مقالات

تشييع الربح و الخسارة ..كتب غسّان حلواني

لبنان يشييع اليوم شخصية لبنانية إستثنائية و مثيرة للجدل، يشييع فكرة وقيمة، و يشييع كل من آمن بفكر المقاومة العابر للحدود و الطوائف سيّدها، فلا ينتطح عنزان في انّ السيّد حسن نصر الله كان يتمتع بكاريزما قوية وحنكة سياسية وعسكرية جعلته أحد أبرز القادة في لبنان والمنطقة، ورمزا ً بطوليا ً و أيقونة جهاد. فهو معروف بخطاباته القوية والمؤثرة التي تجذب الجماهير. يستخدم لغة بسيطة لكنها عميقة، مما يجعله قريبًا من قلوب مؤيديه. و كان دائما ً يقدم نفسه كزعيم مقاومة وشخصية تتصدى للعدو الإسرائيلي، و كقائد وطني داخليا ً (شاء من شاء و أبى من أبى)، مما يعزز صورته كبطل لدى قطاع كبير من اللبنانيين والعرب. دوما ّ أظهر نصر الله صلابة في مواجهة التحديات، سواء كانت سياسية أو عسكرية، مما عزز ثقة مؤيديه به.و لطالما تمتع بحس دقيق للتوقيت في كل إطلالاته و اختيار مواضيع خطاباته .
نجح نصر الله في بناء تحالفات قوية مع إيران وسوريا، مما وفر لحزب الله دعمًا ماليًا وعسكريًا وسياسيًا. هذه الصفات ساعدته في تعزيز نفوذ حزب الله وتحقيق أهدافه السياسية على الصعيدين المحلي والإقليمي. و على الرغم من خطاباته الحادة، يُظهر نصر الله مرونة في التعامل مع الخصوم المحليين والدوليين عندما يتطلب الأمر ذلك. وقد أظهر قدرة على إدارة الأزمات الداخلية في لبنان، مثل التوترات الطائفية، مع الحفاظ على قوة حزب الله ونفوذه. و تحت قيادته، أصبح حزب الله قوة عسكرية منظمة ومجهزة بشكل جيد، تفوقت في بعض الجوانب على جيوش دول في المنطقة. وهو في محصّلة الأمر، شخصية سياسية ودينية بارزة أثرت بشكل كبير على المشهد السياسي والأمني في لبنان والمنطقة.
حسن نصر الله وتأثيره على لبنان
في وداع حسن نصر الله ماذا ربح لبنان و ماذا خسر؟
عند الحديث عن “ربح” أو “خسارة” لبنان في سياق دور السيد حسن نصرالله وحزبه وتأثيرهما، يمكن النظر إلى عدة جوانب:
يُنسب لحزب الله دور رئيسي في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني عام 2000، مما عزز شعورًا بالفخر الوطني لدى جزء كبير من اللبنانيين. و بدعم من إيران، أصبح لبنان لاعبًا إقليميًا قويًا، مما منحه دورًا في صراعات الأقليم، خاصة في سوريا والعراق واليمن. وداخليا ً كان حزب الله يقدم خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية للعديد من اللبنانيين، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص الخدمات الحكومية، في حاضنته الجغرافية ، مع محاولات تمدد خجولة الى بعض المناطق اللبنانية.
ما خسره لبنان:
إنّ وجود حزب الله وتدخله في الصراعات الإقليمية زاد من الانقسامات السياسية والطائفية داخل لبنان، مما أضعف الوحدة الوطنية و أدّى الى انقسام داخلي في لبنان حول دور حزب الله. و بلغ هذا الإنقسام ذروته قبل دخول الحزب في المعارك الأقليمية ، للمرة الأولى في الثامن من آذار عام 2005 بعيد إغتيال الشهيد رفيق الحريري و رفاقه في 14 شباط من العام نفسه ، حيث كانت مشاعر النفور التذمّر من سوريا و من الوجود السوري في أوجّها ، فقد ساد الإعتقاد يومئذ أنّ سوريا هي من إغتالت رفيق الحريري، قبل أن تصوب المحكمة الجنائية مسار الإتهام و تشير الى تورط عناصر منضوية تحت لواء حزب الله خططت و نفذت الجريمة . آنذاك ، حشد حزب الله قواعده الشعبية و قواعد حلفائه في وسط بيروت في مهرجان خطابي أطلق عليه أسم “الوفاء لسوريا”، مما أحدث شرخا ً لبنانيا ً عموديا ً عموما ً و سنيّا ً شيعيا ً بشكل خاص . و في المرة الثانية وقف حزب الله يلوم و يقرّظ معارضيه و يتهمهم بالعمالة في حرب تموز 2006 مع إسرائيل ، و معظمهم من خامة اليمين السياسي اللبناني بالإضافة الى رموز من تيار المستقبل ، مما زاد في الشرخ بين اللبنانيين . ثم كانت الطامة الكبرى في المرة الثالثة عندما أدار حزب الله و حلفاؤه البندقية الى صدور اللبنانيين في العاصمة بيروت في واقعة السابع من أيار للعام 2008. على أثر ذلك ضاقت مساحة جغرافيا و ديموغرافيا الحاضنة اللبنانية من تحت حزب الله أكثر فأكثر، ليكون دخوله العسكري الى سوريا و ما نتج عنه هو القشة التي قصمت ظهر البعير.
و لم تكد النفوس تهدأ بمرور الزمن، حتى فتح حزب الله من جنوب لبنان، معركة “جبهة الإسناد” لغزّة في الثامن من تشرين الأول في العام 2023، ضاربا ً عرض الحائط بكل آراء المكونات اللبنانية الأخرى المعارضة لهذه الجبهة، لتصبح الأمور أكثر دراماتيكية في أيلول 2024 و تتحول حربا ً إسرائيلية مباشرة على لبنان.
و بسبب ارتباط حزب الله بإيران وأنشطته العسكرية، تعرض لبنان لعقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى، مما أثر سلبًا على الاقتصاد اللبناني الهش.كما أن ّالتورط في الصراعات الإقليمية و مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية السورية وغيرها من الصراعات جلب انتقادات دولية وأثار مخاوف من تصدير الأزمات إلى لبنان.
و في العدوان الأخير، دفع لبنان ثمنا ً باهظا ً من الأرواح و الأضرار، في زمن يئنّ فيه تحت وطأة أزمات سياسية و إقتصادية غير مسبوقة. أمّا عن ربح وخسارة و مستقبل حزب الله بعد السيّد حسن نصر الله ، فهذا متروك لمقالة لاحقة .
تبقى عملية تقييم الربح و الخسارة برحيل السيّد حسن نصر الله، محكومة بالزاوية التي يُنظر إليها منها ،سواء كانت طائفية، حزبية، وطنية، إسلامية، و قومية، و في كل أحوالها قد طبعت بالشهادة السّامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى