مقالات

د.عبدالمجيد الرافعي في ذكرى رحيله الثامنة : كل ما يُقال في الحكيم لا يَفِهِ حقّه . \ نبيل الزعبي

بحلول الثاني عشر من شهر تموز هذا العام ٢٠٢٥ تمر ثماني سنوات على رحيل ابن طرابلس البار الدكتور عبدالمجيد الرفعي ، القائد البعثي المناضل الذي اعطى لحزبه وبلده ووطنه العربي الكبير ما لم يضاهِهِ ايّ قائدٍ آخَر وكان”البعث”بالنسبة له مشروع حياة ومنهاج عمل لم يكن ليوازيه معه سوى المؤمنين الثابتين على المواقف والمبادئ من الرفاق سِيّما في مواكبته لابناء مدينته وهو يشاركهم أفراحهم وأتراحهم ولا يكتفي ان يكون الطبيب المداوي لهم وهم الذين تعوّدوا على زياراته المتكررة لهم مجرّد سماعه خبر مرض هذا الجار وتوعُّك ذاك القريب ليهبُّ و”الشنطة” في يده ملبّياً الاستغاثة حاملاً ما يلزم من ادوية وعلاجات ميدانية توفّر على مرضاه الوقوف على باب الصيدليات او تكبُّد”كشفية” الطبيب مُصبِغاً على مهمته طابع الانسانية بكل ما تعني من عطاءٍ وخدماتٍ لا مقابل لها سوى الحب المتبادل في واحدة من أسمى لوحات النضال في “الحقل العام” الذي لطالما كان يفضّله على كلمة”سياسة” ويرفض بالتالي ان يوصَف بالسياسي وهو الحريص على عدم اغراق نفسه في دهاليز السياسيين ومصالحهم الضيّقة مفضّلاً عليها فضاء الوطن الواسع المترفّع عن المناطقية والطائفية والمذهبية وغيرها من أشكال الانتماء الذي يفرّق ولا يوّحد .
ما لا يعرفه سوى القليل من الحلقة المقّربة لحكيم المدينة خاصةً في زمن”التكويع”
الحاصل مع تبدُّل السياسات والأنظمة هذه الايام ،ان الراحل الكبير ومع عودته إلى لبنان في شهر ايار من العام ٢٠٠٣ بعد عشرين عاماً من مغادرة الوطن وأشهر قليلة على غزو واحتلال العراق ، عمل على مواجهة كل حملات إلتشويه والشيطنة المنظمة التي تعرضت لها تجربة رفاقه في العراق ساعياً إلى استنهاض الوضع القومي للحزب بعد ان روّج الاعداء انه انتهى باحتلال العراق ولم تكن لتمضي أسابيع قليلة حتى كانت القيادة القومية تعاود اجتماعاتها الدورية وترفد المقاومة الوطنية في العراق بكل أشكال الدعم المطلوب دون ترك اية ساحة دولية وعربية لفضح الأهداف الحقيقية لاحتلال العراق ودحر الائتلاف الاميركي الصهيوني الغربي عنه قبل اقدام البيت الابيض على تسليمه فيما بعد لنظام الملالي في طهران بهدف إغراقه في صراعات مذهبية وإثنية في اقذر واخطر مؤامرة يتعرض لها قطر عربي في التاريخ الحديث .
اكثر من عشرين عاماً أمضاها”الحكيم” في بغداد يتابع منها مهامه القومية إلى جانب رفيقه الامين العام للحزب الشهيد صدام حسين ، فكان الصوت اللبناني الصادح في العاصمة بغداد يتابع ويناقش كل ما يتعلق ببلده الام لمدِّه بكل ما يلزم من مساعدات اقتصادية ودعم سياسي على مختلف المنابر العربية والدولية ويهتم في توفير مئات المنح الجامعية للّبنانيين للدراسة المجانية في العراق ، ولطالما اشتد حنينه إلى لبنان في أوج حملات الاغتيال والاعتقالات التي تعرّض اليها الرفاق وكم من مرّة حزم فيها حقائبه للعودة غير مبالٍ بالأخطار لولا تمني الرئيس صدام ان يتريث ومعرفته التامة بما يُهَيّأ له من خطر كامن عليه من قِبَل نظام حافظ أسد الذي لم يكن ليكتفي بحقده الدفين على قيادة الحزب الشرعية وانما كان في صلب مشروعه، الإطباق الامني والسياسي على لبنان واغتيال قيادات الحركة الوطنية اللبنانية بدءاً برئيس مجلسها الوطني الشهيد كمال جنبلاط وصولاً إلى الشهيد الرئيس رفيق الحريري مروراً بالعشرات والعشرات من الشخصيات والنواب والقوى الحزبية والسياسية الأخرى مستذكرين في هذا المجال الشهداء تحسين الاطرش وموسى شعيب وعبدالوهاب الكيالي وعدنان سنو وغيرهم ممن روت دماؤهم مسيرة”البعث” الخالد وأضحوا أيقونات صمود في صدور رفاقهم وتنظيمات حزبهم على مستوى اقطار الامة وخارج الوطن .
وخلال الفترة الزمنية الممتدة اربعة عشر عاماً من تاريخ عودته إلى لبنان في العام ٢٠٠٣ إلى حين وفاته عام ٢٠١٧ ، يُسَجّل للراحل الكبير احتضانه لاجتماعات القيادة القومية للحزب في بيته المتواضع بطرابلس وقليلاً ما كان يغادره إلى الخارج ، إما لمتابعة شؤون تنظيمات الحزب خارج الوطن او للعلاج ، وبالرغم من تنامي الخطر الصحي عليه فلم يكن ليجد الراحة الا مع ابناء مدينته طرابلس ورفاقه القدامى واهتماماته بالرفاق الجدد حديثي العهد بالتنظيم دون ان تقتصر لقاءاته مع الجميع على قضايا الوطن الكبير والصغير وانما كان لشغفه بالشعر حيِّزاً ايضاً لا يقتصر على حبه للنابغة الذبياني وطرفة بن العبد ليتناول ما في قريحة الرفاق الشعراء امثال الشاعر الراحل عاصم شلق رحمه الله والشاعر مروان عبيد اطال الله في عمره ليستمع إلى ما لديهما من جديد كعاشقٍ للقصيدة كما عِشقه للناس وتراب الوطن .
سيذكر الحزب في يومياته للأجيال امس واليوم وغداً ان القائد الراحل الدكتور عبدالمجيد الرافعي كان اوفى الأوفياء للشرعية الحزبية بصفتها السقف التنظيمي ل”البعث” الذي لا يمكن تجاوزه او التنكُّر له ، فبدون قيادة قومية ، لا شرعية للحزب في الاقطار ، واي خروج عنها ، هو خروج سافر عن دستور الحزب ومبادئه والامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة ، رحم الله حكيمنا وأسكنه في جنات الخلود ولتَطمئِنَّ روحه في عليائه ان الرفاق على العهد ثابتون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى