عربي

“دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية” في قراءة حول:“المسار التاريخي لاستهداف الاونروا منذ التأسيس وحتى “طوفان الأقصى”

تصاعدت في الاونة الاخيرة الحملات والاتهامات الاسرائيلية تجاه وكالة الاونروا، كان آخرها، الادعاء بمشاركة 12 من موظفي الاونروا في عملية طوفان الاقصى، حسب ما قامت بادعائه حكومة الاحتلال وابلاغه شفهيا للمفوض العام للاونروا السيد فيليب لازاريني.
ورغم مسارعة المفوض العام للاونروا في 26-1-2024 باصدار قرار فصل هؤلاء الموظفين، بناء على مزاعم الاحتلال، واعلانه عن فتح تحقيق في الموضوع من قبل الامم المتحدة، الا ان عددا من الدول (حوالي 19 دولة) وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بريطانيا، المانيا، كندا، استراليا، اليابان، ايطاليا، فنلندا، السويد، رومانيا، هولندا، فرنسا، نيوزيلاندا، سارعت الى اعلان تعليق مؤقت لمساعداتها وتمويلها الاضافي للاونروا وقبل معرفة نتائج التحقيق الاممي.
فيما سارعت العديد من الدول والمنظمات الدولية والاتحادات المحلية والدولية والفصائل الفلسطينية الى ادانة تلك القرارات، واستغربت قيام الاونروا بفصل موظفيها بناء على ادعاءات الاحتلال، وقبل صدور نتائج التحقيق. وتم اعتبار قرار التعليق بمثابة عقاب جماعي لعموم اللاجئين والاونروا، وقرار الفصل تعسفي ومتسرع لانه استبق نتائج التحقيق.
وتشكل مسارعة الولايات المتحدة لتأييد مزاعم الاحتلال تواطئا ودعما له في جرائمه وحربه على الشعب الفلسطيني، وهو امر غير مستغرب، خصوصا وأنه يأتي تتويجا لنهج امريكي تاريخي يتماهى مع الاحتلال، وكان اشد وضوحا منذ اليوم الاول لعملية طوفان الاقصى، عندما تبنت ادارة الرئيس بايدن كافة ادعاءات الاحتلال بقتل الرضع والحوامل واغتصاب النساء وغيرها من اكاذيب أثبتت الوقائع فيما بعد عدم صحتها.
وبالتالي يعتبر التواطؤ الأميركي مع مزاعم الاحتلال تجاه وكالة الاونروا امتداداً لسياقٍ تاريخيٍ طويلٍ، لم تأل فيه الولايات المتحدة جهداً لتقويض عمل الاونروا، وإنهائها كلياً، في اندماجٍ كاملٍ مع خطاب الاحتلال وأهدافه، التي يسعى فيها إلى القضاء الكامل على وكالة الاونروا، أو على الأقل تغيير دورها وطبيعتها بما يتماشى مع مخططاته وأهدافه الأخرى.

في تأسيس وكالة الاونروا
تأُسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، في 8/12/1949، بهدف تقديم الإغاثة المباشرة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. واستند قرار التأسيس إلى التقرير الصادر عن بعثة الأمم المتحدة المكلفة بإجراء مسحٍ اقتصادي للشرق الأوسط، وإلى تقرير الأمين العام الخاص بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. ومنذ اللحظة الاولى كان هناك تقدير بأن ولايتها لن تطول كثيراً، ربما بضع سنوات لا أكثر، لكن ونتيجة غياب حل عادلٍ وشامل للقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها قضية اللاجئين الفلسطينيين، كان لا بد من تجديد ولاية الاونروا عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد القرار الأممي رقم 302 في المادة (5) منه على أنه “من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948″، وهو ما يؤكد على أن تأسيس وكالة الاونروا ودورها لا يتعارض إطلاقا مع حق العودة والتعويض، اللذين عبر عنهما القرار 194، بل يرتبط ارتباطا وثيقا باستمرارها ربطا بالقرار الدولي رقم 194.

دور وكالة الأونروا
باشرت الاونروا مهامها تجاه اللاجئين الفلسطينيين في أيار 1950، وشملت عملياتها في ذلك الوقت 750 ألف لاجئ فلسطيني فقط، وعلى ضوء عدم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، نتيجة زيادة أعداد اللاجئين بعد نكسة 1967، وتبعات امتناع الاحتلال عن تنفيذ القرارات الدولية المعنية بالقضية الفلسطينية، استمرت الحاجة إلى دور الاونروا واستمرارها إلى يومنا هذا، إذ أصبحت تقدم خدماتها لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني، مسجلين في سجلاتها في مختلف مناطق عملها التي تشمل الأردن ولبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة عام 1967.
لكن ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا في المناطق التي سيطر عليها الاحتلال الاسرائيلي عام 1948، فقد استمرت الاونروا في تقديم خدماتها لهم منذ نشأتها حتى تموز 1952. بعد ذلك تحمل الاحتلال مسؤولياته الخدماتية تجاههم، ثم منحهم الجنسية الإسرائيلية، لكن ورغم منحهم الجنسية، لم يسمح الاحتلال لهم بالعودة إلى بيوتهم وأراضيهم الأصلية.
تشمل خدمات الاونروا التعليم والرعاية الصحية والإغاثة، والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي، والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة وغيرها من الخدمات الهامة. كما تؤكد القرارات على امتداد عمل الاونروا استمرارها حتى بعد عودة اللاجئين وهي في نص قرار انشائها “تسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، وتعويضهم”، وهي المهمة الأصلية، التي استمرت بعد إنشائها.

في خلفيات الاستهداف الاسرائيلي والأميركي
يعود إصرار الاحتلال الاسرائيلي وداعمه الأميركي على استهداف الاونروا، والسعي إلى تقويضها كلياً، أو تغيير طبيعتها ودورها بالحد الأدنى إلى أسبابٍ عديدةٍ أهمها:
وكالة أممية: تأسست الوكالة بناء على قرارٍ أممي، وتجدد الجمعية العامة للأمم المتحدة ولايتها دورياً، غالبا كل ثلاث سنوات، لذا فهي وكالة أممية تعيد تذكير دول العالم بالمأساة الفلسطينية، وبحجم الظلم المرتكب بحق شعب فلسطين، وبمسؤولية الاحتلال عنهما.
التنصل من تطبيق القرار 194: يسعى الاحتلال الاسرائيلي إلى التنصل من تطبيق القرارات الدولية المعنية بحقوق شعب فلسطين الأصلي، وفي مقدمتها القرار 194، الذي ينص صراحة على “وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم”. إذ يساهم تقويض الاونروا في تلاعب الاحتلال بتعريف اللاجئ الفلسطيني، استناداً إلى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين 1951، بدلا من اعتماد تعريف الاونروا للاجئ الفلسطيني. حيث يريد الاحتلال تعريف اللاجئ الفلسطيني استناداً إلى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين 1951، بدلا من تعريف الاونروا.
ما هو تعريف الاونروا للاجىء: تعرّف وكالة الاونروا اللاجئين الفلسطينيين بـ”هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948… إن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمتحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضا للتسجيل لدى الاونروا، أي شمل تعريف الاونروا للاجئ الفلسطيني أبناء اللاجئين والمتحدرين من أصلابهم.
كما لا يستثني تعريف الوكالة للاجئ الفلسطيني، اللاجئين الحاصلين على جنسيةٍ أخرى، ما يعني الحفاظ على حق العودة وفق القرار 194. هذا ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق سجلات الاونروا حتى كانون أول 2020 حوالي 6.4 ملايين لاجئ فلسطيني.
أما ميثاق اللاجئين 1951 : فإنه يحرم اللاجئ من توريث وضعه القانوني وحقوقه لنسله، وفي مقدمتها حقهم في العودة والتعويض من بعده، كذلك تنتفي صفة اللجوء وفق هذا الميثاق في حال حصول اللاجئ على جنسية دولة أخرى، وأصبح يتمتع بحمايتها، وبالتالي يفقد حقه في العودة والتعويض في هذه الحالة.
وتجدر الإشارة هنا إلى الفقرة د (1) من ميثاق 1951، التي تمنع أي تعارض بين تعريف الاونروا للاجئين الفلسطينيين، وبين تعريف ميثاق 1951، إذ نصت الفقرة على “لا تشمل هذه الاتفاقية الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”. وعليه يدعي الاحتلال أن مجمل لاجئي فلسطين الأحياء اليوم لا يتجاوز عددهم الـ 200 ألف لاجئٍ فلسطيني، وهو يسعى إلى حل الاونروا، أي إنهاء دورها ووجودها، كي ينهي معها تعريف الوكالة للاجئ الفلسطيني، عبر استبداله بتعريف ميثاق 1951 المجحف بحق اللاجئين عموماً. لذلك هو يرفض
الإقرار بالأرقام التي تقدمها الاونروا.
الكيانية/الهوية الفلسطينية: تمثّل وكالة الاونروا إطاراً مؤسسياً جامعاً لشريحةٍ واسعة من الفلسطينيين، إذ تقدم خدماتها لمجمل المخيمات داخل فلسطين وخارجها، الأمر الذي ساهم في حفظ الهوية الفلسطينية وتكريسها خصوصاً في مخيمات اللجوء داخل الدول المستضيفة، التي راهن الاحتلال وداعموه على تماهي اللاجئين فيها واندماجهم مع المجتمعات المضيفة، وخسارتهم لهويتهم الوطنية الجامعة.
ولا تمثّل الاونروا العامل الرئيسي لنجاح لاجئي الشتات الفلسطيني في الحفاظ على هويتهم الوطنية، وعلى بنيةٍ وطنية واجتماعية فلسطينية، إذ ينسب هذا الفضل إلى عوامل ذاتية وموضوعية أخرى، وأهمها استمرار حالة اللجوء وزخم الحياة الوطنية بفعل حضور فصائل العمل الوطني وغيرها من الأسباب.. وعلى الرغم من ذلك، حمل الاحتلال الصهيوني الاونروا مسؤولية نجاح الفلسطينيين، وخصوصاً لاجئي الشتات، في الحفاظ على هويتهم الوطنية، بل وربما تعزيزها رغم طول مدة غيابهم عن وطنهم فلسطين، نتيجة تهجيرهم قسراً منه منذ نكبة عام 1948 على يد قوات الاحتلال الاسرئيلي وعصاباته المجرمة.
حفظ الذاكرة الفلسطينية: ساهمت وكالة الاونروا في حفظ الذاكرة الوطنية الفلسطينية، تحديداً ذاكرة النكبة وما تبعها من جرائم الاحتلال الاسرائيلي، ومن مأساة الفلسطينيين المستمرة حتى اليوم، وهو ما يعتبره الاحتلال تهديداً وجودياً له، لاعتبارها جامعاً وطنياً، يحرض الفلسطينيين على استعادة حقوقهم المغتصبة منذ النكبة.
التأكيد على الحقوق الفلسطينية: يساهم تكوين وكالة الأونروا القانوني، ومنظومتها التعليمية، ودورها الاجتماعي في التأكيد على جملةٍ من الحقوق الفلسطينية المشروعة، من حق العودة، إلى حق تقرير المصير، مروراً بالحق في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. الأمر الذي يجده الاحتلال تهديداً له، كون الاحتلال في طبيعته الإحلالية والكولونيالية، قائما على تكريس إلغاء حقوق شعب فلسطين الأصلي.

تاريخٌ طويل في استهداف الأونروا
أولاً: محطات اسرائيلية تستهدف وكالة الاونروا
استند موقف الاحتلال الاسرائيلي منذ بداياته الأولى من قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مبدأين اثنين هما:
عدم الإقرار بمسؤولية الاحتلال عن تهجير اللاجئين الفلسطينيين. ورفض عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها منذ النكبة. وأرفقت حكومة الاحتلال في مضمون رسالتها الموجهة إلى هيئة التوفيق الأممية في 2 آب 1949 إحاطة وزير خارجيتها موشيه شاريت، التي قدمها للكنيست، والتي تنص على أنه “يجب حل قضية اللاجئين العرب، ليس من خلال عودتهم إلى إسرائيل، لكن من خلال توطينهم في دول أخرى”.
وفي السياق يحمّل الاحتلال الاونروا مسؤولية نجاح الفلسطينيين، وخصوصاً لاجئي الشتات، في الحفاظ على هويتهم الوطنية: –
في 17 آب 2018؛ أعلن رئيس بلدية القدس المحتلة نير بركات عن عزمه إزالة مؤسسات الاونروا من القدس الشرقية لأنها “منظمة سياسية” و”مدارسها تعلم الإرهاب” و”حق العودة غير قائم”. كما طالب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في 11 حزيران 2019 بتفكيك الاونروا، وإنهاء دورها تجاه اللاجئين الفلسطينيين. وقال ممثّل الاحتلال الاسرائيلي، داني دانون، لدى الأمم المتحدة في 31 تشرين أول 2019، وفق ما نقلت عنه صحيفة “إسرائيل اليوم”: “سنستخدم كل الوسائل الممكنة حتى يتم إنهاء عمل الاونروا”. واتهم دانون الاونروا بأنها توظف أموال الدعم الدولي في تسويق الرواية الفلسطينية بهدف المسّ بإسرائيل ومكانتها الدولية. وأوضحت الصحيفة أن ممثلي الاحتلال والولايات المتحدة سيطالبون بأن يتم تجديد تفويض المنظمة مرة كل عام وليس كل 3 سنوات، إلى جانب المطالبة بزيادة مستوى الشفافية، بحيث تلزم بتقديم تقارير تفصيلية حول طابع أنشطتها، وذلك في معرض اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، المعني بتجديد ولاية الاونروا.

ثانياً: وكالة الأونروا والولايات المتحدة الامريكية
مرّ الموقف الأميركي من وكالة الاونروا بأربع محطاتٍ رئيسية، عكست كلٌ منها الرؤية الأميركية لدور الوكالة في خدمة المخططات الأميركية والاسرائيلية. في الوقت ذاته، اتسمت المراحل الأربع برفضٍ أميركيٍ واضحٍ لتطبيق القرار الأممي رقم 194، وهو ما تكرسه مشاريع أميركية عديدة سعت وتسعى إلى فرض حلولٍ اقتصادية وسياسية أخرى.

المرحلة الأولى: توظيف الوكالة في توطين اللاجئين في دول اللجوء (1949- 1967):
مشروع جوردن كلاب 1949:
بدأت المحاولات الأميركية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وقضية لاجئيها قبل تأسيس وكالة الاونروا، إذ سعت أميركا إلى فرض رؤيةٍ اقتصاديةٍ لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، بدلاً من التعامل معها كقضية سياسية تضمن الحقوق الوطنية الاساسية للشعب الفلسطيني.
ترأست الولايات المتّحدة “لجنة التوفيق الدولية الخاصة بفلسطين” في النصف الثاني من عام 1949، ثم عينت في آب 1949 جوردن كلاب رئيساً للجنة المسح الاقتصادي. توصل كلاب إلى أن تطوير مشروع وادي الأردن؛ على غرار مشروع وادي تينيسي الأميركي، قد يسهل من عملية توطين معظم اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية حينها، الأمر الذي سوف يقلل من فرص عودتهم إلى بلداتهم ومدنهم المحتلة عام 1948، إذ تضمن مشروع وادي الأردن تطوير مشاريع ضخمة قادرة على استيعاب أعدادا كبيرة من اللاجئين. وقد اتسمت كل مراحل التعامل الأميركي مع الاونروا برفضٍ واضحٍ لتطبيق القرار الأممي 194.
أوصى كلاب في تقريره المقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من تشرين الثاني 1949 بأن تتبنى الاونروا مشاريع إنتاجية، وبرامج تأهيل حرفية ومهنية، تسعى إلى جعل اللاجئ الفلسطيني يعتمد على ذاته، بدلا من الاعتماد على المساعدات الدولية. وقد تبنت الجمعية العامة مشروع كلاب في كانون أول 1950، وأسس صندوق دولي لدمج اللاجئين الفلسطينيين، وقد ساهمت الولايات المتحدة بنحو 70 في المائة منه.
لكن سرعان ما فشل مشروع كلاب بسبب نقص الأموال، وفق تقرير مفوض عام الاونروا لعام 1951، وبذلك فشلت أولى المحاولات الأميركية في خلق بيئة اقتصادية واجتماعية بديلة للفلسطينيين في الدول المضيفة، تساهم في استبدال لحل القضية الفلسطينية اقتصاديا قائمٍ على فكرة التوطين في الدول المستضيفة، يتبعها إنهاء الاونروا وتفكيكها، بالحل السياسي القائم على حق العودة.

مشروع ماك غي 1949
في 3 آذار 1949 قدمت وزارة الخارجية الأميركية مشروعها لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، المعروف بمشروع ماك غي. ارتكز المشروع على إعادة ربع اللاجئين الفلسطينيين إلى مناطقهم السابقة، مقابل توطين بقيتهم في الدول العربية (العراق وسورية) والضفة الغربية وقطاع غزة. وبحسب المشروع، يشرف على عملية التوطين وكالة تنشأ لهذا الغرض، تديرها وتمولها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. تعمل هذه الوكالة على تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، عبر إقامة مشاريع اقتصادية تنموية ومعونات مالية وتقنية في الدول الراغبة في توطين اللاجئين. لكن فشل المشروع نتيجة رفضه من قبل الدول العربية لتعارضه مع القرار 194.

مشروع بلاند فورد 1951
تم تعيين الأميركي جون بلاند فورد مفوضاً عاماً لـلأونروا في الفترة الممتدة بين 1951- 1953. في هذه المرحلة قدّم فورد مشروعه القائم على تأسيس برنامج شامل للتنمية ولتوطين اللاجئين الفلسطينيين، عبر نقلهم من مناطق ذات كثافة سكانية عالية صغيرة في المساحة، إلى مناطق تسمح ظروفها الطبيعية والديمغرافية بتطبيق برامج اقتصادية تنموية تستوعب اللاجئين الفلسطينيين ويندمجون فيها.
في هذا المشروع، سعى فورد إلى نقل قرابة مليون لاجئ فلسطيني من لبنان إلى مصر والعراق، حيث يقيمون في منازل جديدة بنيت خصيصاً لهم، ومن ثم يدمجون في الاقتصاد المحلي. لتحقيق ذلك، ثم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 393 في 2 كانون أول 1950، القاضي بإنشاء صندوق دولي بقيمة 30 مليون دولار لإعادة دمج اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم.
عرض فورد المشروع على جامعة الدول العربية، حيث حظي المشروع بدعمٍ نسبيٍ منها، على اعتباره سينقذ الكثير من اللاجئين من أوضاعهم الراهنة. استناداً إلى الموقف العربي الداعم جزئيا، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة المشروع في دورتها السادسة.
لكن ما لبث ايضا أن فشل المشروع نتيجة مظاهرات اللاجئين الفلسطينيين الاحتجاجية في كل من الأردن ولبنان وقطاع غزة، إذ اعتبر اللاجئون الفلسطينيون أن مشروع فورد سيؤدي في النهاية إلى توطينهم وإلغاء حقّهم في العودة إلى وطنهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع الدول العربية عن قبول المشروع ثم فشله وإلغائه.

مشروع الجزيرة السورية 1952
اقترح وفد سوريا في لجنة التوفيق على أحد أعضاء الوفد الفرنسي في 9 أيار 1949، توطين ربع مليون لاجئ فلسطيني في منطقة الجزيرة شمال سوريا، وعقد اتفاق سلام منفصل مع الاحتلال الاسرائيلي، مقابل منح سوريا مساعدات دولية.
على خلفية ذلك، عقدت مفاوضاتٌ بين وكالة الاونروا والحكومتين الأميركية والسورية لمناقشة العرض السوري وتطبيقه، لكن وتحت ضغط الداخل السوري، اضطر الرئيس السوري في حينها أديب الشيشكلي للتراجع وتغيير موقفه من توطين اللاجئين الفلسطينيين، ووقف المفاوضات مع وكالة الاونروا والحكومة الأميركية بهذا الشأن.

مشروع الإنماء الموحد للمصادر المائية في غور الأردن 1953
اعتبر الرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور (1890- 1969) مشاريع الاستثمار المشتركة بين الدول العربية (خصوصاً الأردن) والاحتلال الاسرائيلي للموارد المائية، هي بوابة حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطينهم في الدول العربية، ودمجهم في المشاريع الاقتصادية الناشئة عن هذا الاستثمار.
كما تضمنت خطة أيزنهاور إعفاء الدول العربية من المساهمة في تكاليف هذه المشاريع وأعبائها المالية. لكن لم يحظى مشروع أيزنهاور بموافقة الأطراف المعنية به، وتحديداً موافقة الدول العربية التي اعتبرته بديلاً مرفوضا عن حق العودة.

مشروع دالاس 1955
عرض جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأميركي في الفترة الممتدة بين 1953- 1959، خطة مفصلة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطين الجزء الأكبر منهم في الدول العربية، وتسهيل هجرة جزء آخر إلى دولٍ أخرى، وعودة أعدادٍ محدودة منهم إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948، وتقديم تعويض مادي عن أملاك وأموال اللاجئين الفلسطينيين.
سعى دالاس عبر هذه الخطة إلى تجزئة القضية الفلسطينية إلى قضايا صغيرة عديدة، منها قضية المياه، وقضية اللاجئين، وقضية التنمية الإقليمية، على أن تتكفل الولايات المتحدة بتقديم دعمٍ مالي كبير لحل هذه القضايا، وفي مقدمتها قضية اللاجئين، منها تقديم قروض مالية كبيرة للاحتلال الاسرائيلي لمساعدته على تعويض اللاجئين ماديا، وبالتالي إنهاء قضيتهم.
رفض الاحتلال الاسرائيلي والدول العربية خطة دالاس. وقد رفضه الاحتلال لعدم تقديم أي تنازلٍ بشأن قضية اللاجئين، مقابل استعداده لمناقشة موضوع الحدود. في حين رفضت الدول العربية الخطة لتخوفها من أن يؤدي تنفيذ خطة مشروع دالاس إلى سطوة الاحتلال الاسرائيلي ونفوذه عليهم.
مشروع داغ همرشولد 1959
طلبت الولايات المتحدة في عام 1958 من الأمين الأمم المتحدة العام في حينه داغ همرشولد، مراجعة عمليات الاونروا وولايتها وتقديم الاقتراحات لاستبدالها بدلاً من تجديد ولايتها الدورية، بهدف نقل اللاجئ الفلسطيني من الاعتماد على المساعدات الدولية إلى الدعم الذاتي.
وفق همرشولد، فإن سبيل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين سياسيا يمر عبر تهيئة تنمية المنطقة اقتصادياً، على اعتبارها بوابة لدمج اللاجئين في المنطقة، الذي بدوره قد يهيئ الظروف السياسية الملائمة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سياسياً عبر توطينهم في دول المنطقة. وقد رفض كلٌ من اللاجئين الفلسطينيين وجامعة الدول العربية هذا المشروع، الأمر الذي أدى إلى فشله.

مشروع جونسون للسلام 1962
كلّف الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام في حينه جوزيف جونسون، بتقديم خطة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
خلص جونسون إلى تصورٍ قائمٍ على منح كل رب أسرة من أسر اللاجئين الفلسطينيين الحق في الاختيار بين العودة إلى موطنه القابع تحت الاحتلال الاسرائيلي، أو البقاء في المجتمع الذي يعيش فيه مع تلقيه تعويضا ماديا عن قيمة ممتلكاته، مضافا إليها الفوائد المستحقة عن الفترة الماضية، مع منح الاحتلال الحق في رفض عودة أي لاجئ فلسطينيٍ لدواعٍ أمنية يحددها الاحتلال ذاته. كما رأى جونسون تنفيذ المشروع على مراحل، وبإشراف مباشر من الأمم المتحدة، وبتمويل مالي أميركي، وبمساهمة مالية من الاحتلال الاسرائيلي والدول الغنية.
رفض الاحتلال الاسرائيلي والدول العربية مشروع جونسون، إذ اعتقد الاحتلال أنه يهدد أمن كيانه القومي، لما يتضمنه من أبعادٍ سياسية وديمغرافية. في حين اعتبرت الدول العربية المشروع عائقا محتملا أمام التنمية، إن قبلت أعدادا كبيرة من اللاجئين بالتعويضات، وبالتوطين في أماكن لجوئهم الحالية، إذ تعاني دول المنطقة التي تستضيف اللاجئين من محدودية مواردها، خصوصاً مصر والأردن.

المرحلة الثانية: مرحلة تراجع الاهتمام الأميركي (1967- 1992(
تراجع الاهتمام الأميركي بقضية اللاجئين الفلسطينيين بعد نكسة حزيران 1967، في مقابل اهتمامهم بإقامة كيان سياسيٍ فلسطينيٍ، خصوصاً بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد. في حين استمر الدعم المالي الأميركي لخدمات الاونروا بهدف المساهمة في إدامة استقرار اللاجئين الفلسطينيين سياسيا. إذ تركزت مجمل المبادرات الأميركية على طبيعة الكيان الفلسطيني المحتمل، وسعت إلى حل قضية اللاجئين عبر عودتهم إلى هذا الكيان، أو توطينهم في دول لجوئهم مع دفع تعويضات لهم، أو عبر توطينهم في بلد ثالث، نذكر من تلك المبادرات الأميركية:

مبادئ جونسون للسلام في الشرق الأوسط 1967
أعلن الرئيس الأميركي ليندون جونسون عام 1967 عن مبادئه لحل الصراع العربي الاسرائيلي، وفي مقدمته حل قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر عودتهم إلى منازلهم، أو إيجاد أماكن أخرى للعيش والعمل فيها، ولم تتطرق هذه المبادئ إلى موضوع الدولة الفلسطينية، بل ركزت على حقّ الاحتلال في حفظ أمنه وبقائه واستمراره فقط.

وثيقة ساوندرز 1975
في 12 تشرين ثاني 1975 أعد نائب وزير الخارجية الأميركية حينها، هارولد ساوندرز، وثيقة سياسية بمثابة أساس تفاوضي لحل سلمي للصراع العربي الاسرائيلي.
اعتبرت الوثيقة أوّل إقرار أميركي بأن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع العربي الاسرائيلي، ما يتطلب إيجاد حل عادل لها استناداً للقرار الدولي 242، بشرط اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية دولة الاحتلال، والتخلي عن الكفاح المسلح، في حين غاب طرح أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين في الوثيقة.

مشروع كارتر للسلام في الشرق الأوسط 1977
عرض الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر رؤيته للسلام في الشرق الأوسط في معرض خطاب ألقاه في 16 آذار 1976. استندت رؤية كارتر للسلام على ثلاثة شروط، هي: انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، وتعويض اللاجئين الفلسطينيين من دون عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها عام 1948، وإقامة كيان فلسطيني ترتبط درجة استقلاله وحدوده الجغرافية باتفاق الأطراف المعنية.

مشروع ريغين للسلام 1982
لم يتضمن مشروع الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغين للسلام في الشرق الأوسط أي طرحٍ لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، فيما تضمن الإقرار بضرورة حل القضية الفلسطينية عبر إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

مبادرة بوش 1991
لم تقدم مبادرة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب أي حلٍ لقضية اللاجئين الفلسطينيين، في حين ركزت كسابقاتها على ضرورة الاعتراف بدولة الاحتلال،وحقها بالأمن والسلام والازدهار،مقابل الحاجة إلى سد الفجوة بين العرب والاحتلال، وبين الفلسطينيين والاحتلال عبر سلام شاملٍ يعتمد على قراري مجلس الأمن 242 و338 (من دون الإشارة إلى ضرورة تطبيقهما).

مؤتمر مدريد 1991
سعت الاستراتيجية الأميركية في مؤتمر مدريد إلى أن تؤدي المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية إلى إقامة حكمٍ ذاتيٍ فلسطينيٍ في المرحلة الأولى، على أن تتبعها مرحلةٌ ثانية يحدد التفاوض فيها وضع الضفة الغربية وقطاع غزة النهائي. في حين لم ينتج عن المؤتمر أي طروحات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، رغم تشكيل مجموعة عمل خاصة باللاجئين برئاسة كندا، لكن لم تخلص المجموعة إلى أي نتائج تذكر، باستثناء إقرارها بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ذات طابع سياسي بالأساس.

المرحلة الثالثة: توظيف الوكالة بعد توقيع اتفاق أوسلو (1992- 2016(
أعلنت وكالة الاونروا في 6 ت1 1993 عن برنامجها لما يسمى “تطبيق السلام”، بعد التشاور مع كبار المتبرعين واللجنة الاستشارية ومنظمة التحرير الفلسطينية. هدف البرنامج إلى تقديم الدعم الاقتصادي والاجتماعي للمرحلة الانتقالية من اتفاق إعلان المبادئ، من أجل تشجيع اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن على دعم مسار “التسوية” الفلسطينية الاسرائيلية.
رفعت الولايات المتحدة مساهمتها المالية المقدمة لبرنامج أونروا “تطبيق السلام” من نحو 600 ألف دولارٍ عام 1994 إلى أكثر من 9 ملايين دولار في عام 1995، ومن ثم إلى أكثر من 18 مليون دولار في عام 1997.
استهدفت الأموال الأميركية تنفيذ مشاريع بنية تحتية دائمة للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية تحديداً، في سياق الدعم الأميركي لمسار “التسوية السلمية” الفلسطينية الاسرائيلية، ومساهمة منها في إيجاد حلول بديلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطينهم في أماكن وجودهم وخصوصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعبر السماح بعودةٍ محدودة فقط.
ثم أعلنت وكالة الاونروا في 21 ك2 1995 عن وثيقة بعنوان “الاونروا والفترة الانتقالية: منظور خمس سنوات لدور الوكالة ومتطلباتها المالية”. تضمنت الوثيقة سعي الوكالة إلى إنهاء خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين منذ عام 1950 مستندة إلى أحد عاملين رئيسين: إما نتائج عملية السلام، أو عجز الوكالة المالي المستمر.

مفاوضات كامب ديفيد 2000
في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، تبنى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الموقف الاسرائيلي كاملاً، برفض تحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، مقابل تحميلها للجيوش العربية التي شاركت في حرب الإنقاذ عام 1948.
فعلى الرغم من الاعتراف الأميركي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، لكنها اعتبرت عودتهم بأعدادٍ كبيرة أمرا غير وارد لعدم قدرة دولة الاحتلال على استيعابهم، لذا طالبت الولايات المتحدة الفلسطينيين بإبداء مرونة سياسية (مفهوم المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط في حينه دينيس روس) لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية، والتوطين في البلدان التي يقيمون فيها، في حين يجب أن تكون العودة إلى دولة الاحتلال رمزية فقط، أي لا تتجاوز عشرات الآلاف وفق نظام جمع شمل العائلات والحالات الإنسانية فقط.

رؤية الدولتين 2002
عرض الرئيس الأسبق جورج بوش الابن رؤيته للسلام في الشرق الأوسط في 24 شباط 2002، والتي استندت على إقامة دولتين متجاورتين فلسطينية وإسرائيلية، في حين أسقطت رؤية بوش القرار 194، وهو ما توضح في رسالة الضمانات التي أرسلها بوش الابن إلى رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أرئيل شارون في 14 نيسان 2004، والتي نصّت على أن الحل الواقعي والمنصف لقضية اللاجئين الفلسطينيين يتحقق من خلال إقامة الدولة الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها.

مبادئ كيري 2016
في ظلّ ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أعلن وزير خارجيته جون كيري في 28 ك1 2016 عن مبادئ المفاوضات النهائية بين حكومة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية الرئيسية، متمثلة في قيام دولة فلسطينيةٍ على حدود عام 1967، مع تبادلٍ متساوٍ للأراضي، وبما يضمن احتياجات الاحتلال الأمنية، والتوصل إلى اتفاق بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر التعويض والتوطين، واعتبار القدس عاصمة لكل من الدولتين.

المرحلة الرابعة: السعي الحثيث والمباشر لإنهاء دور الوكالة ووجودها
الاونروا أثناء ولاية دونالد ترامب
قررت الإدارة الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب وتحديدا في بداية عام 2018، تخفيض الدعم المالي السنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة لوكالة الاونروا من 365 مليون دولار، إلى 125 مليون دولار سنوياً. كما أفادت الخارجية الأميركية، في 16 2 ك 2018، بأن واشنطن ستعلق دعم الاونروا في حال عدم إقدام الوكالة على إجراء الإصلاحات المطلوبة منها أميركيا.
وقد كشفت مجلة “فورين بوليسي” في آب 2018 عن رسائل إلكترونية مسربة، تتضمن رسائل من جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأميركي (وصهره) والمكلف بملف الشرق الأوسط، يضغط عبرها على مسؤولين آخرين في الإدارة، من أجل دفعهم للانخراط في جهد جدي للتضييق على الاونروا.
كذلك كشفت المجلة عن رسالة لفيكتوريا كوتس، إحدى مستشاري جيسون غرينبلات (مبعوث ترامب للشرق الأوسط) البارزين، كانت قد وجهتها إلى فريق الأمن القومي بالبيت الأبيض، قالت فيها إنه “يجب أن تبلور الاونروا خطة لتحل بها نفسها، وتصبح جزءاً من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحلول عام 2019”.
تبع ذلك إعلان إدارة ترامب في 24 آب 2018 عن إيقاف كلّ التمويل والدعم الذي كانت تقدمه لـلأونروا.
عارضت كل من الولايات المتحدة والاحتلال بخلاف موافقة 170 دولة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بتجديد ولاية الاونروا، وذلك في الجلسة التي عقدت في 16 ت2 2019.
أخيرا، في 28 ك2 2020، أعلن ترامب عن بنود “صفقة القرن”، التي استهدفت من بين ما استهدفته إلغاء حق العودة، وإنهاء عمل الاونروا، إذ نصت الصفقة على: “لن يكون هناك أي حق في العودة أو استيعاب أي لاجئ فلسطيني في “دولة إسرائيل””، كما نصت على أنه “عند توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فإن وضع اللاجئ الفلسطيني سوف ينتهي من الوجود، وسيتم إنهاء الاونروا”.

الأونروا وصفقة القرن
مع وصوله إلى البيت الأبيض خلفاً لباراك أوباما، الذي فشل في إطلاق عملية سياسية ذات مغزى لقضية الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الجديد دونالد ترامب عن مشروعه المسمى “صفقة القرن” الذي يقوم على نسف قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وانتهاك القوانين الدولية، لصالح مشروع بديل، مدخله، وحلقته المركزية إعادة صياغة المعادلات في المنطقة، بحيث تصبح إيران هي الخطر على مصالح المنطقة، وتصبح إسرائيل بالمقابل حليفاً للدولة العربية، يلتقي معها في حلف إقليمي أريد له أن يحمل عنوانا دينيا: “تحالف أبراهام”، في إشارة إلى التلاقي بين المسلمين واليهود، في سلام ووئام، يتجاوز الصراع على أرض فلسطين، وعلى خطى مفاوضات كامب ديفيد2 (تموز 2000).
وعليه أخرج ترامب قضية اللاجئين من خطته للتسوية، منطلقاً من دعوته إلى إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، بحيث يقتصرعلى مواليد فلسطين ما قبل 15/5/1948، أما الآخرون، فيدرجون في صيغة بديلة عنها، على سبيل المثال، إحالة قضيتهم إلى المفوضية العليا للاجئين في العالم، أي نزع هويتهم الوطنية الفلسطينية، وإسقاط حقهم في العودة، لصالح البحث لهم عن مكان سكن دائم.
وبناءً على مشروع ترامب لتعريف اللاجئ، يتناقص عدد اللاجئين الفلسطينيين تناقصا كبيرا، إذ ينخفض من 6 ملايين إلى حوالي 50 – 60 ألف لاجئ كحد أقصى مرشحون للتلاشي خلال فترة معينة، وفق تقديرات الخبراء آنذاك، وهذا يعني بالمقابل، أن الأمم المتحدة لم تعد بحاجة إلى وكالة أونروا، التي تعنى بالملايين الـ6، ولم تعد هذه المنظمة بحاجة إلى موازناتها المرصودة بالملايين، وحذت حذوه دول أخرى، ككندا على سبيل المثال، مما زاد الأوضاع المالية لوكالة الأونروا تعقيدا، الامر الذي عكس نفسه، بشكل خطير على دورها في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين.
ولعل ترامب، كان يدرك كما أدرك اللاجئون أنفسهم، أن المدخل لشطب قضية اللاجئين، هو بإلغاء وكالة الغوث الاونروا، إما عبر حلها بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا من شأنه أن يصطدم بمعارضة شديدة من الدول الأعضاء، وإما بالعمل مع المانحين على إعادة تعريف اللاجئ، بما يقلص دورها إلى حد نفي ضرورة وجودها، وإما أخيرا وليس آخرا، تجفيف تمويلها، لتعطيل برامجها وشل أجهزتها، وتحويلها إلى جثة هامدة، تلغي نفسها بنفسها.
لقد كان حق العودة هو محور القضية، لكن مصير وكالة الأونروا، هو الذي يشكل على الدوام الممر الإجباري للمس بحق العودة، لذلك لا غرابة أن يرفع اللاجئون في مواجهة خطة ترامب (التي فشلت حتى الآن) شعارهم الدقيق “مفتاح الدفاع عن حق العودة هو في صون وكالة الاونروا وإدامة خدماتها”.

الأونروا أثناء إدارة بايدن
قبل ضمان وصوله إلى البيت الأبيض، نظم فريق الرئيس (المرشح) جو بايدن، سلسلة حوارات مع السلطة الفلسطينية وقيادتها السياسية، كما مع الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، أغدق خلالها بالكثير من الوعود التي ثبت كذبها لاحقاً، كإعادة فتح مقر مفوضية م. ت. ف. في واشنطن (والتي كان قد أغلقها ترامب)، وإعادة افتتاح القنصلية العامة الأميركية في القدس الشرقية، لتكون صلة الوصل مع السلطة، وليست السفارة التي نقلت بقرار من ترامب إلى القدس، والتي اعترف بها عاصمة لدولة إسرائيل، كذلك استئناف المساعدات المالية للسلطة ولوكالة الأونروا، وغيرها من الوعود.
بعد فوزه بالرئاسة، أخلت إدارة بايدن بكل وعودها، ما عدا استئناف المشاركة في تمويل وكالة الأونروا، لكن وفقاً لشروط، وضعتها اللجنة المتخصصة في الكونغرس، وافقت عليها الأونروا، في اتفاق أطلق عليه إطار العمل المشترك (الإطار) الذي يلزم وكالة الأونروا، بما يخالف المبادئ التي أقرها القرار 302/ د.4، والمفاهيم التي تبنتها هي نفسها أساسا لعملها في صفوف اللاجئين.
ومن الشروط (القديمة – الجديدة) التي وضعها الكونغرس على الأونروا مقابل استئناف تمويلها:

  • حرمان الموظف الفلسطيني في الأونروا من حقه في أي نشاط سياسي (حزبي أو مستقل) أو اجتماعي، بدعوى الوقوف على”الحياد”، في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، أي بتعبير آخر، تجريد الموظف الفلسطيني من هويته الوطنية، ومن حقه في تقرير مصيره، وهو ما يخالف القوانين الدولية، وشرعة حقوق الإنسان، وقرارات الشرعية الدولية.
  • تقديم ضمانات إلى الكونغرس أن لا يستفيد من خدمات الأونروا الأفراد الأعضاء في “منظمات إرهابية”، علما أن م. ت. ف، وكافة فصائلها، مدرجة على لائحة “الإرهاب” الخاصة بالكونغرس الأميركي، وهذا يفترض بوكالة الأونروا أن تميز بين “لاجئ مسالم” يستحق الاستفادة من الخدمات، و”لاجئ إرهابي” يجب أن يحرم منها، أي أن تتبنى وكالة الأونروا التصنيف الأميركي لمفهوم “الإرهاب”»، وهو ما ينطبق على كافة حركات التحرر في العالم، وليس حركة التحرر الفلسطيني وحدها.
  • تنقية البرامج التربوية في مدارس الأونروا، من كل ما يعتبر “تحريضاً على الإرهاب والكراهية”، لصالح “قيم ومفاهيم التسامح الإنساني”، أي التوقف عن تبني الرواية الفلسطينية للقضية الوطنية، بما في ذلك كل ما له علاقة بالتاريخ الوطني، كالنكبة وغيرها، وإلغاء الشعارات الوطنية المعلقة على الجدران في الباحات والصفوف، والتوقف عن تعطيل المدارس في المناسبات الوطنية (بما في ذلك ذكرى النكبة ووعد بلفور وقرار التقسيم وغيرها)، في خطة محكمة، من شأنها أن تغسل دماغ الأجيال الفلسطينية الناشئة، وأن تجعل منها أجيالاً منزوعة الحس والوعي الوطني، “متسامحة” مع دولة الاحتلال، مؤهلة لتتقبل أي حل للمسألة الفلسطينية، بما في ذلك ما له علاقة بحق العودة، ومصير القدس، وغيرها من ملفات القضية الوطنية، فضلاً عن العمل على تهميش الأطر الاجتماعية المؤهلة للانتماء إلى المؤسسات الوطنية الحزبية والاجتماعية.
    وهكذا تفقد وكالة الأونروا موقعها شاهدا على النكبة، وشاهداً على جريمة الاستعمار الغربي بحق الشعب الفلسطيني، كما تفقد دورها مؤسسة معنية بالمساهمة في بناء المجتمع الفلسطيني، لتصبح مجرد أداة بيد مشروع الحل الأميركي المسمى “حل الدولتين”، والذي يشكل تلاقي المصالح الأميركية – الإسرائيلية أساسا له.
    يذكر أن بنود الاتفاق الأخير وفق آراء الخبراء والمختصين بالقانون الدولي وبالقضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين، تتشابه مع الشروط التي كانت قد طلبتها إدارة ترامب. واستناداً إلى توقيع اتفاقية “إطار العمل للتعاون 2021- 2022″، قدمت الولايات المتحدة 135.8 مليون دولار لصالح الاونروا. ثم ما لبثت أن صوتت ضد قرار تمديد ولاية الاونروا في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عقد في 12 ك1 2022، إذ كانت نتيجة التصويت موافقة 157 دولة مع تمديد ولاية الاونروا، مقابل معارضة خمس دول فقط، هي: الولايات المتحدة، الاحتلال الاسرائيلي، كندا، جزر مارشال، وميكرونيزيا..
    أن السيناتور ريش، مع عضو مجلس النواب الجمهوري تشيب روي، قدما في شباط 2023، مشروع قانون “المحاسبة والشفافية في الاونروا”، الذ ينص على شرط دعم الاونروا أميركيا بمصادقة وزير الخارجية الأميركي على إفادةٍ تنص على “عدم تعاطف أو مشاركة أي من مسؤولي المنظمة، أو موظفيها أو المتعاملين معها، بأعمالٍ معادية لإسرائيل. الأمر الذي يتضمن المساهمة المادية فيما يسميه الاحتلال أعمالا إرهابية، مثل دعم حركة حماس وحزب الله، أو وصف الإسرائيليين بـ”المحتلين أو المستوطنين”، أو دعم حركة المقاطعة “بي دي أس”، أو تأييد عودة اللاجئين الفلسطينيين. كما يستهدف مشروع القانون تعديل تعريف اللاجئ الفلسطيني، بما يستثني منه الحاصلين منهم على جنسية دولة أخرى، ونسل اللاجئين الأوائل.
    يبدو واضحا وجليا أن الموقفين الأميركي والإسرائيلي متوافقان كليا بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتحديدا ما يتعلق بوكالة الاونروا، رغم اختلافهما النسبي حول وسائل تحقيق أهدافهما، إذ عملت الولايات المتحدة في مراحل عديدة سابقة على توظيف الوكالة كأداة أممية تساهم في تكريس الأمر الواقع، أي سيطرة الاحتلال وتطهير أرض فلسطين عرقيا، عبر تكريس التهجير القسري للفلسطينيين، من خلال مشاريع التوطين اقتصادية الطابع.
    ثم سعت الولايات المتحدة إلى توظيف الوكالة في خدمة الرؤية الأميركية لحل القضية الفلسطينية، عبر تهميش قضية اللاجئين، وتحديدا لاجئي الشتات الفلسطيني، من خلال مشاريع توطينهم في دول لجوئهم، أو دولة ثالثة.

أخيراً، يعكس السعي الأميركي الحثيث اليوم لتقويض الوكالة وإنهائها بأسرع وقتٍ ممكن، تقديرا أميركيا بأنها قد نجحت مع الاحتلال في تكريس الاحتلال كأمرٍ واقعٍ غير قابل للمساس، لذا فهي تعتقد أن المرحلة الراهنة تتطلب إزالة الوكالة نهائياً على اعتبارها شاهداً أممياً على المأساة الفلسطينية.

الأونروا وحرب 7 أكتوبر 2023
في الوقت الذي كان العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة قد وصل ذروته، أعلنت دولة الاحتلال مزاعم وادعاءات بأن عدد من موظفي وكالة أونروا شاركوا في عملية “طوفان الأقصى”، واختلفت الروايات الإسرائيلية حول حقيقة الأسماء لهؤلاء وعددهم، ووعدت بتقديم تقرير حول ذلك، يستند إلى تحقيق موضوعي، لكنها حتى الآن لم تقدم أية وثيقة خطية تثبت صحة ما ادعته.
إدارة بايدن، وحتى قبل أن تتسلم من إسرائيل ما يثبت صحة ادعاءها، سارعت إلى الإعلان عن تعليق مساهمتها في تمويل الأونروا، ولحقت بها سريعاً وخلال ساعات مجموعة من الدول الغربية، واليابان، إلى أن وصل عددها إلى 19 دولة، تؤكد وكالة الأونروا أن نسبة مساهمتها في تمويل الوكالة تصل إلى 80%، وبعضهم قال أكثر، والصقت بوكالة الأونروا تهمة بأنها منظمة تتعاون مع “الإرهاب”، وتضم في صفوفها “إرهابيين”، وتعالت الصيحات والدعوات لإنهاء خدماتها، وسارعت إسرائيل التي لم تتوقف منذ عشرات السنوات، عن الدعوة إلى حل الأونروا، وإنهاء خدماتها، وأنها لن تسمح لوكالة الأونروا أن تعود إلى قطاع غزة في “اليوم التالي” للحرب، وأخذت آلة حربها تعترض شاحنات الإمداد إلى القطاع، التي تحمل شارة الأمم المتحدة، وتدمرها، كما دعت إلى تشكيل هيئة إغاثة جديدة، مرجعيتها الإدارة المدنية التي ستتولى إدارة قطاع غزة بعد الحرب، في ظل الهيمنة والمرجعية الإسرائيلية لهذه الإدارة، على شاكلته ما هو قائم في المنطقة (ب) في الضفة الغربية، غير أن الوقائع والشهادات، بما فيها الإسرائيلية، أثبتت أننا أمام خطة إسرائيلية – أميركية، التقى فيها الطرفان عند سياستهما المشتركة في ضرورة إنهاء عمل الأونروا بأي شكل من الأشكال، وقد وجد الطرفان في هذه الخطة، باتهام الأونروا بالتعاون مع الإرهاب، فرصة جديدة، بعد أن فشلت المحاولات السابقة.
في 30/12/2023، أي بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على العدوان، وفي الوقت الذي كان فيه العالم منشغلاً بمتابعة أنباء المجازر والمذابح في قطاع غزة، على يد قوات الغزو البربري، كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الناطقة بالإنجليزية، عن خطة وضعتها الخارجية الإسرائيلية من ثلاث مرحل، تهدف إلى حل الأونروا، وأحالت هذه الخطة إلى حكومة نتنياهو للعمل بموجبها:
المرحلة الأولى هي الادعاء بإلقاء القبض على مجموعة من “الإرهابيين” الأعضاء في حماس، ممن شاركوا في الهجوم على غلاف غزة في 7 أكتوبر معركة طوفان الأقصى.
المرحلة الثانية إثارة أوسع تحريض على الأونروا، ودعوة الجهات المانحة لوقف تمويلها للوكالة.
المرحلة الثالثة تتولى خلالها الولايات المتحدة، قيادة أوسع حملة مع حلفائها، لتجفيف مصادر تمويل وكالة الأونروا، وتعطيل برامجها، وشلها، وبالتالي اعتبارها في عداد المنحلة.

ورغم أن بعض الذين علقوا تمويلهم بانتظار نتائج التحقيق، والتقارير الإسرائيلية، ورغم أن هذه التقارير لم تصدر حتى الآن، فإن كافة الذين أعلنوا مقاطعة الوكالة، بقوا على موقفهم السلبي ما عدا فرنسا، التي تراجعت عن قرارها، واستأنفت دعمها لوكالة الأونروا.
والسؤال الجوهري جاليا: هل ينجح المخطط الأميركي–الإسرائيلي في اغتيال وكالة الأونروا، بما هي منظمة إغاثة، يعتمد عليها في مجالات التعليم والصحة، والإغاثة، والبيئة، وتشغيل أكثر من 6 ملايين لاجئ، فضلاً عن كونها اعترافاً دولياً وشاهداً على جريمة الاستعمار الغربي عما لحق بالشعب الفلسطيني من نكبات على مدار 76 عاماً؟، أم أن المجتمع الدولي سوف يستعيد وعيه، ويتحرر من براثن الحملة الأميركية–الإسرائيلية لاغتيال الأونروا، وإلحاق الأذى والضرر الشديدين بالمصالح الوطنية للشعب الفلسطيني.
منذ لحظة قيامها، بقيت الولايات المتحدة تنظرإلى وكالة الأونروا، باعتبارها أداة يمكن اللجوء إليها عند الضرورة، في إنجاز المشروع الأميركي للحل في الشرق الأوسط، تعزز دورها عند الحاجة، وتضعفه عند الضرورة، وصولاً إلى الخطة المناسبة لإطلاق الرصاصة الأخيرة عليها، عندما تحل لحظة الحسم في حل قضايا الصراع في المنطقة. في حين شكلت وكالة الأونروا على الدوام، المدخل الإجباري لخطط شطب حق العودة، وفي الوقت نفسه مفتاح دفاع اللاجئين عن حقهم في العودة.
لذا يتوجب القول إن معركة الدفاع عن حق العودة، لا تنفصل إطلاقاً عن معركة الدفاع عن الأونروا، وهكذا أخطأ الذين اعتقدوا أن موقف الولايات المتحدة، من الأونروا كان رداً على قرارات محكمة العدل الدوليةفقط، بل ان موقف الولايات المتحدة من الأونروا ليس موقفا تكتيكيا، بل استراتيجي من الطراز الأول، أي أن اللاجئين باتوا في قلب المعركة، مثلهم مثل باقي أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية كما في القدس .

الخاتمة والحل
لا يمكن الحديث عن الوكالة انطلاقا مما تمثله على المستوى السياسي والقانوني فقط، على اهمية ذلك، بل وايضا لما تقدمه من خدمات للاجئين كونها قطاعهم العام الذي يؤمن لهم خدمات التعليم والصحة والاغاثة، وغير ذلك من خدمات طارئة بنتيجة الكوارث وتداعيات الحروب العدوانية الاسرائيلية. لذلك نستغرب الدعم السياسي اللا محدود لوكالة الاونروا من قبل الاسرة الدولية، بينما نفس الدول تمارس سياسة التراخي تجاه تمويل الميزانية العامة.. وهو امر يطرح أكثر من علامة استفهام.
ان سياسة التخفيض التدريجي في مساهمات بعض الدول المانحة لا يمكن وضعه الا في خانة الابتزاز السياسي والاستجابة للمواقف الاسرائيلية المعلنة بالسعي للتخلص التدريجي من وكالة الاونروا كمقدمة لتصفية قضية اللاجئين وحق العودة، خاصة وان قيمة العجز لا تكاد تساوي شيئا مقارنة بما يقدم الى الدول الفقيرة سنويا.. وبالتالي فان اللاجئين الفلسطينيين ومعهم كل ذي بصيرة لا يمكنهم تفسير ما يحدث لوكالة الغوث الا كونه سياسة ممنهجة بالتخفيض التدريجي للخدمات وجعله امر طبيعيا لإبقاء الاونروا اسما بلا مضمون فعلي..
لقد شق شعار “التمويل المستدام الذي يمكن التنبؤ به” طريقه بين عدد واسع واسع من اعضاء الاسرة الدولية. وان النجاح في جعل التمويل مستداما، لا يعني التخلي عن المانحين التقليديين. بل ان المطلوب احداث التكامل بين ما يجب ان تقدمة الامم المتحدة من موازنتها الثابتة الى الاونروا، وبين مشاريع الدعم المختلفة من قبل المانحين التقليديين وايضا الدعم الذي تعهدت بتقديمه بعض الاطر الدولية كمنظمة التعاون الإسلامي وغيرها..
كما ان المطلوب اليوم هو حماية الاونروا، سياسيا وماليا، واخراجها من دائرة الابتزاز الذي يمارس عليها من قبل العديد من الاطراف الدوليين، وبما يعطي الوكالة الحرية في تطبيق برامجها. وان اي معالجة للازمة المالية يجب ان لا تستثني الولايات المتحدة من تحمل مسؤولياتها باعتبارها المسبب الرئيسي لهذه الازمة، ناهيك عن دعم الكيان الاسرائيلي ومده بكل اشكال البقاء والاستمرار..
لقد سبق لنا في “دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” ان دعونا في مناسبات عدة الى حلول تقوم على اربعة مسارات متوازية، واليوم نجدد دعوتنا الى جميع المعنيين على المستويات العربية والاقليمية والدولية الى معالجة جذرية للازمات المالية لوكالة الاونروا، ومن خلال عدة عناوين:

  • الاول: التأكيد على مسؤولية الولايات المتحدة باعتبارها المسبب الرئيسي لهذه الازمة واحد الأطراف الأساسيين الذين ساهموا في خلق مشكلة اللاجئين، وفي ابقاءها دون حل حتى الآن.
  • الثاني: زيادة الدول المانحة لمساهماتها المالية على خلفية ان عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المخيمات من شأنه ان يولد تداعيات سلبية تتخطى الابعاد الاقتصادية والاجتماعية.
  • الثالث: اعادة الاعتبار لمشروع الحل الذي قدمه الامين العام للأمم المتحدة في بداية عام 2017 عبر تخصيص جزء من الميزانية العامة للأمم المتحدة لصالح برامج وعمليات وكالة الاونروا، وبما يخرج الوكالة من دائرة الابتزاز السياسي والمالي لبعض الدول..
  • الرابع: دعوة الاونروا لترشيد النفقات في إطار سياسة شفافة ومعلنة لمحاربة الفساد والمفسدين بما يوفر ملايين الدولارات التي يمكن ان تستخدم في صالح الخدمات المقدمة للاجئين.
    اما فلسطينيا، فان المطلوب من جميع مكونات الحالة الفلسطينية الرسمية والشعبية سواء على مستوى قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية اوعلى مستوى الفصائل واللجان الشعبية والمؤسسات الاجتماعية والحراكات المدنية المختلفة هو التعاطي مع المخاطر التي تتهدد وكالة الاونروا باعتبارها خطر يهدد القضية الفلسطينية بجميع عناوينها..
    ان الدول العربية المضيفة معنية بوضع استراتيجيات عمل سياسية واقتصادية لدعم اللاجئين في المخيمات سواء بشكل مباشر عبر اللجان الشعبية والمؤسسات الاهلية العاملة في الوسط الفلسطيني او من خلال اقامة مشاريع تنموية توفر دعما فعليا للمجتمع الفلسطيني خاصة الطلبة والعمال وتبني حالات مرضية للعلاج في الدول العربية وتوفير الادوية خاصة للأمراض العضال والصعبة، وغير ذلك من اشكال الدعم المطلوبة..
    “دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”
    نيسان 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى