مقالات

اللبنانيون والسوريون في وادٍ وإسرائيل في وادٍ آخر! \ الجمهورية – جورج شاهين

ما الذي يعنيه ان تستمر إسرائيل في خروقاتها في لبنان وتوسّعها في الأراضي السورية وسط صمت عربي وغربي مريب؟ وهو ما تترجمه عربدتها في اراضي وسماء لبنان وسوريا دون رقيب او حسيب.

يعترف مرجع ديبلوماسي عريق بوجود معادلة جديدة لم تعرفها المنطقة من قبل. ففي الوقت الذي يبدو اللبنانيون المنقسمون بين دعاة التمسّك بالسلاح غير الشرعي والبحث عمّا يغلّفه، والغارقين في مناقشة مضمون البيان الوزاري، الذي ظهر أنّه اطول من عمر الحكومة المحدّد سلفاً بعد 15 شهراً. فيما يغرق السوريون في مناقشة أوراق المصالحة والدستور الجديد، سعياً إلى بناء الدولتين الجديدتين، تتمختر إسرائيل في الأجواء والأراضي اللبنانية والسورية بلا أي رقيب او حسيب. وعليه ما الذي يعنيه ذلك؟
قبل أن يتحدث المسؤولون الأميركيون عن ضرورة العمل بجدّية على تثبيت وقف إطلاق النار في لبنان والانتقال إلى مرحلة تثبيت وتظهير الحدود مع فلسطين المحتلة، والبحث عن تسوية نهائية في قطاع غزة بعد إقفال ملف الأسرى لدى” حماس” والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، لم يظهر انّ هناك موقفاً أميركياً واضحاً وصريحاً مما يجري على الساحة السورية، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية منها، التي توغل فيها الإسرائيليون في غياب أي عدو على الأرض ولا في سماء المنطقة. فاكتسحوا مدناً وقرى عدة أمام عيون سكانها الذين يوزعون الأفلام عبر هواتفهم الخلوية عن قوافل ناقلات الدبابات والآليات العسكرية الاسرائيلية، في مشهد سوريالي في شوارع مدنهم وقراهم من دون ان يغادر أي منهم منزله.
عند هذه المعادلة توقفت مراجع ديبلوماسية وعسكرية أمام بعض المؤشرات الآنية التي أوحت بها الأحداث في جنوب سوريا، التي أحيت في أذهانهم مخططات سابقة اعتقد كثر انّها من خيال عقول مؤسسي الدولة العبرية، وسط صمت لم تخرقه سوى مواقف لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي اكّد انّ بلاده ترفض ان يتحول الجنوب السوري بؤرة تشبه تلك التي قامت في جنوب لبنان منذ سنوات، وشكّلت خطراً كبيراً على سلامة مستوطني الجليل الاعلى. وطالما انّ من يحكم دمشق “مجموعة ارهابية” فإنّه مضطر لتوزيع الرعاية الإسرائيلية على سكان مناطق الجنوب السوري وقاطنيها، وسيمنع انتشار أي جيش جديد فيها. وكل ذلك جرى من دون أن يحدّد كاتس أي هدف آخر للعملية العسكرية المصحوبة بغارات جوية استهدفت مراكز قالت انّها لـ “حزب الله” الذي أخلى سوريا، وأخرى قيل إنّها مواقع للجيش السوري القديم الذي انتهى دوره ومعه دور الحزب ايضاً منذ فرار الرئيس السوري بشار الأسد من بلاده في 8 كانون الاول من العام الماضي متمتعاً بـ “الحصانة الإنسانية” التي منحته اياها موسكو منذ ان وطأت قدماه وأفراد عائلته وعدد مجهول من معاونيه ارضاً روسية مستأجرة إلى يوم الدين في سوريا تسمّى قاعدة حميميم الجوية.
وكل ذلك يحصل في الجنوب السوري ما بين مدن وقرى السويداء ودرعا وعلى مقربة من الحدود الاردنية، من دون ان يكون له أي صدى في اي عاصمة عربية أو غربية كما في دمشق او في اي منطقة سورية اخرى، لولا التحركات الشعبية التي شهدتها مدن عدة في محافظات سورية مختلفة رفضاً للتوسع الإسرائيلي الذي تمادى في سيطرته على مناطق حساسة من سوريا، بعدما اجتاح المنطقة العازلة التي كانت وما زالت حتى الأمس القريب في عهدة مراقبي الأمم المتحدة (الاندوف) المكلّفة مراقبة اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار منذ العام 1973 في الجولان المحتل. ولما لم يكتف بالمنطقة، توسّع ليحتل جبل الشيخ ومعه زنار من الأراضي السورية في محاذاة الحدود اللبنانية الذي اقترب 12 كيلومتراً من دمشق. ولم يمنع ذلك من أن يواصل الرئيس السوري الجديد احمد الشرع برنامجه المقرّر، عابراً الأجواء السورية إلى الاردنية من فوق المنطقة المحتلة حديثاً، للقاء العاهل الاردني الملك عبدالله بن الحسين، وكأنّ شيئاً ما لا يحصل في بلاده، وأنّ ما هو قائم يبدو انّه في دولة أو قارة اخرى.
وفي موازاة هذه القراءة المقتصرة على العناوين الكبرى للمستجدات في الجنوب السوري، توسعت المراجع عينها في قراءة ما يجري على الساحة اللبنانية، بما يوحي أن ليس هناك أي وقف نار نهائي. وإنّ العمليات العسكرية الإسرائيلية مستمرة في مناطق جنوبية قريبة من النقاط التي استمرت في احتلالها، فدخلت أمس لتجرف ما تبقّى من منازل بلدة كفركلا التي اعتقد البعض انّها قد تحرّرت، قبل ان تغير طائراتها الحربية قبل ظهر أمس على منطقة اقليم التفاح. وتوسّع عدوانها مساء أمس لتصل مسيّراته التي جابت سماء بيروت ولبنان طوال ساعات النهار، إلى طريق الهرمل – القصر في البقاع الشمالي مستهدفة سيارتين فاستشهد مواطن وأصيب آخر.
وكما كان السوريون يتابعون نتائج اعمال المصالحة والسعي إلى الدستور السوري الجديد، كان اللبنانيون يتابعون مناقشات مملة ومتكرّرة منذ سنوات عدة في ساحة النجمة، تولّى خلالها عشرات المتكلمين من النواب تفنيد بنود البيان الوزاري الذي ظهر منذ ان تلاه رئيس الحكومة نواف سلام صباح أمس الاول انّه اطول من عمر الحكومة المحكومة بولايتها الدستورية بخمسة عشر شهراً. فإن نجحت كما وعدت بإجراء الانتخابات النيابية العامة المقبلة في موعدها، ستسلّم الأمانة لمجلس نيابي جديد في 22 أيار العام المقبل، من دون ان يتبين أنّه سيسلّمه أي إنجاز تشريعي يمكن الاعتداد به وربما التوقف عنده. فالسلطة التشريعية التي فشلت في إقرار اي قانون حياتي وحيوي سوى التمديد للقادة العسكريين وبعض الاداريين وخصوصاً القانون المتصل بالإصلاحات المطلوبة على المستويات الاقتصادية والنقدية والمالية والادارية المطلوبة التي تعني جميع اللبنانيين بلا استثناء. وهو الذي عجز ايضاً حتى الأمس القريب عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد عامين وثمانية أشهر على تسلّمه مهماته التشريعية، و26 شهراً على خلو سدّة رئاسة الجمهورية من شاغلها. وهما مهلتان أمضاهما المسؤولون في تناتش الصلاحيات والتسابق على مغانم الدولة المالية حتى أفلست خزينتها، وغابت خدماتها البديهية وضاعت مدخرات اللبنانيين معها.
وقياساً على ما تقدّم، وفي غياب أي حراك دولي يلامس هذه التطورات الجارية في لبنان وغزة وسوريا، يبقى الرهان على أي مفاجأة يمكن ان تأتي بها القمة العربية الاستثنائية المقررة في الرابع من الشهر المقبل في القاهرة، والتي سيكون للبنان كما لغزة فيها حصة لمجرد حضور رئيس للجمهورية فيها بعد غياب تام عن اربع قمم عربية. وقد تفرض التطورات في الجنوب السوري ملفاً ثالثاً على جدول أعمالها، يُطلق فيها العرب موقفاً متمايزاً يستعيدون من خلاله موقعهم في العالم بقدراتهم الكبيرة. وإن كان يصعب تقدير حجم ثرواتهم فهي تسمح بتأكيد حضورهم مرّة اخرى على الساحة الدولية، ليحظوا بما تستحق شعوبهم من حقوق. والّا ستتكرّس معادلة بسيطة تقول “اللبنانيون والسوريون في وادٍ والعدو الإسرائيلي في وادٍ آخر”، ونقطة عالسطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى