في تكريم يحيى المعلم رفيق الأيام الصعبة \ معن بشور
كم أفرحتني المبادرة الكريمة التي قام بها أخوة كرام من أعضاء اللجنة الوطنية للدفاع عن الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني بحضورهم المفاجئ من مدينة صور ومخيماتها الى مقر تجمع اللجان والروابط الشعبية في الطريق الجديدة للمشاركة في الاجتماع الأسبوعي “للحملة الاهلية لنصرة فلسطين وقضايا الامة” حاملين معهم درعاً تكريمياً للمناضل يحيى المعلم امين سر اللجنة ومنسق اعتصام خميس الاسرى الذي يقام شهرياً في إحدى المناطق اللبنانية تضامناً مع أسرانا الابطال في سجون الاحتلال منذ عام 2002 أي قبل 22 عاماً.
وكم تضايقت لأنني لم أتمكن من المشاركة في ذلك التكريم لمناضل هو واحد من أفراد اسرة نضالية متماسكة عاملة في خدمة قضايا الامة ولاسيّما مقاومتها في فلسطين والعراق ولبنان وكل أرض عربية.
لكن ما خفف من تضايقي انني كنت أشارك مع اخوة أعزاء من شرفاء الأمة واحرار العالم في ملتقى الحرية في اسطنبول.
لكن يحيى المعلم لم يكن مجرد رفيق نضال مخلص، ولا مجرد أخ عزيز في رحلة العمر المليئة بالمصاعب والتحديات والاخطار، بل كان ايضاً أحد عناوين الوفاء والصدق في تجربتنا منذ حوالي 50 عاماً حين جاء به شقيقه المناضل الراحل غالب الى مقر تجمع اللجان في المصيطبة آنذاك، ليسهم معنا في خدمة أبناء شعبه والدفاع عن ثوابته الوطنية في أيام الحرب اللعينة القاسية التي مر بها لبنان في آواسط السبعينات من القرن الماضي..
لفتني في يحيى يومها نباهته واخلاصه واستعداده للقيام باي عمل دون أي تأفف أو تبرم أو تهّرب وكان مع رفيقه ديب حجازي يشكلان ركنين ثابتين من اركان تجربة واجهت العديد من التحديات والمخاطر حريصين على استقلاليتهما، وهو حرص كلف تلك التجربة الكثير من التجني وسوء الفهم.
شعارها بقي دائماً “استقلاليتنا تساوي وجودنا”، وشعارها الثاني “نحن جسور بين أبناء الوطن والأمة لكي نحصن المتاريس بوجه العدو”.
في هذه التجربة لم يكلف أبا احمد بعمل إلاّ وقام به من دفاع عن الجنوب في الرابطة الشعبية، الى طباعة المنشورات وتوزيعها أحياناً بشكل سري، الى الذهاب معي في العديد من رحلات العمل التي أقوم بها الى دمشق وبغداد والجزائر والمغرب وغيرها من العواصم، الى حمل قضية فلسطين وكل ما هو متفرع عنها من قضايا وفي طليعتها قضية الاسرى والمعتقلين .. خصوصاً ان شقيقه محمد هو احد الاسرى المفقودين لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ ان تصدى مع عدد من اخوانه المفقودين (إبراهيم نور الدين، محمد شهاب، وبلال الصمدي، وحيدر زعيب) والأسيرين المحررين السيد هاشم إبراهيم وحمزة يزبك في تجمع اللجان والروابط الشعبية لانزال صهيوني في منطقة الأولى شمالي صيدا في اليوم الثاني لبداية الحرب الإسرائيلية على لبنان في 5 و 6 حزيران 1982..
عاش يحيى معنا ملحمة بيروت الخالدة وحصارها الوحشي المفروض عليها لأكثر من 82 يوماً كان فيها رمزاً للصمود دون منّة، وللمشاركة في المواجهة بكل أشكالها، فشكّل مع رفاقه في الجمعيات المتآخية في إطار تجمع اللجان والروابط الشعبية ظاهرة لافتة في تلك الملحمة قامت بدورها بصمت وفعالية وكان لها شرف تقديم اول شهيدين هما (عصام اليسير، ومحمد الصيداني)، يوم دخل جيش الاحتلال الى قلب العاصمة في 12/9/1982، ونجحا مع أبناء منطقتهما في وقف التقدم العسكري في محور جامعة بيروت العربية في محلة الفاكهاني صبيحة اليوم الأول للتوغل في العاصمة.
وحين قررت الانتقال من المصيطبة الى الشياح في الضاحية الجنوبية في تلك الأيام رافقني الأخ يحيى مع أخيه الراحل حيدر الخطيب في سيارة للتأكد من سلامة وصولنا الى منزل الأخ الراحل حسن الشيخ محمد زغيب، وقع يحيى وحيدر في اسر حاجز لسعد حداد قرب ثكنة هنري شهاب على مقربة من مخيمي صبرا وشاتيلا في الوقت الذي كانت المذبحة قائمة، وتم احتجازهما من قبل قوات سعد حداد التي اخذتهما الى ساحة تم فيها اعدام المئات لكنهما نجحا في الإفلات من يد القتلة باعجوبة وكانت لهما حياة جديدة.
في السنوات الأربعين ونيّف التي تفصلنا عن تلك الحرب التي نرى صوراً لبشاعتها تتجدد اليوم في غزة، وان كان بحجم أكبر بكثير، لم يغب يحيى، كغيره من رفاق الدرب من مؤسسين لتجربتنا، ومناضلين في هيئاتها، بل كان فيها صلباً مقداماً ذكياً مثابراً جعلته يستحق ثقة رفاقه جميعاً والذين أيضا كانوا منتمين مثله الى مدرسة في العطاء والوفاء والنقاء، وقد واجهت طيلة سنواتها حصاراً متعدد الاشكال شارك فيه احياناً من كان يفترض ان يكون اول الداعمين لها.
ولأن تفاصيل حياة يحيى المعلم (اطال الله في عمره) ورفاقه تحتاج الى مجلّد، لكن في حياته كلها، كان أبو احمد عنواناً للوفاء لقضية بلاده ولرفاق دربه، وللتواضع الذي لا يعرفه إلا الواثقون بأنفسهم، ولصدق لا يمكن لعلاقة ان تستمر دونه، ولطيبة قلب تجعله ضاحكاً بشوشاً في اصعب الأوقات.
اخي يحيى، انك وكل رفيق ورفيقة لك في هذه التجربة الناصعة، كما كل المناضلين والمناضلات، تستحقون كل تكريم.. وتكريمكم الحقيقي هو الاستمرار في نضال ادركت منذ البداية انه الطريق لتحرير بلادنا من كل الأعداء والامراض والثغرات التي نعيشها.
كل تكريم وانت بخير، ولأبنائك احمد وزينب وياسمينا وكل احبائك أطيب التمنيات.. فكل الصعوبات التي واجهتها مع اخوانك ستجدها مرصعة لتاريخك وسيرتك بأسمى آيات المحبة والاعتزاز.