متفرقات

خبايا القصص القرآنيةقصة بقرة بني إسرائيل✍️د.غنى أحمد عيواظة

لبني إسرائيل حصة من آيات القرآن الكريم، وفي أطول سورة منه، سورة البقرة، في قصة البقرة التي سميت باسمها، حيث تناولت قصةَ وريثٍ استبطأ حياة من سيرثه، فلما قتله رماه عند مفترق طريق، ثم ذهب لنبي الله موسى عليه السلام يطلب منه أن يساعده في معرفة القاتل، فسأل القوم عن ذلك، فلم يهتدوا للجواب، فطلب موسى عليه السلام منهم ذبح بقرة ليضربوا بعظمها الميت فيستفيق ويشير للقاتل، فأنكروا عليه طلبه بداية، ثم بدؤوا بسؤاله عن تلك البقرة، فجاء الجواب أنها بقرة متوسطة العمر، فعاودوا السؤال عن لونها، فعرفوا أنها بقرة صفراء شديدة اللون، ثم عرفوا أنها لا تقوم بحرث الأرض ولا (شية) بياض فيها، فطلب صاحبها لما وجدوها عنده وزنها ذهبا، ثم ضربوا بعظمها الميت فأشار لابن أخيه القاتل، فقتل به.
(مع رواية ثانية أن القاتل رماه عند قافلة تجار واتهمهم به).
من خبايا القصة القرآنية:
١- تعدّدت قصص سورة البقرة، ولبني إسرائيل منها خاصة، ولكن تسمية السورة باسم قصة منها يدل على أهمية هذه القصة ووجوب الالتفات لأحداثها ولطائفها.
٢- مجريات القصة تكاد تحمل محطات واقعية من الحياة بقتل الوريث وارثه ليرثه، مع عظم سوء هذا الفعل، لكنه يبقى في سياق طبيعة النفس البشرية الأمارة بالسوء، إلا أن المجريات غير الطبيعية فيها، والتي تشير بشكل قوي إلى إعجاز الله في خلقه وقدرته، وأن موسى عليه السلام نبي حقا، فلم يكن ليقوى على متابعة أوصاف البقرة إلى لحظة ذبحها لو لم يكن هذا وحي إلهي، يحمل بين جنباته الثقة الكبيرة وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى بأنه القدير العلي العظيم، وأنه منفذ وعده ولو كره البشر، فكون عظام البقرة ستحيي الميت هو أمر حتمي إذ صدر من عند الله سبحانه على لسان نبيه، بما لا يحتمله عقل البشر.
٣- صبر البشر ونظرهم القاصر والمقتصر على السوء يدفعهم لاختيارات خاطئة في حياتهم، تسلبها منهم كما الآخرة، فقَتل، ثم قُتِل، ولو أنه أكمل حياته لحيا وورث، فالقاتل لا يرث.
٤- شقّ على بني إسرائيل البحث عن البقرة، ولو أنهم بحثوا عن القاتل ربما اهتدوا إليه أسرع بدل البقرة، ووفروا مالهم حيث دفعوا وزنها ذهبا.
٥-كثرة السؤال بحجة الذكاء والدقة في التنفيذ مع يسر المطلوب، قد تحمّل الإنسان ما لا يطيق، كما قال تعالى في سورة المائدة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}، فما يسره الله عليك لا تشدد به على نفسك، وفي الحديث الشريف “هلك المتنطعون” أي المتشددون.
٦-لم يتذاكى فقط بنو إسرائيل في السؤال عن البقرة، بل سبقهم الوريث في سؤال موسى عليه السلام أن يظهر له القاتل المختبئ فيه هو، ليخذّل عن نفسه تلك الحادثة، فكان سؤاله جرا لقتله، خسر الوريث والمال والحياة.
٧- طلب صاحب البقرة وزنها ذهبا ليس احتكارا لبضاعة في الأسواق يحتاجها الناس، بل كان تشديدا مقابلا لتشديدهم بالسؤال، واقتناصا لفرصة محتاجين لأمر عنده ليس من ضروريات الحياة، بل من ضروريات قصص الحياة، فلك حينها أن تتذاكى في العرض والطلب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى