
الذكرى الخمسين لحرب السنتين ،لاغلاق جراح الحرب وانهاء إفرازاتها .نبيل الزعبي
هل هي مصادفةً ان يقترن مرور الذكرى الخمسين لحرب السنتين في لبنان بحدث ٍ مهمٍ ومفاجئ في آنٍ معاً بعد مرور الزمن عليه ليفتح من جديد احدى اخطر صفحات الحرب اللبنانية المظلمة التي تتطلب الاضاءة عليها من جديد وتسليط الاهتمام الرسمي والشعبي المطلوبين سيّما لأولياء الدم في لبنان إلى أية جهة انتموا وعملت التحقيقات الصورية على تجهيل الفاعل في الوقت ان جراح العائلات المفجوعة لم تزل مفتوحة رغم مرور السنين فلم تبرد او تلتئم بعد .
من الاخبار الجيدة في هذا المجال ما أعلنت عنه هيئة الامن العام في ادارة العمليات العسكرية السورية مؤخراً عن اعتقال اللواء ابراهيم حويجة المتهم الرئيسي في اغتيال الزعيم الوطني الكبير كمال جنبلاط وغيره من شخصيات وطنية وقومية وما سوف تسفر عنه التحقيقات عن اسرار وخفايا نظام حافظ اسد وما اقدم عليه من تصفيات واغتيالات ، منها المعلوم ومنها ما لم يُكشَف عنه الستار بعد ، دون ان نتناسى شهداءنا البررة وفي مقدمهم تحسين الاطرش وموسى شعيب وعبدالوهاب الكيالي وعدنان سنو ورياض طه وغيرهم وغيرهم .
غير ان الخبر السيئ وربما الاسوأ هو ما تم إعلانه عن “اكتشاف رفات بشرية في مقبرة جماعية بالصدفة ، في محلة الكرنتينا تعود إلى سنوات الحرب الاهلية التي عاشها اللبنانيون عامي ١٩٧٥/١٩٧٦ “
ليتبيّن عدم صحتها فيما بعد بعدما قامت به القوى الأمنية اللبنانية من تحقيقات لتكتشف ان هناك من قاموا بالدخول إلى مقابر في فرن الشباك وجمع رفات بعض الجثث، وقامو برميها وطمرها داخل حفرة في منطقة الكرنتينا حيث يجري التحقيق معهم حالياً لدى القضاء المختص في واقعة لا تدخل ضمن خانة الأعمال الامنية الخطيرة المشبوهة وحسب ، وانما تنكأ جراح الحرب من جديد لتهدد السلم الاهلي اللبناني ، الأمر الذي يتوجّب على الأجهزة الامنية متابعة كل من افتعل هذا الجُرم وخلفياته السياسية وكشفها للرأي العام اللبناني بعد فضحه ومحاسبته .
تمر الذكرى الخمسون لحرب السنتين والظروف على افضل ما يجب ان تكون عليه لناحية استخلاص الدروس والعِبَر امام كل من اعتقد بامكانية استعمال السلاح ضد شريكه الآخَر في الوطن على حساب الدولة الوطنية الواحدة الجامعة فكان ان خسر نفسه بقدر ما خسر البلد خيرة شبابه وشاباته في حروب ٍ داخلية عبثية لم تُسفِر عن منتصر ومهزوم وانما عن خاسِرَين لم يجدا اليوم سوى الشرعية وقواها الامنية والعسكرية سقفاً وطنياً يكلّل الجميع وملاذاً آمناً لن يجدا في غيره سبيلاً لديمومة عيشهم والتأمين على مستقبل ابنائهم .
انها الحرب الاخطر في تاريخ الكيان اللبناني الذي لم يزل يعاني من ذيولها الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية بعد مرور نصف قرن من الزمن عليها ولا نبالغ في القول ان كل ما يحيق البلد من ازمات حتى يومنا هذا ، ليس سوى افرازات هذه الحرب التي آن لها ان تتوقف وتنتهي إلى الأبد .
في الثالث عشر من شهر نيسان لهذا العام ، يقف اللبنانيون امام حقيقتين أساسيتين :
-حقيقة ما وراءهم من عقود ٍ زمنية خمس جرّبوا فيها كل حالات الاستقواء بالخارج على بعضهم البعض فلم تجلب لهم سوى تدمير انفسهم في الأرواح والأجساد قبل دمار الحجر والشجر وليلمسوا اليوم ان الاستقواء ببعضهم البعض على الخارج هو الوسيلة الوحيدة الناجعة وربما الأوحد لبناء البلد من جديد وتحويل احلام بنيه إلى حقائق ملموسة لا تحتاج إلى أماني وتمنيات ،
-وحقيقة ما امامهم اليوم من خطاب سياسي جديد من قِبَل اعلى سلطتين في الجمهورية اللبنانية والحكومة الجديدة مما يعبِّر عن معاناة كل لبناني ولبنانية عاشا مآسي الحرب والتعهُّد امام الشعب على طي صفحات الماضي الاليم المظلم في رحلة الالف ميل نحو الإصلاح الحقيقي لمؤسسات البلد ومحاربة الفساد وتعزيز وحدة وأمن واستقرار اللبنانيين وإنقاذهم من جهنم بأخراجهم من قعر جحيمها .
انها الفرصة التاريخية التي انتظرها اللبنانيون وعلى الجميع التقاطها حيث لا تُشرِق الشمس في اليوم مرتين ولا نعيش الحياة سوى لمرّةٍ واحدة وعلى حكومة الإصلاح والإنقاذ تفعيل قانون ١٠٥/٢٠١٨ المتعلّق بالمخطوفين والمخفيين قسراً والتواصل مع عوائلهم عبر الهيئة الوطنية المكلّفة رسمياً لمعرفة مصير هؤلاء وكذلك لجنة الاهالي الذين من حقهم أن تتوقف أحزانهم وتبرد امام معرفة مصير الآباء والابناء والاخوة والأزواج والقيام بدفن موتاهم في أضعف الايمان .
المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية و”البعث” وغيرهم ممن ننتظر ان تنصفهم عدالة السماء اليوم بعد ان عجزت عدالة الارض عن الاقتصاص من قاتليهم ولتكن ذكراهم حيةً وخالدةً في نفوس رفاقهم وذويهم وأحبابهم إلى الابد .