
العَوَاصِفُ لَا تَدُومُ إلى الأَبَد، وَدَوامُ الحَالِ مِنَ المُحَالبقلم: د.غازي قانصو
حَياتُنا الدُّنْيا هٰذِه مَلِيئَةٌ بالتَّحدّياتِ وَالاِخْتِباراتِ، أحيَانًا تَهُبُّ فِيها عَواصِفَ تَعْصِفُ بِنَا وَتَضَعُنا في مَهَبِّ الرِّيح. لَكِن، في خِضَمِّ كُلِّ ذَلِكَ، يُخْبِرُنا إيمانُنَا باللهِ تَعَالَى، كما نَعلَمُ بالمَعرِفةِ العِلمِيّةِ أَنَّ كُلَّ عاصِفَةٍ سَتَمْضِي، وَأَنَّ دَوامَ الحالِ مِن المُحال. هَذِهِ الحِكْمَةُ تُعْطِينَا الأَمَلَ والرّجاءَ، وَتُشَجِّعُنا عَلَى الصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى الله، الَّذِي هو مَلاذُنا في أَوْقاتِ الشِّدَّة كما فِي غَيرِها.
فَحينَ تَعْصِفُ بِنَا الأَزْمَاتُ، نَتَذَكَّرُ أَنَّ اللهَ هو الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّهُ لا يُخْلِي عِبادَهُ مِن رَحْمَتِهِ وتأييدِهِ وحِفظِهِ ونصرِه.
في اللَّحَظاتِ الصَّعْبَة، يَأتي الصَّبْرُ كَدَليلٍ يُضيءُ دُرُوبَنَا، وَيُرْشِدُنَا إِلَى ضَرُورَةِ الثِّقَةِ في عَوْنِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ.
إنَّ الصَّبْرَ هو مِفْتَاحُ الفَرَجِ، وَهو ما يُعِينُنَا عَلَى مُواجهةِ تَقَلُّباتِ الحَياة، وَنُحمُدُ اللهَ في كُلِّ حِين.
العَواصِفُ لَيْسَت سِوَى امْتِحاناتٍ تُظْهِرُ قُوَّتَنَا، وَتَخْتَبِرُ إيمَانَنَا عِندَ مُوَاجَهَتِنَا لِلصِّعَاب، نَجِدُ أَنَّ الرَّجاءَ بِاللهِ يُمْنِحُنَا السَّكِينَةَ، وَيُشْعِلُ في قُلُوبِنَا شُعَلَةً مِنَ الثِّقَةِ بِنَصْرِ الله. فَكُلَّمَا اشتَدَّتِ الرِّيَاحُ، كَانَ لَدَيْنَا مِنَ القُوَّةِ مَا يُجَلِّعُنَا نُحَلِّقُ عَالِيًا في سَمَاءِ الإيمان.
إنَّ اللهَ لا يَتْرُكُ عِبادَهُ في العَواصِفِ، بَل يكونُ دَائِمًا بِجَوارِهِم، مَعَهُم، “يُدافِعُ عنِ الّذِينَ آمنوا”، ويَنصُرُ الّذِين ظُلِمُوا، يُهَيِئُ لَهُم مَا يُعِينُهُم عَلَى تَجَاوُزِ المَحَنِ.
إنَّ أَحْدَاثَ التَّاريخِ تُثْبِتُ أَنَّ الأُمَمَ وَالشُّعُوبَ الَّتِي استَنَدَتْ إِلَى إِيمَانِهَا وَصَبْرِهَا هِيَ الَّتِي استطاعتِ النُّهوضَ بَعْدَ العَواصِفِ. في كُلِّ مَرَّةٍ تَمُرُّ فيها بْبَلَدٍ أَو مُجْتَمَعٍ بِحَربٍ أَو أَزْمَةٍ، نَجِدُ أَنَّ الإيمانَ بِاللهِ والعَمَلِ بِطاعتِهِ، وَالتّعاوُنَ وَالتَّآزرَ، يُعَزِّزُ مِن قُدُرَاتِهِمْ عَلَى تَجَاوُزِ الأَوقَاتِ الصَّعْبَة. فَالشُّعُوبُ الَّتِي تَضَعُ ثِقَتَهَا بِاللهِ تَعَالَى، تَجِدُ دَائِمًا نُورَ الفَرَجِ في نِهَايَاتِ الأَنفَاقِ المُظْلِمَة.
وَمِنْ نَاحيةٍ أُخرَى، فَي زَمَنٍ لَا عَوَاصِفَ فِيهِ، حِينَ نَتَوَهَّجُ، يَحُومُ حَوْلَنَا النَّاسُ كَالْفَرَاشِ، يَمْنَعُونَ نُورَنَا عَمَّنْ يَحْتَاجُهُ، وَيَحْجُبُونَ عَنَّا رُؤْيَةَ الْحَقَائِقِ، كَثْرَتُهُمْ قَدْ تُضَلِّلُنَا، فَتَفْقِدُ بَصِيرَتُنَا صَفَاءَهَا. وَحِينَ تَهُبُّ الْعَوَاصِفُ، يَرْحَلُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُبَدِّلُ حُسْنَ صَنِيعِنَا سُوءًا. لَكِنَّ الدُّنْيَا مِيزَانُ قياسٍ واخْتِبَارٍ، فَلَا يَغُرَّنَّا ظَاهِرُهَا عُقُولَنَا الوَاعِيَةَ، خَاصَّةً إِذَا كُنَّا نَفْقَهُ بَوَاطِنَهَا الخَافِيَةِ.
لِنَتَأَمَّلْ في تَجارِبِنَا الشَّخْصِيَّةِ والعَامَّةِ، فَفي كُلِّ أَزْمَةٍ مَرَرْنَا بِهَا، كَانَت هُناكَ دُروسٌ قَيِّمَةٌ نَتَعَلَّمُهَا. أَلَمْ يَتَجَدَّد في قُلُوبِنَا مَعَ كُلِّ صَبَاحٍ جَدِيدٍ رَجاءُ خَيرٍ؟ أَلَمْ نَجِدْ في دُعَواتِنَا وَعِبادَاتِنَا مِنَ القُوَّةِ مَا يُسَاعِدُنَا عَلَى مُواجهةِ التَّحَدِّيَاتِ؟
إنَّ الإيمانَ بِاللهِ هو رَفِيقُنَا في كُلِّ خُطْوَةٍ نَخْطُوهَا، وَهو الَّذِي يُعْطِي الحَياةَ مَعْنَاهَا.
كُلُّنا يَعلَمُ أَنَّ العَواصِفَ لا تَدُومُ، فَلنُوقِن إذَن أَنَّ الفَرَجَ قَرِيبٌ مِنَ الصَّابِرِينَ.
أَنْ نُؤَكِّدَ صِدقَ إيمَانِنَا يَعنِي أنْ نَسْتَعِينَ بِاللَّهِ في كُلِّ خُطْوَةٍ، موقِنِينَ أَنَّ عَوْنَهُ وَتَوْفِيقَهُ وَرِعَايَتَهُ يُحِيطُونَ بِنَا. نَعْبُرُ عَواصِفَ الحَياةِ بِثِقَةٍ، حَامِلِينَ في قُلُوبِنَا الأَمَلَ وَالرَّجَاءَ والهِمَّةَ وَالنّشَاطَ. فَكُلَّمَا اشتَدَّتِ عَوَاصِفُ الضّرّاءِ والبَأسَاءِ، كُلَّمَا اقْتَرَبْنَا مِنَ النَّصْرِ، وَازْدَادَ يَقِينُنَا أَنَّ اللهَ مَعَنَا، فَلَا تَضْعُفْ قُلُوبُنَا، بَل تَقوَى بِالوَعيِ والعَزْمِ وَالإرَادَة وحُسنِ الرٌجاءِ باللهِ العَلَيّ العَظِيمِ.
إنَّ الفَرَحَ في انْتِظَارِنَا، كَمَا أَنَّ النُّورَ يَخْتَبِئُ وَرَاءَ العَواصِفِ، فَدَعُونَا نَكُونَ دَائِمًا مُسْتَعِدِّينَ لِاسْتِقْبَالِ أَيَّامِنَا الجَدِيدَةِ بِإيمَانٍ وَثِقَةٍ، مُتَذَكِّرِينَ أَنَّ العَواصِفَ لا تَدُومُ إلى الأَبَد، وَأَنَّ دَوامَ الحَالِ مِنَ المُحال.
مَع تَحِيّاتِي
د.غَازِي مُنِير قَانصُو