
كل مايحدث سببه غياب حرية العقل وإلارادة الفرديين وإبعاد الدين عنهما وعن جوهره \ أسامة إسماعيل
كل شيء مرتبط بالحرية والإستقلال والكرامة والعدالة والإنسجام مع النفس، فلا سعادة ولاراحة ولاطمأنينة ولاعدالة بدون هذه الأمور. فالمال والوظيفة والرغبة والمكانة مرتبطة بالحرية والإستقلال والكرامة الفردية والإنسجام مع الذات، ولكن الواقع يفرض على الفرد إعلان ولائه للمذهب والطائفة و"الزعيم" والحزب والمجتمع الذي يعيش فيه، فلا يتكلم ولا يعمل مالايتوافق مع هذه الأطر. وإن السعادة ليست مسألة داخلية نفسية قوامها توازن قوى النفس فحسب كما قال أفلاطون وأرسطو وبعض من جاء بعدهما فلاسفة بل هي أيضا"مسألة فكرية تتعلق بموقف الفرد من الأطر التي وضع فيها قسرا" أو جبرا"وعلاقته بها مثل المذهب والمجتمع والنظام السياسي والعادات والتقاليد والفئة الإقتصادية والإجتماعية. وهي أكثر من حالة الشعور باللذة وإبعاد الألم، بل هي الموقف الذي يكون فيه الفرد حرا" مستقلا"منسجما"مع نفسه فيحصل على العمل والدخل الجيد والمكانة والأمان دون أن يمنن عليه أحد ويطالبه بالإتباع والولاء والطاعة والمديح له، ويستطيع، ساعة يشاء، أن يعارض وينتقد مالايتوافق مع عقله وإرادته واقتناعاته وحقوقه وكرامته.
أمثلة من الواقع
مايحدث اليوم، على أرض الواقع هو نتيجة غياب العقل وإلارادة الفرديين وإبعاد الدين عنهما وعن جوهره وأصله. فمثلا”، الدين بدون عقل وإرادة فرديين لايضع ضوابط كافية للفرد تمنعه من القيام بأفعال مزعجة وضارة ولايضمن له الحرية والإستقلال والحقوق والكرامة والراحة النفسية، كما أن إبعاد الدين عن جوهره وأصله وعن العقل الفردي يدخله في حالة معتقدات ومناسبات وطقوس وعادات وأحكام تتعارض مع توحيد الله بالعبادة والتقديس والولاء والتسليم له والكرامة والعدالة والرحمة والذوق السليم ويجعل الصيغة المذهبية للدين هي الطاغية، وهذه الصيغة استغلت عبر التاريخ حتى اليوم من قبل سلطات ودول وسياسيين وأحزاب واستغلها الإستعمار في مخططاته ومشاريعه وتأجيج الخلافات والصراعات حيث يريد تحقيق أهدافه وإنشاء “الحركة الصهيونية” التي استغلت الصيغة المذهبية والمحرفة للدين اليهودي لأجل احتلال فلسطين وبعض الأراضي المجاورة لها. وللأسف، إن أكثر الناس يسيرون في القطيع وراء مستغلي المذاهب والطوائف، سواء كانوا دولا”وسلطات أم أحزابا” ومنظمات، متأثرين بالصيغة المذهبية للدين وجنة الدنيا والآخرة التي يعدهم بها المستغلون لأجل السلطة والثروة والنفوذ والسيطرة. فالأكثرية لاتأبه بالعقل والإرادة الفرديين، ومايسيرها هو ماتلقن منذ الصغر من معتقدات وآراء لايقبلها العقل الفردي، والعواطف الجماعية والمصالح المادية فيما الفرد النخبوي الحر المستقل يبقى خارج تأثير هذه المعتقدات والآراء والعواطف والمصالح الجماعية، ويبقى قادرا”على انتقاد هذه المعتقدات والمناسبات والعادات والطقوس المذهبية واللاعقلانية ومعارضتها. يقول غوستاف لوبون :” المعتقدات هي وليدة التلقين لاالتعقل. وإن غلو الجماعات يتجلى في العواطف لافي العقل. ولاتطيق الجماعة الخلاف والجدل أبدا”مع احتمال الفرد لهما. وإن عجز الجماعات عن التعقل الصحيح ينزع عنها روح النقد. وإن البراهين المعدة للتأثير في الذكاء والعقل عاجزة عن التأثير في خيال الجماعات”. وإن الديموقراطية الإنتخابية العددية الطائفية الحزبية هي من أكثر الأنظمة تشجيعا”للسياسيين والأحزاب على استغلال الصيغة المذهبية والطائفية للدين لتسيير أكثرية الناس في القطيع وراءهم لأجل الإنتخابات وتجمعاتهم ومصالحهم ومسرحيات صراعاتهم، وقد يمثلون الأكثرية ولكنهم لايمثلون جميع المنتمين إلى المذاهب بالولادة أو بالاختيارفي بلد معين.فهم يمثلون في الحقيقة والواقع، التابعين لهم والمستفيدين منهم مناصب ووظائف ورواتب شهرية وامتيازات. ثم أن بعض المنتمين إلى المذهب بالولادة لايهتمون بالصيغة المذهبية والطائفية للدين وينبذون التحريفات والشوائب وماينتج منها من معتقدات وآراء ومناسبات وعادات وطقوس وأحكام وتقديس أشخاص وغلو في أمرهم.
إن مايعطي قيمة للفرد، ويضع ضوابط لسلوكه هو حرية عقله وإرادته واستقلالهما وحقوقه وكرامته وانسجامه مع نفسه وتمايزه عن الآخرين لاالثروة والسلطة والزواج وإنجاب الأولاد ولاالتبعية والولاء للمذهب الذي ينتمي اليه بالولادة والحزب والمجتمع الذي يعيش فيه. وهو مايمنع الفرد من السير في القطيع الطائفي والعشائري والحزبي والشعبي والانجرار وراء مسرحيات صراعات السياسيين والأحزاب والدول الخارجية التي تدعمهم باسم المذاهب والطوائف. ويجب أن يكون الإعلام قائدا”الى تغيير الواقع السيء للأفضل وترسيخ حرية العقل وإلارادة الفرديين واستقلالهما وقيمة النخبوي الحر المستقل الناقد والعدالة والتنمية الشاملة المتوازنة طويلة المدى لامقودا” وراء الجمهور والقطيع الجماعي والشعبي وماتريده وتفرضه الدول الكبرى والإقليمية والسياسيون والأحزاب المحليون.