
المنطقة تُقسَّم بالدم: من السويداء تبدأ الخرائط
بقلم: عماد العيسى
ما يحدث اليوم في سوريا، وتحديدًا في السويداء، لم يعد قابلًا للتأويل أو التهوين. نحن أمام مشهد واضح لمرحلة جديدة من الصراع، لا تهدف إلى تغيير نظام سياسي أو إسقاط حكومة، بل إلى إعادة رسم خريطة المنطقة نفسها على أسس طائفية ومكونات إثنية، بدماء الشعوب وتواطؤ الإقليم وصمت دولي.
أولًا: السويداء تشتعل… والمشروع يتكشّف
اندلعت المعارك في محافظة السويداء، مركز المكوّن الدرزي في جنوب سوريا، بعد تصعيد حاد بين مجموعات درزية محلية وقوات حكومية.
وسرعان ما اتّسعت رقعة القتال، وسُجّل سقوط مئات القتلى والجرحى في أكبر موجة عنف تشهدها المحافظة منذ اندلاع الثورة السورية.
لكن الحدث الأخطر كان تدخل إسرائيل عسكريًا لأول مرة بهذا الشكل العلني والمباشر، عبر ضربات جوية استهدفت مواقع في السويداء، ومقرات أمنية في العاصمة دمشق، بما في ذلك وزارة الدفاع ومحيط القصر الجمهوري، تحت ذريعة “حماية أبناء الطائفة الدرزية”.
وهنا تتكشّف ملامح مشروعٍ يتجاوز الاشتباك المحلي، ويعيد فتح الباب أمام التقسيم: جغرافيًا، طائفيًا، وسياسيًا.
ثانيًا: السويداء ليست مجرد محافظة… بل رأس مشروع
السويداء، ذات الغالبية الدرزية، ظلت لعقود بعيدة عن مراكز القرار. لكنها اليوم في قلب العاصفة، وتتحول تدريجيًا إلى منطقة حكم ذاتي فعلي، خارجة عن السلطة المركزية في دمشق، وتدار من قوى محلية مدنية وعسكرية.
المعركة الأخيرة دفعت المشهد نحو الانفجار الكامل، حيث باتت السويداء:
رافضة لأي وصاية عسكرية من دمشق.
تمتلك تشكيلات عسكرية محلية.
تحظى بتعاطف وتضامن من دروز الجولان والمهجر.
تحولت إلى نموذج محتمل لكيان درزي مستقل أمر واقع.
ثالثًا: إسرائيل تتدخل… لا لحماية الدروز فقط
الذريعة المعلنة لضرب السويداء ودمشق هي “حماية الطائفة الدرزية”، خاصة في ظل التوتر المتصاعد وظهور دعوات من بعض الدروز داخل الأراضي المحتلة للتدخل.
لكن التدخل العسكري الإسرائيلي يحمل رسائل أعمق:
فرض معادلة جديدة في جنوب سوريا.
إسقاط هيبة المركز الدمشقي عبر استهداف مؤسسات سيادية.
فتح الباب أمام إنشاء كيانات طائفية محمية أو مدعومة خارجيًا.
ويجب التنبيه أن هذا التوظيف لا يعبّر عن موقف الدروز عمومًا، إذ أن الغالبية الكبرى منهم، سواء في سوريا أو الجولان أو أراضي 48، يرفضون العزل الطائفي، ويتمسكون بهويتهم العربية والسورية.
رابعًا: تفكيك سوريا… أمر واقع لا مؤامرة
ما يجري لا يمكن قراءته كأحداث متفرقة، بل كجزء من مشروع تفكيك سوريا إلى مكونات طائفية وإثنية.
خامسًا: من السويداء إلى الإقليم… الانفجار يتمدد
تداعيات ما يحدث في السويداء لا تتوقف عند الحدود السورية:
الأردن يتخوف من انتقال المعركة جنوبًا أو تدفق اللاجئين.
لبنان يراقب بانتباه، خاصة أن النموذج الدرزي قد يفتح شهية الكيانات الطائفية الأخرى.
فلسطين تبقى جزءًا من المشهد، ليس من البوابة الدرزية كما قد يُفهم خطأ، بل لكون ما يجري في سوريا يعزز مشاريع التصفية والضم والفصل في فلسطين تحت غطاء “تغيير الإقليم”.
سادسًا: تفنيد ربط فلسطين بالطائفة الدرزية
من المهم التنويه أن لا وجود فعلي لطائفة درزية في الضفة أو غزة، وأن ربط فلسطين بالدرزية سياسيًا لا يعكس الواقع.
الدروز في الجولان المحتل وسوريا ولبنان هم جزء من نسيج قومي عربي متماسك. إسرائيل حاولت عبر سنوات تفكيك هذا النسيج وتقديم الطائفة كحليف طبيعي لها، لكنها فشلت.
وبالتالي، فإن أي قراءة تقول إن هناك “ربطًا درزيًا بفلسطين” هي قراءة توظيفية إسرائيلية، وليست تعبيرًا عن إرادة الطائفة.
سابعًا: هل نحن أمام سايكس–بيكو جديدة؟
نعم، لكن هذه المرة:
ليس في باريس أو لندن، بل في غرفة عمليات عسكرية.
لا تُكتب بالحبر، بل تُفرض بالنار.
لا تُناقش في المؤتمرات، بل تُنفَّذ على الأرض، عبر قصف، وتمزيق، وتحريض، واحتلال مباشر وغير مباشر.
ما يجري في السويداء اليوم هو النموذج الأوضح:
محافظة تنفصل تدريجيًا، تُقصف دمشق، تصمت العواصم، ويتقدم المشروع.
خاتمة: هل من مقاومة للمشروع؟
الجواب: نعم، لكن السؤال الأهم:
هل ستتوحد القوى الثورية والمكونات العربية السورية في وجه هذا المخطط؟
أم سنفيق قريبًا على خريطة جديدة، بلا دمشق، بلا دولة، بلا وحدة، بل كانتونات يحكمها أمراء حرب وقرارات خارجية
إن المنطقة اليوم لا تُقسّم في المؤتمرات… بل تُقسَّم بالدم.