المُرتدِّ … عَن الرَّد …*كتب الإعلامي د. باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت
عملية طوفان الأقصى ، كيفما تُفسَّر ، بسلبيّاتها وإيجابيّاتها ، قد فَضَحت أموراً كثيرةً على كُلِّ الأصعدة في العالَم ككُل ، وليس في فلسطين وغزًّة فقط ، لأنَّ هذه العملية ، لم تأت من معادلاتٍ ديبلوماسيّةٍ أو سياسيَّة ، ولم تكن وليدةَ أفكارٍ تعتمِد على المَحاور والدَوائر والسَّرائر ، ولم تكُن تعتمد قواعِد اللُّعبة أو الإشتباك ، وهي لم تندرِج في عمليات المٌراهنات على اليوم التالي ، ولا على تسوياتٍ وإتفاقاتٍ للتموضُع ، أو إيجاد الدور اللازم للّعب على مسرحِ خارطة الطريق ، وهي بالتالي ، لم تكن مطلقاً بالحِسبان في مُخطَّطات رسمِ الحدود ، ورسم الدوائر التي تتوزع كانتوناتٍ مذهبيةٍ وطائفيَّةٍ وعنصريّةٍ بالشرق الأوسط الجديد ، وتسوياتِ المنطقة على أساسِ التطبيع الجزئي أو الشامل ، تحت مسَمَّيات السَّلام العادل والشامل ، والأرض مقابل السلام ، كما كانت لعبة : (تعا تفرج ياسلام) …
بالفعل : فإن ما بعدَ طوفان الأقصى ، ليس كما قبلها ، لأن لغة العلاقاتِ الدَّولية قد تبدلت ، وحتى لغة العلاقات الإقليمية قد تغيَّرت ، وأن لغَة الحِوار والمَحاور المحليَّة قد تحوَّرت ، وبات الجميع في حِيرةٍ من أمرِهم ، بكيفيَّة بناء أسُسٍ جديدةٍ في التعامُل والتبادُل والتخاذُل ، إذ أن المستور قد كُشف، وأنَّ كلٍ من هؤلاء قد بانت نواياه وقضاياه وثناياه ، وأنَّ كلِّ الوجوه والكلمات والمواقف والتصاريح ، التي كانت تأخذ دور الحَملِ الوديع ، قد بيَّنت الأنياب والمخالب المستترة ، وأنَّ من كان يأخذُ دورَ الغَضنفَر والسبع المَهيب ، والعنترة في المواجهة ، والصدَّ والرًّدع وكل المفردات العنفوانِيَّة الصَّلبة ، قد أزِيل خِدرُها ورُفِع الغِطاء عنها ، ليتمخَّض الجبلُ ويُولِّد الفأر ، ويًخلُد في جِحره …
التهويلاتُ والعنتَريَّاتُ والتهدِيداتُ من أيِّ جِهةٍ أتت ، لم تكُن سوى سيناريُوهاتٍ قد كُتبَت ووُجدت لإتمام الصفقة الكبرى ، في تسوياتٍ لم تحدُث أخيراً ، إنما كانت على أشكالِ المُسلسَلات التلفزيونيَّة المُستدامة بحلقاتِ الأحداث ، ولكلِّ حدثٍ قضيّةٍ وموضوع ، لتصبٌَ جميعُها في غايَةِ المنتِج والمُخرِج الذي يستلِب النفوس ، ويجعلها تجاري الأهداف المرحليَّة من كل حلقة ، وصولاً إلى الغايةِ الكبرى للتسلِيم والخُنوع بالرُّؤيا ، والإتِّجاه المحدَّد سلفاً للمسلسل ، مع الربح المعنوي بالسيطرة ، والربح المادي بالمتاجرة ، وتكون الغايَة الكبرى قد تحققت من كل جوانبها ، في إمتلاك السٌُلطة والمال …
تفسير كل هذا ، جاء مع عملية طوفان الأقصى ، التي أزاحَت السِّتار فجأةً ، ليرى الرأي العام العالمِيُّ والمَحليٌُ ، كيف كان اللاعبون على مسرح الأحداث ، بما يُنظِمون ويُخطٌِطون للأدوار المسرحِيَّة خلف الستار والكواليس ، وكيف كانوا يضحكون ويمرحون و في أخذ أدوارهم بين الظالم والمظلوم ، وبين القاهِر والمقهُور ، وبين الجبَّار والمجبور ، وبين مَلك الغابة والحَمل الوديع ، وهم يعلمون جيداً ، أنَّ كلاً منهم ، يحفظ دورَه ليكتمِل المُسلسًل الواحد ، الذي يضمُّهم جميعاً في قالبٍ واحدٍ ، من العمل والتعامل في الحلقات والفصول والمشاهد ،التي تجسِّدُ فكرة المُسلسًل المسرحي ، والذي أُريد به أن ينطلي على المُشاهد ، حيث يمثل هو الرأي العام العالمي ، الذي إنكَشَفت الستارةُ أمامَه فجأةً ، وفي غير موعد الإفتتاح ، الذي تسبَّبت بها عملية طوفان الأقصى …
هذه المسرحية بعنوان : (القضية الفلسطينيَّة )، التي بدأت فكرتُها من تآمر الصهيونيَّة الدولية ، على إقامَةِ الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين ، والتي إخترعت لها إسم أرضُ الميعاد ، وبناءُ الهيكل ، وسيادَة مملكَة داوود ، ويَهوذا والسَّامرة ، وإسرائيل من الفرات إلى النيل …إلخ ، كما إخترعت لها أبطالَ المسرحيَّة من اليهود المُستقدَمِين إلى الأرض المقدَّسة ، وأصحاب القداسَة من العربان ، الذين نصٌَبوهم على المناصب والمراكز ، والتي تخدم أدوار المسرحيَّة المتسلسلة ، في جولات السِّلم والحرب ، وما يتبعها من إتفاقاتٍ وتسوياتٍ للهدنة أو الإستِنزاف ، وتمرِير الوقت ، وتسوِيف الأمور في محطات الخيانة والعمالة ، حتى تكتمل الفصول والمشاهد ، مع نمورٍ من ورق ، وأبطالٍ من كرتون ، لتُغرِي المشاهدين بلعب أدوار الأبطال الأصيلين ، الذين كانوا حقاً من دُعاة الوِحدة ، حيث حرَّروا هذه البلاد من المستبدين الظالمين ….
ستُلامِس عملية طوفان الأقصى ، ورَدُّ الفعل عليها بحرب غزة ، مدَّة السٌَنةِ الكامِلة ، من الجُنُون والفتُون بعمليات القصف والتدمير ، والقتل والتشريد والتهجير ، كما التصفيات الفردية ، والإبادة الجماعية ، التي لم توفِّر الأطفال والنِساء والشيُوخ العزَّل ، في المدارس والمساجد والكنائس ، ودور الأيتام ومخيَّمات الإيواء ، كما لم تترُكْ ولم تتجنب أيٌِ فئةٍ إنسانيّةّ وإعلاميةٍ وخدماتيّةٍ وصحِّيَّة ورسميَّة ، إلا وطالتها أيادي الشرُور الحاقِدة بألوانٍ شيطانية جاحِدة ، تظهَر بأقوالهِم قبل أفعالهِم ، وهم يتشدَّقون بتحرِير العالم من الإرهاب ، والقضاء على الإرهابيبن ، دونما المسَّ بمحارِقَ الهولوكُست المزعومة ، حتى يكتمِل المُسَلسَل الدَّمويّ ، وتحقيق الغاية بأيٌَة وسِيلة ….
*يتساءَل العدِيد ممن صدَّق مقولاتِ الحرِّيات العامَّة ، وحقَّ الشُّعوبِ بتقرير مصِيرها ، وشعاراتِ مبادئ حقوقِ الإنسان ، والديمُوقراطيَّة لحياةٍ حُرَّةٍ كريمة ،
- كيف سكَت العالَم المسمُّى الحرُّ المتًمدِّن والمتحضِّر للهيمنة الشامِلة على الكُرة الأرضيّة بجميع مقوِّماتها ومعالِمها ؟؟؟؟
- – كيف يساهِم ويساعِد على الحرب الشعواء والعبثية ، بكل المبادئ والمُثُل والقِيم و وحتى أبسَطِ ما يكون للعيش بأمن وأمان وسلام ؟؟؟؟ ،
- – وكيف هم يرضَخون لعنجهيّة (نتن يا هو) ولا يضعون له الحدَّ من التمادي بإجرامِه الحربي ، الذي يستخدِم به كل الأساليب الشيطانية الماكرة، والغَدر الموصُوف بالقتل الإغتيالي والإستخباراتي ، ليطال كلَّ المناطِق والبلادِ المُمانعة بوحدَة السَّاحات ، وكأنَّ التصفِيات للقيادات ، حقٌّ موصُوفٌ بماركَةٍ مسجلَّةٍ لحكوُمَة إسرائيل فقط ، إذ أنّ دعواتِ الرَّد على مستوى الجريمة ، يهرَعُ له كل اللاعبين بأدوار السلام المزعوم ، لأجل إكتمال المُسلسَل بتسوياتِ التمكِين على الأرض والعرض …
*الفوران الكبير لعمليَّات الإغتيال ، والتصرِيحات المُتنوِّعة بوعودِ الرَّدِ المُضاد ، على التمَادي بإصطِيادِ القادَة والمسؤولين وتصفيتِهم بإمعَان ، وإطلاق شعارِ قواعدَ الإشتِباك ، لتنحصِر اللٌّعبة ضمن المسلسَل ، ولا تتخطى الخُطوط الحُمر من حربِ السَّاحات المفتُوحة ، والردُود المَمنُوحة ، وبإنتظار الأجوبة وتمادي الحربِ النفسِيَّة بالتعبِئة والتجييش ، لتشهد النفُوس الصٌُعداء ، وتمرِير الوقت لمكتَسباتٍ جانبيَّة ، تَستخدِم بارومًتر الأحداث بين الثلج والنار و في مفاوضاتٍ معروفةِ النتائج النووية ، ولمكتسباتٍ رعوية ، تُسدَى لهم كهدِيّة ، على إنجاح المسرحية ، والتسوية بالمنطقَة العربيَّة ، على غرارِ المخططات الصهيونيَّة ، التي لا تأبَه لوعودِ الردُود ، ولا تتأهَّب لرَدع اليَهود ، وتنصرِف عن اليَوم المَوعُود ، كترَاجُعِ المُرتْد عن الرَّد …