
ربح لبنان وخسرت محكمة العدل الدولية د. محمد أمين الميداني \ موقع الجريدة
بدأت الجمهورية اللبنانية عهدا جديدا في تاريخها المعاصر بانتخاب جوزيف عون رئيسا لها، واختيار سلام نواف رئيسا للوزراء، وهو ما يبعث الأمل والتفاؤل في نفوس الشعب اللبناني، كما أنه تناغم وامتداد لما يعيشه الشعب السوري منذ الإطاحة بالنظام الأسدي. ولا شك أن لبنان قد ربح ببدء هذا العهد الجديد، ولكن لابد من القول إن محكمة العدل الدولية قد خسرت بمغادرة رئيسها نواف سلام وقبوله منصبه الجديد، خصوصا أن عليها أن تصدر أحكاما وآراء استشارية لم تبت أو تحسم بخصوص قضايا لها علاقة بفلسطين وسورية، وهي تتعلق بـ: 1- نقل سفارة الولايات المتحدة للقدس، حيث أقامت فلسطين في 28/9/2018 دعوى ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بشأن نزاع يتعلق بانتهاكات لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة 18/4/1961. 2- الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، وانضمت بعدها عدة دول إلى هذه الدعوى آخرهم كوبا، ضد إسرائيل بتاريخ 29/12/2023 أمام هذه المحكمة، بخصوص ارتكاب إسرائيل جريمة «إبادة جماعية» منتهكة بذلك أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. 3- رفعت كل من هولندا وكندا، بتاريخ 3/6/2023، دعوى ضد سورية تتعلق بانتهاكها أحكام عدة مواد في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتم اعتماد هذه الاتفاقية في 10/12/1984، ودخلت حيز النفاذ في 26/6/1987، وصادقت سورية عليها بتاريخ 19/8/2004، من دون أي تحفظات، وهذه الدعوى تتعلق بممارسات التعذيب سنوات النظام الأسدي البائد. 4- طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 23/5/2024 رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية يتعلق بالتزامات إسرائيل فيما يخص وجود وأنشطة الأمم المتحدة ومنظمات أخرى في الأراضي الفلسطينية، وهو خاص بوكالة (الأونروا) ونشاطاتها في هذه الأراضي. إذا عدنا للفقرة (2) من المادة (5) وللفقرة الأولى من المادة (13) من النظام الداخلي أو لائحة المحكمة، فإن نائب رئيس محكمة العدل الدولية يضطلع بمهام رئيس المحكمة في حال شغور منصب الرئاسة، ومن هنا تبدأ الإشكالية لأن نائب رئيس المحكمة قاضية من أوغندا، وطالما صوتت ضد إدانة إسرائيل بخصوص الانتهاكات التي ارتكبتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخير مثال الرأي الاستشاري الذي صدر عن المحكمة بتاريخ 19/7/2024. استبشر رجال القانون في البلدان العربية خيراً بانتخاب نواف سلام رئيسا لمحكمة العدل الدولية في 6/2/2024، وتابعنا مشاركته في جلسات هذه المحكمة، وكيف قرأ علنا وفي بث مباشر، بتاريخ 19/7/2024، الرأي الاستشاري للمحكمة، والمتعلق بالوجود غير المشروع لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكنا ننتظر إدارته ومشاركته في القضايا والآراء الاستشارية التي أسلفنا الإشارة إليها. من المؤكد أن لبنان بمؤسساته وشعبه ربح باختيار نواف سلام رئيسا للوزراء، لكن محكمة العدل الدولية خسرته، ونأمل في المقابل أن يختار قضاة محكمة العدل الدولية رئيسا جديدا يكون له دور إيجابي في الأحكام والآراء الاستشارية التي ستصدر عن هذه المحكمة، لاسيما المتعلقة بالقضايا الخاصة ببلدان المشرق العربي. * أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.