بقلم المهندس الدكتور هلال كبارة
أنا من مدينة عُرفت قديماً بمدينة العلم والعلماء .. أنا من مدينة الرئيس الشيخ محمد الجسر والرئيس المفتي الشيخ عبد الحميد كرامي وولديه الرئيسين رشيد وعمر وأبي الفقراء الدكتور عبد المجيد الرافعي، وطبيب الفقراء الدكتور عبد اللطيف البيسار… أنا من مدينة المناضل فوزي القاوقجي، و شاعر الفيحاء سابا زريق … والشاعر الفذ عبد الستار السلطي وشيخ الخطاطين محمد برهان الدين كبّارة، والعارف بالله العلامة أبو المحاسن القاوقجي، والمطران أنطون عريضة، والمطران جورج خضر. أنا من مدينة العلامة المفتي الشيخ عبد الكريم عويضة، والمفتي العلامة الشاعر والاديب الشيخ نديم الجسر،… والدكتور العلامة الشيخ صبحي الصالح… والعلامة الشيح جميل عدرة… والشيخ العلامة عبد الحميد الحامدي… والمحسن الكبير الحاج عبد الله الغندور،.. و العلامة الشيخ ناصر الميقاتي …والمربي الحاج رفيق الفتال، … ورجل الخير الحاج كامل مسقاوي،… وشيخ القراء محمد نصوح البارودي.. أنا من مدينة العلامة الشيخ محمد ظافر كبّارة،.. … والمربي الأستاذ منير المحمود،…والحاج إقبال زيادة،… والمربي الأستاذ محي الدين مكوك… والمربي الحاج سميح مولوي… والمربي الأستاذ حسن الحجة…والمربي الاستاذ فضل المقدم… وشيخ القراء محمد صلاح الدين كبّارة،.. والعالم الجليل ترجمان ديوان الأدب ونتيجة الحسب والنسب وشاعر مدح الرسول عليه الصلاة والسلام الشيخ عمر عبدالغني الرافعي العمري الفاروقي، وأخرين كبار لن ننسى مآثرهم، وجلّ من لا يسهو.
أنا من مدينة الإنتاج … مدينة معامل الحديد والأخشاب والصوف والتريكو والقماش والصابون والعطور والحلويات.. مصانع الغندور وعويضة وعريضة و بركة وفتال وكبارة والحلاب وعلماوية وحموي وكحيل والعرجة واميوني وحديد وبدوي النجار وووو.. الخ..
أنا من مدينة مقهى التل العليا، و قهوة موسى ومرسح الإنجا وقلعة الأبطال، برج الطيبين والصالحين والأبرار…
أنا من مدينة لم يكن فيها كلب يلهث ولا قط جوعان؛ حتى حمير وبغال مدينتي كانوا فرحين بما آتاهم خالقهم! أنا من مدينة كان سكانها يمشون على الطرق بسلام وأمان، سياراتها قليلة ودراجاتها النارية قلما نراها إلا مع عساكر الدولة، ولم تعرف تيك توك ولا طزيزات ولا طرطيرات ولا أم رطيزات!!
أنا من مدينة أزقتها تحف أثرية تحتوي على بيوت صغيرة ومنازل عامرة. منازل احتوت على بحرة ونافورة ودالية وبير وكباس ماء، وبراح للضيوف، ومطبخ، وغرفة للمونة صفت على رفوفها قطرميزات المخلل والجبنة والزيتون والمكدوس ومربى المشمش والتفاحية والسفرجلية؛ و على ارضها تنكات زيت الزيتون والسمنة الحموي الحديدي وأكياس الرز والسكر والطحين. كانت أعمال البيت اليدوية شيء لا يصدقه عقل. كانت أمي تغسل على يدها وتعجن وتخبز وتطبخ وتروب اللبن وكانت لا تشتكي!
كنا نجد برميل غلي الغسيل فوق بابور الكاز يحتوي على خروق من القماش الأبيض توضع له النحاتة والبوطاس والنيلة لكي يبقى ابيض مهفهف، وحلّة الكوسى بلبن تغلي على النار، واخي الصغير يبكي يريد الإرضاع والجلي معرّم …..
أين تلك الأيام؟ ذكريات أغلى أيام العمر!!
إذا أدمعت عيناك بعد هالكلام إذن انت من مدينتي.. انت من الفيحاء. الفيحاء أم المعالي والرتب والمحاشي والكبب والعلوم والمعارف والأدب وأم ما كان يسمى بسوق الذهب!
اللهم فرّج عن مدينتنا فرجاً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك يا رب. وبارك الله بأولاد الأصول الذين ما زالوا يحافظون على إرث آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم رغم تطور العصر الألكتروني والتكنولوجيا التي طغت على العقول والعيون والآذان لاسيما الأصابع!! ..
ولا يبقى على ما هو إلا هو.. فسبحان مغير الأحوال… انتهى…