مقالات

جفّت الأقلام ورُفعت الصحف… وغزة تكتب بدمها ما عجز العالم عن قوله…..️ بقلم: عماد أحمد العيسى

المجازر مستمرة… والعالم مشغول بالمصطلحات
تجاوزت المجازر في غزة حدود العدّ، وتكسّرت الأرقام أمام كمّ الضحايا، لكن العالم لا يزال يتجادل في المصطلحات:
هل ما يجري “إبادة جماعية”؟ هل يمكن وصفه بـ”جرائم حرب”؟ هل من الممكن الضغط على إسرائيل؟
بينما في الوقت نفسه، يُنتزع رضيع من بين أشلاء أمه، وتُسحب طفلة حيّة من تحت الركام بجسد محطم وعينين مذهولتين.
المجازر لا تنتظر توصيفًا قانونيًّا، والموت لا يتوقف حتى يتمكّن القانون الدولي من الاتفاق على عبارة واضحة.
في غزة، لا حاجة للتعريفات.
ما يجري أوضح من كل تقارير الأمم المتحدة، وأقسى من كل عبارات الشجب الدبلوماسي.
الغارات الجوية لا تفرّق بين مسنّ ورضيع، والمدفعية لا تميّز بين خيمة ومستشفى، والهدف واحد: كسر إرادة الحياة في غزة.
الصحف… أوراق بيضاء أمام الدم الفلسطيني
في أقصى هذا الصمت، تقف الصحافة عاجزة أو خائنة.
الصحف الغربية التي ملأت صفحاتها سابقًا عن “حقوق الإنسان” و”الحرية” و”القيم الحضارية” صارت تمارس رقابة على الحقيقة، وتحذف صور الأطفال المقتولين، وتستبدل كلمة “مجزرة” بـ”اشتباك”.
اللغة سقطت في الامتحان الأخلاقي.
الكلمات أُفرغت من معناها،
والأقلام جفّت لأنها خضعت،
والصحف رُفعت لأنها تواطأت.
وبينما تُدفن الجثث بلا أسماء في مقابر جماعية، يُدفن الخبر في زاوية مهملة من الصفحة، كأن شيئًا لم يكن.
غزة… حيث تُكتب الحقيقة بلا حبر
في ظل هذا الخراب، تبقى غزة وحدها من تُجيد الكتابة.
لكنها لا تكتب بالمقالات، بل بصوت الشهيد، ببكاء الأمهات، بصور الناجين من تحت الأنقاض، بصمود يصرخ رغم الجوع والدمار.
الطفل الذي خرج من الخيمة يحمل دفتراً مبللاً بالدم، هذا كاتب.
الأم التي تهمس باسم ابنها وتضمه جثة، هذه مؤرخة.
الشاب الذي يحمل حجراً أمام دبابة، هذا مراسل ميدانيّ بلغة الحق.
هم من يكتبون التاريخ الحقيقي الآن، لا من يملكون الطباعة والورق.
من الصمت العالمي… إلى لعنة التاريخ
في الغد، عندما يعود المؤرخون إلى هذه اللحظة، سيجدون أن “الحقائق” التي سُجّلت في الصحف الرسمية لا تعكس سوى خيانة العصر.
أما الحقيقة الكاملة، فمدفونة في خيمة لاجئ، ومعلقة على حائط مدرسة مدمّرة، ومكتوبة على كفن شهيد.
العالم الذي جفّت أقلامه ورفعت صحفه سيُدان، لا لأنه قتل، بل لأنه صمت، وسمح للقتل أن يصبح عادياً، ومبرراً، ومغفورًا له بمصالح سياسية قذرة.
غزة لم تنهزم… العالم هو المهزوم
رغم الجوع، غزة تقاوم.
رغم التهجير، غزة باقية.
رغم الدمار، غزة تكتب.
الذي انهزم فعليًّا هو النظام العالمي.
انهزمت مواثيق جنيف، وسقطت شرعية مجلس الأمن، وذابت صورة الأمم المتحدة.
أما غزة، فصمدت، وعلّمت، وفضحت، وفضّلت أن تموت واقفة على أن تركع.
الخاتمة: ما لم تقله الصحف… سيقوله التاريخ
سيأتي يوم تُعاد فيه قراءة هذه اللحظة بعيدًا عن الخداع الإعلامي.
وحين يُفتح أرشيف المجازر، لن تُذكر عناوين الصحف، بل صرخة أم، ونظرة طفل، وصمود شعب.
عندها، سيتساءل العالم:
“أين كنّا؟ ولماذا سكتنا؟ وكيف سمحنا لهذا أن يحدث؟”

لكن الجواب سيكون واضحًا في أول سطر:

“جفّت الأقلام، ورُفعت الصحف… وغزة وحدها كتبت الحقيقة بدمها.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى