مقالات

الجالية المسلمة في أستراليا بين الولاء السياسي وضرورة المراجعة: قراءة في المشهد الانتخابي \ بقلم: حسام فيصل درنيقة

تشهد الجالية المسلمة في أستراليا اليوم حالة من الانقسام السياسي غير المسبوق، بين مؤيدين لحزب العمال – الذي ارتبط اسمه لعقود طويلة بتاريخ الجالية – وبين داعمين لمرشحين مستقلين ترشحوا تحت اسم “الصوت المسلم”، تعبيرًا عن رغبتهم في تمثيل أكثر استقلالية يعكس تطلعات الجالية وهمومها، خصوصًا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

الجالية وحزب العمال: علاقة تاريخية

ارتبطت الجالية المسلمة بحزب العمال الأسترالي عبر عقود من العمل السياسي والاجتماعي، حيث ساهم الحزب في إيصال عدد من أبناء الجالية إلى مناصب مؤثرة، وكانت له مواقف متقدمة نسبيًا مقارنة بأحزاب أخرى، لا سيما في ملفات الهجرة والعمال والعدالة الاجتماعية. ولهذا، لطالما اعتُبر الحزب حليفًا تقليديًا للجالية، يحظى بثقتها ودعمها في الاستحقاقات الانتخابية.

لكن، ومن باب الإنصاف، لا يمكن إغفال أن حزب الأحرار بدوره شهد انخراط عدد من أبناء الجالية في صفوفه، وتم ترشيح بعضهم في مناطق كليفربول وبانكستاون وغيرهما، ما يعكس تنوّعًا سياسيًا طبيعيًا في أي مجتمع حيّ.

العدوان على غزة: اختبار للمواقف

كانت الحرب الأخيرة على غزة نقطة تحوّل فاصلة في علاقة كثير من أبناء الجالية بالحزب الحاكم. فقد شاهد العالم مشاهد القتل والتدمير المروعة، وخرجت الجالية في مظاهرات أسبوعية تطالب بمواقف واضحة من الحكومة الأسترالية، أبرزها طرد السفير الإسرائيلي ووقف تصدير الأسلحة للكيان المحتل.

إلا أن حزب العمال، وفق ما رأى عدد من الناشطين، لم يلبِّ الحد الأدنى من هذه المطالب، بل اتخذ مواقف اعتُبرت صادمة للجالية، منها:
• إلغاء الإفطار الرمضاني السنوي مع الجالية بسبب “التوتر القائم”.
• طرد السناتور فاطمة من الحزب لمواقفها الداعمة لفلسطين.
• التصويت ضد التظاهر في مرفأ سيدني واعتقال عدد من المحتجين.
• تجاهل رئيس الوزراء لمطالب المعتصمين أمام مكتبه لأشهر طويلة.
• التخلي عن أحد أعضاء الحزب من أبناء الجالية بعد مداهمة منزله، رغم عدم وجود أي مخالفات قانونية ضده.

إشارات إيجابية ولكن محدودة

رغم ذلك، لا يمكن تجاهل بعض المواقف الإيجابية التي سُجلت لحزب العمال، منها:
• دعم رفع علم فلسطين أمام بلدية بانكستاون.
• قبول بعض الحالات الإنسانية من غزة (دون دعم حكومي مالي مباشر).
• مواقف معتدلة نسبيًا مثل رفض نقل السفارة إلى القدس ورفض التوسع الاستيطاني، ودعم حل الدولتين.
• السياسات الاجتماعية التي تنصف المهاجرين والعمال.

إلا أن العديد من أبناء الجالية يرون أن هذه المواقف لا ترقى إلى مستوى التحديات، ولا تعكس ثقل الجالية وتأثيرها السياسي المتنامي.

“الصوت المسلم”: مشروع تمثيل مستقل

في ظل هذا السياق، انطلقت مبادرة “الصوت المسلم”، وهي محاولة لترشيح شخصيات مستقلة من أبناء الجالية تتمتع بسيرة نزيهة ومصداقية شعبية، دون أي ارتباطات حزبية أو مصالح دولية. الهدف من هذه المبادرة هو إعادة تمثيل الجالية بقرار حر يعكس صوتها الحقيقي في الداخل الأسترالي، ويعبّر عن مواقفها في القضايا الدولية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

أربعة توجهات داخل الجالية

بات من الممكن تصنيف الجالية اليوم إلى أربعة اتجاهات سياسية:
1. داعمون مطلقون لحزب العمال، بناءً على مصالح ضيقة أو دعم مالي، حيث تتقدم الاعتبارات الفردية والمحلية على القضايا العامة.
2. البراغماتيون، وهم من يرون أن حزب العمال قوة سياسية لا يمكن مجابهتها من الخارج، وأن التغيير يجب أن يكون من الداخل، عبر الانخراط والتأثير المباشر.
3. الشباب الغاضب، ممن شعروا بخذلان الحزب في قضية غزة، ويعتزمون التصويت لمعاقبة الحزب بغض النظر عن البديل.
4. الوسطيون الواقعيون، الذين يرون أن حزب العمال شريك تاريخي، ولكن يحتاج إلى رسالة تصحيحية عبر صناديق الاقتراع، دون القطيعة معه.

دعوة للوحدة واحترام الرأي

إننا نعيش في بلد ديمقراطي يقوم على حرية التعبير والتعددية. ولهذا، فإننا نناشد الجالية احترام خيارات بعضها البعض، دون تخوين أو تجريح. فلكل فرد الحق في دعم من يراه الأصلح:
• من يرى في حزب العمال شريكًا استراتيجيًا قابلاً للتغيير من الداخل، فله كامل الحق في دعمه.
• ومن يرى ضرورة محاسبة الحزب على تقصيره، فله الحق في اختيار المرشحين المستقلين.

لكن في كل الأحوال، يجب أن تبقى وحدتنا أولويتنا، لأن انقسامنا هو الخطر الحقيقي، لا اختلاف آرائنا. يجب أن نرتقي بخطابنا ونبتعد عن الاتهامات والشتائم، فهي لا تليق بأخلاق أبناء الجالية، ولا تخدم قضايانا.

ختامًا، نناشد أصحاب الرأي والقرار داخل الجالية: لا تساهموا في تأجيج الخلافات بتصريحات تفرق ولا تجمع. الانتخابات ستمر، لكن ما سيبقى هو علاقاتنا الاجتماعية، وقضايانا المشتركة، وأهلنا في غزة الذين يستحقون أن يروا جاليتهم موحدة، قوية، وحكيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى