
الإعلام الحقيقي ليس مجاملات وسكوتا”عن الظلم والواقع السيء \ أسامة إسماعيل
الملتقى الإعلامي العربي الذي عقد في بيروت في الآونة الأخيرة غلب عليه الطابع الرسمي والتقليدي والخطابي ولم يكن معبرا”عن هواجس المتخصص بالإعلام والصحافة ومزاول هذه المهنة وهمومه ومشكلاته، وخاصة في لبنان حيث يواجه الإعلامي والصحافي الحر المستقل واقع التبعية والولاء الطائفي والسياسي والحزبي والمحسوبية و” الواسطة “من جهة، والدخلاء والطفيليين والإنتهازيين والوصوليين الذين يتخذون التملق والمديح والهجاء وسيلة للتمكن المالي والإقتصادي والمعنوي والوصول إلى الشهرة والمناصب من جهة أخرى. وهذا الواقع يظلم الإعلامي والصحافي والمثقف الحر المستقل ويحرمه من حقوقه المادية والمعنوية.
الإعلام الحقيقي
إن الإعلام الحقيقي ليس مجاملات وتشريفات وصالونات واحتفالات وسكوتا”عن الظلم والواقع السيء والتسلط والتعصب والفوضى وكل ماهو مزعج ومؤذي ومستفز وفاسد ومهين وسخيف وغوغائي وقطيعي. وهنالك فرق بين إعلام السلطة والأحزاب والطوائف والأثرياء من جهة والإعلام النخبوي الحر المستقل الناقد والتغييري والتثقيفي من جهة أخرى، وهنالك فرق بين تجميل الواقع من جهة ونقد الواقع بسلبياته وعيوبه ومشكلاته وتقديم اقتراحات الحلول والبدائل الأفضل ان رضي بها أصحاب السلطة والنفوذ والثروة وتجار الأديان والمذاهب والتابعون لهم ام لم يرضوا.
وهم التغيير بالإنتخابات النيابية
معظم وسائل الإعلام المرئي في لبنان تقوم بالدعاية والتسويق للانتخابات النيابية ومسألة تصويت المغتربين. وللسياسيين والأحزاب مصلحة في إجراء الإنتخابات النيابية لأنها تجدد لهم وتقويهم فيما التمديد للمجلس النيابي يضعفهم لأنه يدفع الناس إلى الملل منهم، وخاصة إذا لم يحققوا مطالبهم. فالانتخابات تلهي الناس عن حقيقتهم وتظهرهم بمظهر المحب للتغيير وتطبيق الدستور مع إفساح المجال لوصول وجوه جديدة تحت ستار تغييريين ومستقلين فيما هم يصلون إلى مجلس النواب بمساعدة سياسيين وأحزاب لهم من وراء الكواليس ومن تحت الطاولة. أما مسرحيات الخلافات بين السياسيين والأحزاب الطائفية الشعبوية حول قانون الإنتخابات واقتراع المغتربين وتمثيلهم في مجلس النواب فهي ليست خلافات على إجراء الإنتخابات أو عدم اجرائها بل هم متفقون على اجرائها لأنها تتلاءم مع مصلحتهم، ولكن مسرحيات خلافاتهم هي حول أحجامهم وحصصهم في المجلس النيابي ومن يملك الأكثرية النيابية. فالانتخابات النيابية لن تغير الواقع السيء ولن تحسن الأوضاع العامة ولن تنهي الفساد المالي والإداري والهدر و”الواسطات” و”المحسوبيات” في التعيينات والتوظيف، ولن تلغي الطائفية والمذهبية والتحزب والتبعية للخارج، ولن تضع حدا” للتفاوت الإقتصادي الكبير بين الأفراد ولن توقف التضخم النقدي وأعباء الفجوة المالية وتحميلها على عاتق ذي الدخل المحدود والمنخفض.
أين هي الإصلاحات؟
الإصلاح المالي إذا كان موجودا” فعلا”لايكفي بدون إصلاح سياسي وإداري واجتماعي واقتصادي. والإصلاح المالي لأجل توفير احتياط Reserve مصرف لبنان والسيولة النقدية Liquidite, Liquidityفي المصارف لايكفي بدون تفعيل الضوابط على الإقتصاد الرٱسمالي الحر بما فيها الضوابط على حركة الرساميل والتحويلات بالعملة الصعبة من وإلى لبنان، وبدون معالجة مشكلة التضخم النقدي Inflation التي ترفع أسعار المواد والسلع والخدمات وتعريفات الضرائب والرسوم وتذيب الرواتب والأجور والدخول المحدودة والمنخفضة بسرعة قبل آخر الشهر، وبدون معالجة مشكلة البطالة والتعطل عن العمل المزمنة والمستجدة واعتماد الضريبة التصاعدية حسب دخل الفرد وبدون إنهاء التعيين والتوظيف على أساس التبعية و”المحسوبية” Favorism و”الواسطة”.
الإعلام الحقيقي ينتقد هذه السلبيات والمشكلات، والإعلامي الحقيقي هو من يتكلم ويكتب إنطلاقا”من عقله وإرادته واقتناعاته وحريته واستقلاله وكرامته وحقوقه، فلا يسير في القطيع الجماعي والشعبي وراء هذه الجهة أو تلك مايفعل غيره إنطلاقا”من تأثر عقائدي وعاطفي وغرائزي ولأجل المال والثروة والشهرة والمنصب، ويكون اعتراضه ونقده بناء على حريته واستقلاله واقتناعاته وتمايزه. وهو ضد الكيان الإسرائيلي والسياسة الإستعمارية الداعمة له، وأي اتفاق معه يجب أن يعيد ما يحتله ومن يأسره ويعوض ماتسبب به من خسائر، ولكنه يرفض المواجهة العسكرية التي تضر أكثر بكثير مما تنفع وهي أسوأ من اتفاق سلام وتطبيع يعطي هذا الكيان مما يأخذ منه، وكذلك يرفض استخدام المواجهة والمقاومة التي يجب أن تكون دفاعية لاهجومية لأجل الزعامة والسلطة والنفوذ والسيطرة والثروة وتهميش النخبوي الحر المستقل الناقد،وكذلك يرفض الصبغة المذهبية والحزبية التي تصبغ بها هذه المقاومة.
أسامة إسماعيل
