كرامي في الذكرى السابعة والثلاثين لاستشهاد رشيد كرامي
:لقد ادرك الرشيد ان لبنان هو وطنُ الحوار ونحنُ نعبرُ في هذه المرحلة مفترقات حافلة بالازمات ولا يوجد ايُ افقٍ لتجاوز هذه الازمات بغير الحوار سواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية او لاعادة انتظام العمل السياسي والدستوري لبلدنا
- لن تضيعَ الدِماء لا دِماءُ الفلسطينيين ولا دماء اللبنانيين ولا دِماءُ الرشيد
وجه رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي كلمة بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي، من مكتبه في طرابلس قال فيها :”بسم الله الرحمن الرحيم
إنه زمنُ البشائر أيّها الرشيد.
أيّها اللبنانيون،
في ذكرى استشهاد رشيد كرامي هذا العام، الفرحُ يغلُبُ الحُزنَ، والعزّةُ تغلُبُ الهوانة، والأملُ يغلُبُ الخيبات وفلسطينُ تحمِلُ دمها على الأكُفِّ وتقولُ للعالمِ أجمَع نحنُ الشعبُ الذي لا ينكسر، ونحنُ الوطنُ الراجِعُ الى أهلِه، ونحنُ المُقدّساتِ التي نفديها بالأرواحِ والارزاق، ونحنُ شعبَ الجبّارين.
لكم أيّها الأحبّة في لبنان وفلسطين والعالم العربيّ، أن تتخيّلوا معي الآن وقعَ هذه اللحظة التاريخيّة على شهيدِنا الكبير رشيد كرامي، الذي بذلَ دمهُ من أجلِ وحدةِ لبنان وعروبَة لبنان.
لكم أن تتخيّلوا فرحَ الرشيد برِهانهِ المُطلق على أنّ ما أُخِذَ بالقوّة لا يُستردّ بغيرِ القوّة، وبأنّ القضيّةَ الفلسطينية ومهما جارَ الزمان ومهما طالَ الإنتظار ستبقى قضيّةَ العرب المركزيّة، وأنّ لا قيامة لهذه الأمّة من كبواتِ القرنِ العشرين سوى بتحقيقِ الإنجاز الأكبر والأهمّ في مُقاومةِ الكيان الصهيونيّ الغاصِب واستعادةِ الحقوق والكرامات، وبأنّ انتصاراتِنا كأُمّة عربيّة في فلسطين هي الممرُّ التاريخيّ والحتميّ لكي نُنجزَ الإنتظار المنشود في النهوضِ العربيِّ الكبير.
ورغمَ الجراح، ورُغم الدِماء ورُغمَ الدمار، فإنَّنا اليوم نستذكِرُ الرشيد وشهادةَ الرشيد، والإيمانُ اليقينيّ القاطَع يملأُ القلوبَ والعقول، بأنَّ الشعبَ الفلسطينيّ والقضيّة الفلسطينيّة كفيلان بترميم ما انتابَ العروبةَ من تصدُّعات، وبأنَّ افتضاحَ الكيان الصهيونيّ أمامَ شعوبِ الكرة الأرضيّة هو مُفترقٌ في تاريخِ الصراع بيننا وبينَ هذا الكيانَ السرطانيّ الهجين.
نعم، الدماءُ الذكيّة جُبِلت بتُرابِ الأرضِ الطاهِرة.
نعم، التضحِياتُ أكبرُ مِن أن يتصوَرُها عقلٌ بشريّ.
نعم، لقد أثبتنا أنَّ الأرضَ والحُريّة والكرامة والحقّ كُلُّها تُشترى بالدِماء، ونحنُ المُشترون بكلِّ رِضى وإيمانٍ واقتناع، ولن تضيعَ الدِماء، لا دِماءُ الفلسطينيين ولا دماء اللبنانيين ولا دِماءُ الرشيد.
وقد يقولُ البعض أنَّ العاطِفة غلَبتني، ولكنّي أقول وما الضيرُ في ذلك؟ أوَليستِ العاطِفة عقلَ العُقلاءِ الصادِق؟
وقد يقولُ البعض أنَّ لبنان المُنهار أصلاً كدولةٍ ومؤسسات مُهدّدٌ بشكلٍ فعليٍّ بسببِ حرب غزّة، أي بسبب الجبهة المفتوحة في الجنوب إسناداً ودعماً وتضامُناً مع الشعب الفلسطيني.
وأنا أقولُ لهم أنَّ لبنان يؤدّي أبسَطَ واجباتهِ تجاهَ أعداءِ الأُمّة، وبأنَّ التهديد قائمٌ فعلاً ولكنّهُ تهديدٌ لدولةِ الاحتلال وليس للبنان، والكلمة الفصل للأيامِ المُقبلة في حال قرّر الجنونُ الصهيوني أن يخوض حرباً شامِلة مع لبنان، وهناك ستجدوننا صفاً واحداً في مواجهة اي اعتداء او اي عدوان اسرائيلي على لبنان.
أمّا انهيار الدولة والمؤسسات في وطنِنا فهو حقيقيّ، ونحنُ بعد سبعة وثلاثون سنة على استشهادِ الرشيد، لا يسعُنا سوى أن نُدرك كم نحنُ بحاجةٍ لنهج ومدرسة وقامة رشيد كرامي الذي كان وبقي حتى اللحظة دولةَ الرمز ورمزَ الدولة، وربما من المفيد ان اذكّر اللبنانيين ايضاً ولا سيما الاجيال الجديدة بأن رشيد كرامي بالشراكة الكاملة مع الرئيس الراحل فؤاد شهاب وضعا خلال ست سنوات المداميك الحقيقية لبناء دولة المؤسسات، وان كل المؤسسات تقريباً بدءاً من البنك المركزي مروراً بالمؤسسات الرقابية والصحية والاجتماعية والتعليمية وصولاً الى المؤسسات الضامنة للعدالة الاجتماعية تحمل توقيع الرشيد.
ومن ضمن هذه المؤسسات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والذي ندرك جميعاً اهميته لقطاع هائل من الموظفين يتجاوز عددهم اليوم ٥٠٠ الف موظف.
وحفاظاً على هذه المؤسسة الضامنة، ووفاءً والتزاماً بنهج الرشيد، تقدمت باقتراح قانون الى المجلس النيابي يهدف الى تعديل المادة ٥١ من قانون الضمان بحيث نحفظ لهذه الفئة المذكورة حقوقهم بشكل عادل ويرضي كل الاطراف، اي الهيئات الاقتصادية والقطاع الخاص، والاتحاد العمالي العام، وصندوق الضمان الاجتماعي والدولة اللبنانية، واتمنى ان يُطرح هذا الاقتراح بأقرب جلسة تشريعية وان يتم اقراره من الهيئة العامة للمجلس النيابي.
وبكل الاحوال، من واجبنا ان نطلع الجميع على المضمون التفصيلي لاقتراح القانون في وقت قريب باذن الله.
ولا يجب ان ينسى اللبنانيين أيضاً بأنَّ رشيد كرامي استمرَّ حتّى اللحظة الأخيرة من حياتِه يدعو الى الحوار ويُحاول إقناع كلّ الأطراف بأنَّ لبنان لا يُصان يغيرِ الحوار، وبأنّنا مهمَا اختلفنا ومهمَا تقاتلنا وتذابحنا، فإنَّ لا خلاصَ لنا بغيرِ الحوار ولو دامَ هذا الحوار مئةَ عام.
لقد ادرك الرشيد منذ البداية ان لبنان هو وطنُ الحوار، ونحنُ نعبرُ في هذه المرحلة مفترقات حافلة بالازمات، ولا يوجد ايُ افقٍ لتجاوز هذه الازمات بغير الحوار سواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية او لاعادة انتظام العمل السياسي والدستوري لبلدنا، وفوق ذلك نحن بحاجة ماسّة الى الحوار في ظل العاصفة التي تهبّ على الشرق الاوسط، فبالحوار وحده نصل الى الحدّ الادنى من الوحدة الوطنية التي تحفظ وجود لبنان واستقلالِه وسيادتِه وتركيبته الفريدة.
واني استغرب من هؤلاء الذين يعاندون ويرفضون الذهاب الى حوار عاجل وشامل، ويسوقون أسباباً ومبررات تبطن رهانات خطيرة!
الا يدرون انَ رفضَ الحوار هو رفضٌ للجوهر الميثاقي الذي يجمع اللبنانيين؟
بل الا يدرون انهم يقامرون في تعريض بلدنا الهشّ والمأزوم لخطرٍ وجوديّ؟
انها اسئلة برسم الشعب اللبناني لأننا جميعاً سوف نُساءَل يوماً ما امام الشعب والتاريخ.
أيّها الرشيد، يا شهيدَ لبنان كلّ لبنان، دمُكَ باقٍ أمانةً في أعناقِنا، ولم نُسامِح ولن ننسى، مع التأكيد بأنّنا طُلّابُ عدالة ولسنا طُلّابَ انتِقام، وبأنَّ المقتول من أجلِ وِحدةِ لبنان أقوى من القاتِل من أجلِ تقسيمِ لبنان، وما نسمعهُ في السنوات الأخيرة من تدليسٍ وتلفيقات حول جريمةِ الاغتيال لا قيمةَ لهُ، لأنَّ براءةَ من يطلُبُ البراءة تكونُ في القضاء وليس في أيِّ مكانٍ آخر.
أيُها الرشيد كم كانَ بعيدَ النظر من قال غداةَ استشهادِكَ أنَّ “رشيد كرامي لم يترُك فراغاً في الدولة، إنّما تركَ فراغاً في الوطن.”
ويا شهيدي الكبير، أُكرّرُ ما بدأتُ بهِ، بأنّهُ زمنُ البشائر وبأنَّ الأُمّة التي رمّمت وحدتها حول القضية المركزية لهذه الامّة هي في أفضلِ أحوالِها، وبأنّنا على الطريقِ الى فلسطين الدولة وعاصمتها القدس بإذنِ الله، وبأنَّ لبنان باقٍ تحميهِ دماءُ وسواعدُ ونِضالاتُ المؤمنين به وتصونه هويته العربية واحتضانُ ومحبة الاشقاء العرب له.
والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته”.