مقالات

فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف

              طرابلس أمانة في أعناقكم

بقلم ليلى شحود تيشوري
خبيرة تنمية محلية
وعضو مجلس بلدي سابق في طرابلس

فخامة الرئيس جوزاف عون الذي نوليه ثقتنا وتقديرنا واحترامنا نقول لكم اليوم أن طرابلس تناديكم لانصافها ومكافأتها على دورها الوطني الريادي في كل المراحل والاستحقاقات والظروف الصعبة التي ألمت بالبلاد .

ففي الوقت الذي كانت تدور حرب تموز رحاها على الاراضي اللبنانية عام 2006 ، أستقبلت طرابلس مئات الضيوف من أهالي الضاحية والمناطق المدمرة ، استقبلتهم بفيض من العاطفة والحفاوة
وكان الترحيب بهم من منطلق روح التآخي والوطنية والتعاضد اللبناني الصرف ، بحيث لم تطلق عليهم طرابلس تسمية النازحين بل أصرت على اطلاق تسمية الاخوة الضيوف . ولا شك ان ذاكرة
الوافدين الى المدينة هربا من الحرب لازالت مفعمة بأجمل الذكريات التي شكلتها رعاية بلدية طرابلس آنذاك بالتعاون مع الجمعيات والناشطين الوطنيين وأهل الخير والعطاء .

بعد انتهاء الحرب ، أتى التمويل الخارجي لاعادة إعمار المناطق التي طالتها يد العدو تدميرا وتخريبا ، وعادت الضاحية أجمل مما كانت عليه ، مما أدخل السرور والاطمئنان الى قلوبنا على أهلنا
الذين عانوا عذاب التهجير .

في الرابع من اب عام 2020 تعرض مرفأ بيروت الى انفجار ضخم ترافق مع موجة عالية من الصدى الذي هز بيروت العاصمة مما تسبب بأضرار كبيرة للمباني والمنازل في معظم أحياء بيروت ترافق ذلك مع عدد لايستهان به من القتلى والجرحى ( تنذكر وماتنعاد ) بحيث بلغ عدد المباني المتضررة نحو خمسين الف وحدة سكنية ، الا ان بيروت لم تكن متروكة فقداستنفرت
كل القوى الاعلامية والمحلية والمدنية والنقابية والحكومية والدولية ، للقيام بالمسح الشامل واعداد الدراسات لاعادة ترميم المباني المتضررة . وقد عادت أفضل مما كانت .

في خريف عام 2024 شهد لبنان موجة من الاستهداف الاسرائيلي المكثف للقرى وللضاحية ومحيطها ، بحيث تحول معظمها الى قاع صفصف ، مما يحتم توفر التمويل الخارجي قريبا لاعادة اعمار ماتهدم ، والمرحلة المقبلة ستبرهن لنا ذلك باذن الله .

وكانت طرابلس كعادتها هي الحاضنة لاهلنا في الوطن ، واستقبلت الضيوف من الضاحية ومن القرى وكافة المناطق التي استهدفت ، استقبلتهم في قلوبها قبل بيوتها ومدارسها ومناطقها
ومؤسساتها ، وهرع المجتمع الاهلي و المدني لتقديم الافضل لهم ولراحتهم واستقرارهم في مدينة الحب طرابلس وقد قدم الاهالي كل مافي بيوتهم من مستلزمات الغذاء والفرش والحرامات
والمساند والمخدات والالبسة ولم يبخلوا عليهم بما يملكون .

كل هذا جرى ويجري دون ان يكلف احد خاطره من أهل الحكم بتوجيه سؤال الى هذه المدينة : ” ماهو جرحك ياطرابلس؟ “

وكأنهم جميعا اتفقوا على أن طرابلس هي فقط مدينة التضحيات وحمل أوزار الخلاف السياسي في لبنان والذي تجلى بافتعال جولات اقتتال بلغ عددها أكثر من عشرين جولة ، استنزفت خلالها وعلى مدى سنوات طاقات ومقدرات واقتصاد المدينة وأدت الى سقوط الكثير من الضحايا والى الكثير من حالات الاعاقة الجسدية التي لم تجد من يرعاها او يأخذ بيدها لاكمال مشوار الحياة الصعب ، واستمر الواقع على هذا الحال لحين تقرر فجأة فض هذا النزاع وتنفيذ الخطة الامنية عام 2014 ، مما يطرح السؤال لماذا لم ينزع فتيل التفجير منذ اللحظة الاولى لاندلاعه يومذاك ؟ لماذا نسجت الفتن في طرابلس ولصالح من ؟ الجواب بنظري ومن وجهة نظر الكثيرين ان طرابلس بهذه الجولات كانت تارة صندوق بريد وتارة أخرى كانت تنفيسا للاحتقان السياسي اللبناني على خلفيات اقليمية .

وبالتالي كانت طرابلس تدافع عن كل لبنان ،لان حصرية هذا الصندوق فيها كان يجنب مناطق لبنانية وخصوصا بيروت وقوع احداث أمنية مسلحة يصعب السيطرة عليها بسهولة آنذاك ،
بينما في طرابلس كانت تشتعل الاحداث الامنية وتهدأ على وقع المطلوب من رسائل قساة القلوب .

طرابلس التاريخية الصابرة على الآلام والجراح ، وعلى الاهمال المتمادي من المسؤولين لعشرات السنين ، فيها مايقارب الالف مبنى تراثي وغير تراثي آيل للسقوط وهي كلها على لائحة الجرد
لدى مصلحة الهندسة في بلدية طرابلس ، وها نحن اليوم نشهد تباعا تداعي مبان في مناطق متفرقة من طرابلس حيث يتشرد أهلها ويخسرون بيوتهم ومكمن استقرارهم ، هذا ان لم يخسروا ارواحهم

وفي ظل عجز البلدية المالي عن البدء بورشة تأهيل هذه المباني واتباع الطرق القانونية بتسجيل كلفة التأهيل كدين ممتاز على هذه العقارات .

وبالتزامن عن الحديث عن استجلاب التمويل لاعادة الاعمار في لبنان فاننا نجد من الملح كإجراء فوري برعايتكم فخامة الرئيس ودعمكم ان يوضع ملف مباني طرابلس الآيلة للسقوط على طاولة المانحين لعلها تحظى باهتمامهم
وموافقتهم لتمويل الدراسات والتأهيل .

طرابلس الحاضنة لكل اللبنانيين في الظروف الصعبة ، تستحق من المسؤولين السعي الحثيث لتوفير التمويل بغية تأهيل مبانيها المعرضة لخطر السقوط دائما على رؤوس ساكنيها .
وذلك مكافأة لها على حسها الوطني ، وعلى دفع باهظ الاثمان في مراحل عدة من أمنها واستقرارها ولقمة عيش أبنائها .

ان تأهيل المباني وخاصة تلك التي تحمل قيمة تاريخية وثقافية ، هو إحياء لذاكرة المدينة وضمان استدامة تراثها للاجيال القادمة ،

فخامة الرئيس جوزاف عون ، الكل يغار على مدنه وقراه ومناطقه ويطالب بحقوقها ، الا طرابلس فقد تخلى عنها الجميع ، فلتكن طرابلس التي رفعت لكم شعارات ورايات التأييد واستلهمت بتوليكم سدة الرئاسة الخير والازدهار ، فلتكن هي مدينتكم ، وقلب الوطن النابض بهمتكم ومساعيكم وحرصكم على سلامتها ورفاهها .ولتكن هذه المدينة على رأس قائمة أولويات الدولة مثلها مثل
المناطق اللبنانية المنكوبة في برامج التأهيل العمراني وان يتم تخصيص الدعم اللازم للقيام بهذا العمل الحيوي الذي من شأنه ان يساهم في حماية السكان وممتلكاتهم ويعيد الى المدينة مكانتها
التاريخية التي تستحقها ، بعد ان تحملت عبئا ثقيلا من الاحداث والصراعات منذ الحرب اللبنانية حتى يومنا هذا .

فخامة الرئيس طرابلس تناديكم نداء الملهوف لاغاثتها من أخطار محدقة بمبانيها وسكانها وأنتم من أهل الشهامة والإقدام .
شكرا على رحابة صدركم ، وفقكم الله لما فيه خير الوطن والمواطن .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى