مقالات

قراءة سياسية علمية لمواقف سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى \ د.غَازِي مُنِير قَانْصُو

مقدمة
إنّ خطاب سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب يوم الجمعة الفائت يمثل دعوة وطنية شاملة ترمي إلى بناء دولة قوية وعادلة تحافظ على سيادتها، وتحمي شعبها عبر جيش متماسك، وتُرسِّخ التوافق السياسي كسبيل لتحقيق الاستقرار الوطني. في هذا السياق، يمكننا تحليل الخطاب ضمن محاور رئيسية ثلاثة تعكس رؤى سياسية واضحة تُعنى بمستقبل الدولة اللبنانية.

المحور الأول: بناء الدولة القوية والعادلة
سماحة الشيخ علي الخطيب طرح رؤية متكاملة للدولة القادرة التي تجمع بين العدالة والقوة، استجابةً لتحديات الوجود التي يواجهها لبنان نتيجة الاعتداءات عليه، والتدخلات الخارجية، والافتقار إلى رؤية وطنية جامعة.

إنّ الدعوة إلى بناء الدولة القوية “القادرةِ العادِلةِ” تأتي كمطلب حيوي في ظل التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة. وإنّ رَبْطَ هذا الهدف بوحدة الموقف الوطني لدى العلامة الخطيب يعكس فهمًا عميقًا لأهمية تماسك القوى السياسية في مواجهة الأزمات المستمرة في لبنان، لا سيما الحالية منها.

وإنّ هذه الدعوة الطموحة تتطلب مِنَ اللبنانيين خارطةَ طريقٍ عمليةً تشملُ إصلاحاتٍ هيكليةً في النظامِ وأساليب عمله، وضمانِ التعاون بين المؤسسات الرسمية والقوى السياسية في لبنان باعتبارِها تلعبُ دورًا همًا في تحديد توجهات النظام. فالتحديات الحالية، ليست بالبسيطة، فهي تحتاج إلى إرادة سياسية قوية للتغلب عليها.

المحور الثاني: تعزيز دور الجيش كدرع للوطن
أكد العلّامة الشيخ الخطيب على أهمية تقوية الجيش اللبناني باعتباره العمود الفقري لحماية السيادة الوطنية ومواجهة التهديدات.

إنّ هذه الدعوة تعكس توازنًا دقيقًا بين تعزيز الجيش كمؤسسة وطنية جامعة، وضمان التكامل مع دور المقاومة “الأهلية”، التي يمارسوها الأهالي للدفاع عن وطنهم وبلداتهم وبيوتهم، ضمن استراتيجية دفاعية تحافظ على السيادة الوطنية.

وإنّ تحقيق هذا الهدف يتطلب استثمارات كبيرة في تمويل وتسليح الجيش، وهذا ليس كثيرا على المؤسسة العسكرية، انما من المناسب الاستفادة من مانحٍ في هذا المجال، وهو تحدٍ صعب في ظل الأزمة الاقتصادية وفي ظل الارتباطات السياسية. لكنه ضرورة ملحة لتثبيت الأمن والاستقرار.

المحور الثالث: التنويه بدور الرئيس نبيه بري كرجلٍ استثنائي في وقت استثنائي
أشاد العلّامة الشيخ الخطيب بدولة الرئيس نبيه بري واصفًا إياه بـ”الرجل الاستثنائي في الوقت الاستثنائي”، مُثَمِّنًا جُهودَهُ، الوطنية البارزة والراسخة، في العمل التفاوضي مع المجتمع الدولي الذي أدّى الى الاتفاقِ على وقف اطلاق النّار، ودعوته النازحين الى العودة الفورية فور وقف اطلاق النار مهما كانت الظروف، كما يثمِّنُ سماحتُهُ دورَ دولة الرئيس بري في دفع القوى السياسية اللبنانية نحو التوافق أو السّعي الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية ليتم تحقيق ذلك في الموعدِ المُحدّدِ لجلسةِ الانتخاب ٩ كانون الثاني.

إنّ دور دولة الرئيس نبيه بري يُعدُّ محوريًا في تسهيل الحوار الوطني وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، مما يعكس شخصيته القيادية المُمَيّزة وقُدرتَهُ الناجِعة على إدارة الأزمات.
كما أنّ نجاح هذه الجهود يعتمد على مدى استعداد القوى السياسية اللبنانية للاستجابة لدعواته في ظل التجاذبات الإقليمية والدولية. وإنّ انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد يمثل خطوةً جوهريةً نحو إعادةِ بناءِ المؤسساتِ الدستوريّة واستعادة ثقة الشعب بالدّولة.

نقاط إضافية
1. تكامل المقاومة والدولة:
أشار العلّامة الشيخ الخطيب إلى نجاح التكامل بين المقاومة والدولة، خاصة في سياق الصراع مع العدو الإسرائيلي، وهنا نؤكِّد على أهمية الاستراتيجية الدفاعية التي تحمي سيادة الدولة على ارضِها وقرارِها وتعزز مؤسساتها، وتحمي البِلادَ والعباد.

2. التحديات الدَّولية:
أكّد العلّامة الشيخ علي الخطيب على ضرورة تفعيل الدبلوماسية اللبنانية لضمان احترام العدو الإسرائيلي للسيادة اللبنانية، مشيرًا إلى أهمية تطبيق القرارات الدولية مثل القرار 1701. وبدوري أُشيرُ إلى أن القرار الدولي ٤٢٥ في العام ١٩٧٨ لم يُستكمل تطبيقه بعد، فالقرارُ دعا إلى الانسحاب من كافة الأراضي اللبنانية إلى الحدود المعترف بها دوليا وهذا لم يحصل لا في العام ١٩٧٨ ولا في العام ٢٠٠٠ ولا في العام ٢٠٠٦ كما لم يحصل لغاية تاريخه، فمن الحري للمطالبين بتطبيق القرارات الدولية أن يتم تذكيرهم بالقرار ٤٢٥ بما يختص بلبنان، ووجوب تطبيقه.

التقييم العام
إنّ خطابَ سماحةِ العلامةِ الشيخ علي الخطيب يُمثِّلُ رؤيةً متوازنةً وطموحةً وواعدةً، تهدف إلى استنهاض الوعي الوطني اللبناني، والى العمل الجَماعي لبناء “دولةِ المواطنة” في لبنان، بل لبناءِ دولةٍ في لبنان، على كل الأرض اللبنانية، في مساحتها المعروفة ١٠٤٥٢ كلم مربع، أكثر عدالة واستقرارًا وسيادة.
وبرأينا، إنّ هذا الخطابَ هُو علامةٌ مضيئةٌ في مسيرةِ لبنان السياسية، كما هو دعوةٌ لجميع القوى اللبنانية، من كل نوعٍ، للالتقاء في منتصف الطريق، حفاظًا على أمنِ الوطنِ واستقرارِهِ وازدهارِهِ ومستقبلِه.

مع تَحِيّاتِي،
د.غَازِي مُنِير قَانْصُو
الأحد 8-12-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى