سطوح تل أبيب تحت القصف \ د. قصي الحسين
إنغمست إسرائيل في الحرب على غزة وعلى قطاع غزة، حتى أذنيها. هي اليوم في أشد أيامها عتوا على الفلسطينيين. لا تفرق بين المدني والحمساوي. الكل سواء لديها. يذهب جندها كل يوم إلى قصف غزة، بأشد ما حملوا من الأعتدة. يجدد العالم لهم أسلحتهم كل صباح. وينتظرون منهم الحديث عن فاعليتها.
نراهم في الغسق كما في الشفق، يخرجون على غزة بأسلحة جديدة. يمتحنونها في القتل الجماعي. وفي الإبادة الجماعية. يجرون عليها التعديلات، حتى يمعنوا في القتل. حتى يغرقوا غزة في دمها. يتزودون بخرائط جديدة وببيانات جديدة وبصور للأقمار الصناعية جديدة. يتزودون بأحدث القذائف. بأحدث الصواريخ. يتزودون بأحدث القنابل والمتفجرات. وتنصب عليهم الأموال صبا.
يحملون إلى الحرب على غزة، القذائف والقنابل والأسلحة المحرمة دوليا. لا يأبهون للقوانين الدولية. ولا لشرعة حقوق الإنسان. لا يأبهون لأحد يدعونهم للحذر في الحرب على غزة. مما تحذر منه الأمم المتحدة. ومما يحذر منه مجلس الأمن. ومما تحذر منه الجمعيات الدولية الإنسانية. يستبيحون كل يوم غزة، كأنها خارج الكرة الأرضية. كأنها أرض بلقع. كأن شعبها خلق للإبادة اليومية.
جعلت إسرائيل جميع الشرائع الإنسانية، خلف ظهرها، وأخذت ترسل إلى إبادة غزة. إلى حرق الأرض في غزة. إلى تفجير باطنها وظاهرها، كل أنواع الأسلحة، التي تميت الأرض نفسها لقرن، أو نصف قرن. حتى لا يفكر أهلها بالتمسك بها.
كشفت الحرب المجنونة على غزة سطوح تل أبيب نفسها. جعلتها تحت القصف أيضا. لم لا! جعلتها لأول مرة، مباحة للقصف. بدأت إسرائيل تذوق في الحرب على الفلسطينيين، ما لم تذقه من قبل. صارت سطوح تل أبيب في موازاة سطوح غزة.
كل يوم يطالها سلاح جديد. كل يوم تضعها الحرب أمام مفاجأة جديدة. لم يعد الفلسطينيون يخشونها. إعتادوا الموت تحت سطوح غزة التي تدمر، فصاروا يخرجون من تحتها، ويردون لأول مرة الكيل كيلين للمجرمين الذين لا يرحمون أحدا من الفلسطينيين. ولا ممن يناصرون الفلسطينيين. صارت سطوح تل أبيب تحت القصف أيضا.
صار غلاف إسرائيل، تحت رحمة المقاتلين الأشداء، الذين يستميتون في الدفاع عن غزة وعن مدن قطاع غزة. على قاعدة من “العين بالعين والبادئ أظلم.”
لم تعد سطوح تل أبيب، بعيدة إذا، عن صواريخ غزة. ولم تعد بعيدة أيضا، قذائفهم الجديدة، التي تذيق الإسرائيليين الرعب لأول مرة، الكأس المرة في الحرب.
حرب غزة اليوم، ليست حرب أيام، وليست حرب أسابيع. وليست حرب شهور. بل هي حرب دهور. فسطوح إسرائيل، هي أيضا تحت القصف. لأن سطوح إسرائيل لم تعد أغلى من فلسطين أو سطوح غزة.
“على نفسها جنت براقش”. هذا هو الدرس الفلسطيني الذي تتعلمه إسرائيل اليوم من حرب غزة. لم تعد هناك خيمة فوق رأس تل أبيب. صار رأسها مكشوفا تماما. صارت سطوح إسرائيل نفسها، تحت القصف أيضا.
يوما بعد يوم، تقوى غزة فوق سطوحها، مثلما هي قوية تحتها. لم تعد تهاب الحرب الإسرائيلية ولا الحرب العالمية عليها. لم تعد تهاب المحرقة النازية التي أشعلتها إسرائيل فيها، والعالم شهود عليها. هي اليوم تقاتل فوق سطوح تل أبيب نفسها. وذلك بحد ذاته شهادة على بطولة رجالها.
إسرائيل عملت طوال دهرها على إستجرار الحرب إلى قلب دارها. هي اليوم تدفع ثمن مكرها. ثمن عتوها. ثمن جبروتها. ثم طغيانها. وثمن المتاجرة بالشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، لحساب تجار السياسة، الذين يخدمون تجار المال والسلاح. الذين يخدمون المتاجر والبنوك والمصانع والشركات العظمى في العالم.
سطوح تل أبيب اليوم، هي مقابل سطوح غزة. تلك هي المعادلة الفلسطينية الجديدة. ومثلما يقع التهجير على شعب غزة، يقع التهجير على المستوطنين. ولهذا نراهم يجلون عن المستوطنات. يهجرونها. ولا يجرؤون على العودة إليها.
سطوح إسرائيل كلها تحت القصف إذا، لأن قادتها بغوا وطغوا، ولم يعلموا أن شعب غزة سينهض إليهم بأكفانهم. لم يعلموا أن شعب غزة يقاتل فوق السطوح وتحت السطوح، على قاعدة جديدة: الموت لإسرائيل. نعم الموت لإسرائيل، لا لأهل غزة. لا لأهل قطاع غزة. لا لأهل القدس. لا لأهل الضفة . ولهذا ستبقى سطوح إسرائيل كلها، تحت القصف، ما دام الطغاة، لم يفهموا بعد، درس سطوح غزة.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.