مقالات

في كره الإسلام أو الإسلاموفوبيا د. محمد أمين الميداني

​كتبت عدة مقالات، على مدار السنوات الأخيرة، عن موضوع «الخوف من الإسلام أو رُهاب الإسلام أو كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو الإسلاموفوبيا»، بغرض تعريفها، ورصد مدى انتشارها، وتبيان الآثار السلبية والخطيرة التي تخلفها حيثما وجدت. وأعود اليوم للحديث عن هذا الموضوع، نظراً للقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 79 التي اختتمت مؤخراً، والذي نص على إنشاء مكتب المبعوث الخاص لمكافحة كره الإسلام أو الإسلاموفوبيا اعتباراً من الأول من أبريل 2025. وسبق أن حددت الجمعية العامة في عام 2022 يوم 15 مارس من كل عام للاحتفال باليوم الدولي لمكافحة كره الإسلام. ليسمح لي القارئ الكريم أن أقدم مجدداً تعريفاً لهذه الظاهرة الخطيرة، وأريد أن أستند هذه المرة للتعريف الصادر عن الأمم المتحدة: «كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا» هي الخوف من المسلمين، والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد والمضايقة والإساءة والتحريض والترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت. وتستهدف تلك الكراهية -بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية- الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلم». ​ولابد من الإشارة في هذا الخصوص إلى التقرير رقم 16 لمنظمة التعاون الإسلامي حول الإسلاموفوبيا، والذي تم عرضه على الدورة الخمسين لوزراء الخارجية، وحمل تاريخ فبراير 2023-أبريل 2024. قدم هذا التقرير تعريفاً للإسلاموفوبيا واعتبره: «مجموعة معقدة من المشاعر السلبية والمعتقدات المتحيزة الموجهة، ليس فقط نحو المسلمين كأفراد، بل أيضاً إلى أي شيء يرتبط بدين الإسلام ذاته. ويشمل ذلك الخوف والكراهية، والتمييز ضد المساجد والمراكز الإسلامية، والقرآن الكريم، والحجاب، والأطعمة الحلال، والأسماء العربية، والرجال ذوي اللحى، والدعوة إلى الصلاة، والمآذن والقباب، وغير ذلك من الرموز والممارسات الإسلامية. وتتجلى الإسلاموفوبيا في الوصم بالعار والعنصرية والمعاملة التمييزية في الحياة اليومية وفي وسائط الإعلام، وفي أماكن العمل وفي المجال السياسي». وتطرق التقرير أيضاً إلى اتجاهات الإسلاموفوبيا ومظاهرها. ​كانت باكستان، حسب ما كتب الصحافي عبدالحميد صيام في صحيفة «القدس العربي»، وراء الوصول لتوافق في اللجنة الخامسة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي لجنة الشؤون الإدارية وشؤون الميزانية، ويوجد كما نعلم ست لجان تابعة لهذه الجمعية ومن بينها اللجنة الثالثة التي تعنى بالقضايا الاجتماعية والإنسانية وقضايا حقوق الإنسان في هذه الجمعية. وتجلى هذا التوافق باعتماد قرار يتعلق بالتمويل وخاص بالتقديرات المتعلقة بالإسلاموفوبيا. كما ينص هذا القرار على تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة. يمثل هذا القرار بلا شك تطوراً مهماً على الصعيد الدولي مضافاً إلى التطور الإقليمي الذي تعكسه جهود منظمة التعاون الإسلامي ونشاطاتها في هذا المضمار، ومن هنا تأتي أهمية تحقيق تعاون بين هذه الجهود الدولية والإقليمية لاعتماد استراتيجية مشتركة تغطي مختلف جوانب ظاهرة كره الإسلام أو الإسلاموفوبيا، وتعتمد آليات وقائية وتطبيقية لمناهضتها. ​قد لا تشغل هذه الظاهرة أذهان من يعيش في البلدان العربية والعديد من البلدان الإسلامية، ولكن تشغل هذه الظاهرة بالمقيمين في البلدان الغربية، خصوصاً في عدد من البلدان الأوروبية، وهي تهدأ حيناً وتتفاقم أحياناً أخرى بحسب تطور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تلك البلدان، وتبعاً لتطور الأوضاع التي تعيشها بلدان العالم العربي مثل فلسطين وما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية. فتتجلى أحياناً هذه الظاهرة كلما خرجت مظاهرات تضامنية مع شعب فلسطين، وتمت المناداة بوقف الإبادة الجماعية في غزة، وتكون ردود الفعل سلبية إزاء طلب الدعم والعون والمساعدة لهذا الشعب. ويجب الإشارة هنا إلى أن اليمين المتطرف الأوروبي، الذي يزداد انتشاراً وتمكناً ووصولاً لسدة الحكم في العديد من البلدان الأوروبية يغذي هذه الظاهرة، ويستغلها لمآرب سياسية نفعية تنحو منحى بعيداً عن الأخلاق وقيم التعاون، والتسامح وقبول الآخر، التي ينادي بها الكثير من الأوروبيين من رجال دين، وأكاديميين، وخبراء، ومتخصصين في شتى المجالات، وتعرفها كذلك العديد من المجتمعات الأوروبية. ولابد من أن نذكّر أخيراً بما سبق أن تطرقنا إليه من جهود بذلتها المنظمات الأوروبية مثل: الاتحاد الأوروبي، ومجلس أوروبا، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بغرض محاربة هذه الظاهرة، فقد أصدرت هذه المنظمات مجتمعة، بالتعاون مع اليونسكو عام 2012، كُتيباً بعنوان: المبادئ التوجيهية للمعلمين بغرض مكافحة التعصب والتمييز ضد المسلمين: التطرق للإسلاموفوبيا من خلال التربية. وبالفعل لا يمكن أن تتحقق هذه المكافحة إلا بفضل التربية في المدارس والمعاهد والجامعات في مختلف دول العالم. * أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى