داخلياً قبل أن تُحدث أي خرق خارجي .
بين الواقعية و الخيانة :
الواقعية السياسية تهمس في أذن صنّاع القرار : إن لم تتفاوض ستُفرض عليك شروط الغد . لكن في المقابل هناك من يعتبر أن أي حوار مباشر مع إسرائ/يل هو تصفية ضمنية للقضية الفلسطينية و نزع لآخر ورقة سيادية يمتلكها لبنان.
الهوّة بين الرؤيتين عميقة إلى حدّ أن مجرد طرح التفاوض المباشر أصبح إختباراً لنبض الشّارع ، لا لمرونة الدولة .
ختاماً : لبنان على الحافة . لبنان اليوم لا يقف أمام سؤال الحرب أو السلام فقط ، بل أمام سؤال الوجود ذاته : هل يملك ترف الرفض بعد كل ما خسره ؟ التفاوض المباشر مع إسرائ/يل لم يعد
” فكرة مستحيلة ” بقدر ما أصبح مرآة تكشف هشاشة القرار اللبناني ، و إنقسامه بين من يريد أن يعيش بأي ثمن ، و من يريد أن يصمد حتى آخر رمق .
لكن في النهاية ، ما يُكتب في الكواليس يُقرأ دائماً في الميدان ، و الميدان اللبناني لم يقل كلمته بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى