دولي

غزة وأوكرانيا.. أسباب فشل الهجوم البري وأوجه التشابه في ساحة المعركة

لقد أظهرت الحرب المستعرة على غزة العنصر المشترك بينها وبين الحرب في أوكرانيا، فوجه التشابه يُكمن في أن كلا الحربين أو الجبهتين ما بين القصف الإسرائيلي على المدنيين بدعم أمريكي غربي في مواجهة “حماس”، وما بين الحرب الروسية في أوكرانيا بدعم أمريكي حثيث وغربي لكييف، متشابهتين، إذ تكبدت أوكرانيا خسائر كبيرة سواء في العناصر المقاتلة والإمدادات العسكرية الغربية أو في الجنود، لاسيما مع دخول فصل الشتاء الذي يُزيد من صعوبة القتال في ساحة المعركة، كما هو الحال بالنسبة لجيش الاحتلال وخسائره الفادحة وخسائر مُعداته أمام المقاومة الفلسطينية.

وبالرغم من بُعد المسافة بين الحرب الدائرة في غزة تلك التي تبعُد عن الحرب الروسية الأوكرانية إلى آلاف الكيلومترات عن الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن الحربين تشتركان في موضوع واحد، وهي أن أوكرانيا باتت تخسر ولا تزال حتى كتابة هذه السطور في هجومها البرّي المضاد أمام روسيا برغم الدعم الغربي الكبير، وفي الوقت نفسه تكبُد الجيش الصهيوني لخسائر فادحة في الجنود والمعدات باعتراف صحف ووسائل إعلام إسرائيلية وغربية أمام حركة “حماس”.

ومن خلال متابعة المشهد الدائر والقصف العنيف على غزة، حيث مساواة المنازل بالأرض والتي بات المدنيون يلتحفون السماء بسبب هدم منازلهم جراء القصف الوحشي، خصوصًا في هذا البرد القارص، واتباع الكيان المُحتل خطط التهجير القسري وسياسة “الأرض المحروقة”، وبالرغم من الفارق في القوة العددية والقتالية التي يملكها جيش الاحتلال، إلا أنه يتلقى ولا يزال خسائر كبيرة في صفوفه وفقدان العديد من المدفعيات والدبابات، بجانب هروب الضباط والمجندين من ساحة المعركة أمام المقاومة الفلسطينية.

ما هى أسباب فشل الهجوم المضاد؟

لقد فشل الهجوم الأوكراني المضاد، ومن الواضح أن السبب في ذلك هو التفوق العسكري والتقني للجيش الروسي مقارنةً بنظيره الأوكراني، بالرغم من الدعم الغربي الكبير وإرسال مزيد من الأسلحة من قِبل حلف “الناتو”، ونتيجة أن الجانب الأوكراني يفتقد إلى القوات الجوية المُدربة، والدليل أنه لا يزال ينتظر وصول بعض المقاتلات الغربية والأمريكية، مثل مقاتلات “إف-16” والصواريخ بعيدة المدى وغيرها، على عكس الجيش الروسي الذي يمتلك قوة جوية هائلة حققت له انتصارًا ملموسًا في ساحة المعركة.

أضف إلى ذلك، أن الجيش الأوكراني اندفع بشكل غير مدروس وراء الوعود الغربية والأمريكية قبل نهاية عام 2022 مما ترتبت عليه التسبب في خسائر باهظة لقوات كييف في الأرواح، وأثرت على معنويات ضباط وجنود الجيش، بجانب تعرية وفشل الأسلحة الغربية المقدمة لأوكرانيا أمام الجيش الروسي، مما جعل من الهجوم المضاد أشبه بالانتحار.

لاسيما قيام الجيش الروسي بفتح النيران من كل حدبٍ وصوب في منطقتي خيرسون وباخموت الاستراتيجيتين التي سُمّيت من قبل عسكريين بـ”مفرمة اللحم”، مما أرهق الجيش الأوكراني كثيرًا وأفقده توزانه بشكل أو بحالة يُرثى لها.

وبحسب عسكريون، فإن اعتماد الأوكرانيين على المسيّرات والضربات الصاروخية وقلّة خبرة جنود الجيش الأوكراني، رجّح كفة الجيش الروسي في المواجهات البرية التي حدثت وتحدث، وآخرها في باخموت وأفدييفكا الاستراتيجية، علاوة على ذلك، فإن الجيش الأوكراني مضطرّ ولو بشكل جزئي إلى وقف القتال خلال الشتاء بسبب الطقس السيئ، وصعوبة حركة الدبابات والمجنزرات، بسبب تراكم الثلوج.

الحرب في غزة ونظرية “الضربات الخاطفة”

الوضع متشابه تمامًا بالنسبة للحرب في غزة، حيث تكبُد جيش الاحتلال مزيد من الخسائر في صفوفه ومعداته ودباباته، بجانب هروب بعض الجنود والضباط من ساحة القتال فرارًا من المقاومة الفلسطينية التي لا تخشى الموت دفاعًا عن الأرض.

يقول الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن حركة حماس، ومعها فصائل فلسطينية، تعتمد نظرية “الضربات الخاطفة” منذ عقودٍ ضد الجيش الإسرائيلي، وهي نظرية تساعد على إنهاك أعتى الجيوش قوة، وتستنزف قوّته العددية.

يُضيف “الرقب” أن حالة الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي مهّدت لخسائر كبيرة حالة الاجتياح البري، لاسيما أن القتال يدور في أحياء سكنية ومداخل القرى، وهي أماكن مدروسة جيّدا وتُجيد المقاومة الفلسطينية الحرب فيها، في حين أنّ مصدر قوة الجيش الإسرائيلي في توجيه ضربات جوية مركّزة وقصف مدفعي وصاروخي بعيد المدى لأهدافه.

ويؤكد الرقب أن هناك عوامل عديدة ساعدت على فشل أي مُحاولات إسرائيلية لتنفيذ هجوم بري شامل في قطاع غزة وهى:

  • الطبيعة السكانية والتنظيمية للمباني في قطاع غزة مكتظّة بالبنايات والسكان، ما يصعّب من عملية اصطياد عناصر الفصائل.
  • ضربات المقاومة الفلسطينية والفصائل تعتمد على توجيه الضربات الخاطفة من البيوت والمنازل والخنادق، وهي تساعد على الاستنزاف واصطياد الجنود.
  • الرّشقات الصاروخية في العمق وضربات الهاونات بيد الفصائل الفلسطينية منذ 7 أكتوبر، ساعدت على حالةٍ من الرعب في صفوف الإسرائيليين، وهي رسالة يعيشها الجنود.
  • الفصائل الفلسطينية مُتحصّنة في البيوت وكامنة تحت الأرض، وحركة المدرعات في الشوارع الضيّقة صعبة للغاية، مما يجعلها صيدا سهلا لمضادات الدبابات من أسلحة الكتف “آر بي جيه”، وهو سلاح فعّال ومتوفر بكثرة لدى الفصائل.

خلاصة القول: أن الحرب الروسية الأوكرانية قد أنهكت قوات كييف بشكل كبير ولا سبيل عن الحل السياسي والدبلوماسي، ولكن ذلك مرهون بخروج أوكرانيا من تحت عباءة الإدارة الأمريكية، كما أن الهجوم البري المضاد الذي لم يؤتي ثماره ولم يحقق المطلوب يحتاج من الأكرانيين مزيد من التفكير وإعادة النظر في وقف الحرب، لاسيما مع تفكيك البُنى التحتية، لأن الحرب تدور على الأراضي الأوكرانية.

وكما هو الحال تمامًا في غزة، وحيث مع قوة العُدّة والعتاد لجيش الاحتلال والدعم الأمريكي الغزير، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يستطيع الوصول إلى الأنفاق كما زعم من قبل، أو إلى حركة المقاومة “حماس”، فقط يمكن القول بأن جيش الاحتلال حقق انتصارات تليق به وبأخلاقه وإرهابه في قتل المدنيين والأبرياء أمام مجتمع دولي مات ضميره، وحجم المجازر التي تحدث ولا تزال في غزة بحق الأطفال والنساء تلك التي كشفت عن الإنسانية المزعومة للغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى