
فلسطين ، قضية مهارة … وليست سلعة تجارة …**كتب الباحث الإعلامي د. باسم عساف
*القضية الفلسطينية ، عنوانْ لأطول صراعٍ دمويٍ وتسَلٌُطيٍ ، وإبادةٌ لشعبٍ كاملٍ ، مع تشريدٍ وتنكيلٍ وتقتيلٍ على مدى أكثرَ من مائةِ عام ، حدَثت بها كلُّ أنواع التلفِيق والتنصِيب والتضلِيل ، مع كلِّ الوسائِل الخَدَّاعة والخَلاَّعة واللَّواعَة ، التي غيَّرت معالِم الأخلاق الحمِيدة ، والسِْيرة المجيدة ، والقيم الوَعِيدة ، فبات العالم أجمَعُه تحت مفاهيمَ جدِيدةٍ ، كلُّ ذلك لأجل مآربَ عنيدَة ، وغاياتٍ بُنِيَت على أسُسٍ فريدَة ، ونزواتٍ صِيغَت بصِفةِ عقِيدة ، سُمِّيَت بالتِلمود والعُهود الجَديدَة ، فإحتَسَبوا مع الصٌُهيونيَّة أمجَاداً سعِيدَة ، وهم يُجسِّدونها بحُروبٍ مَديدَة ، حيث بات العالم بيدهم مَصيدَة ، وإفتعلوا به كلَّ مَكيدَة ، والحَلُّ معهٌم بالقَضاء والتَأبيدَة ...*
القضيَّة الفلسطِينيَّة ، خرَجت عن خطِّ القضِية لحقوق الإنسان ، وعن خطٌِ القضيَّة لحُريَّة الشُعوب في تقربر مَصِيرها ، وعن خطِّ العَدالة ، التي تحفَظُ للنَّاسِ كراماتِهم ، والعيشَ الكرِيم بأمنٍ وأمانٍ ، والتسليم بالإستقرار ، الذي يُعطي لكلٌِ ذي حَقٍ حقَّه بالحياة الحرَّة ، التي تُساهِم في تقدُّمِه وتنمِية شؤونِه على كل الأصعدة ، التي يَتساوى بها مع كُلٌِ النٌَاس والشُّعوب الحُرَّة ، التي تسلِكُ طريقَها دونما التٌَعدي والإعتِداء من الآخرِين عليها ، وفق المعاهَدات الدٌَولية ، ووِفق ميثاقِ الأمم المتَّحدة ، وفيه سبب وجودِها وإنشائِها لأجل إحلال السلام العالمي والعلاقات االدولية ، في ظلِّ نظامٍ عالميٍ تسودُه العَدالة والأمن للجَميع ...
*القضِيَّة الفلسطِينيٌَة مُنذ نشأتِها ، مع إتِّخاذ قَرار إقامَة الوطن القَومي اليَهودي في فلسطِين ، من قبل قادة الصهيونية العالمية ، الذي تمَّ في مؤتمَر بازِل بسويسرا سنة/ ١٨٩٧ ، وهي تتنقَل بين أيدي المُتآمِرين في العالم الغربي ، وبينَ أيدي الخائِنين بالعَالم العَربي ، وقد تبَنَّت هذه الفِكرة، اللَّجنَة السُّباعيًّة من الدٌول الأوروبيَّة ، التي عَقدَت مُؤتمَرِها في لندن سنة/ ١٩٠٧ بدَعوةٍ من رئيس وزَراء بريطَانيا ناومن ليبرمان وأقرُّوا به قِيام الوَطن القَومي اليَهودي في فِلسطِين لعِدٌَة أسبابٍ في غايَة تقسِيم الأمَّة وشَرذمَة السَلطنَة العُثمانيَّة بالأرضِ والعَرض ، والعقِيدة التي تحملها ، ومن أجل تفريقِ الشُعوب التي تقتدي بها ، وتتٌَحٍد في مُسطَّح أرضٍ بين آسيا وأفريقيا وأوروبا ، وهذا ما يُشكِّلُ أكبَر خَطرٍ على العالمِ الغربي والشَّرقي ، والمٌستعمَرات التي تٌسيطِر عليها بالإحتِلال والإستٍغلال ...*
بدأت الحَملات السِّياسيَّة والإعلامِيَّة والإقتِصَاديًّة ، كما الأمنيًّة والحَربيَّة والشَّيطانيَّة التي ترتَكِز على النِّفاق والإحتِيَال والتًّفرِيق بين الشُّعوب بدَعوات العُنصُريَّة والقَوميَّة والإثنِيَّة والسِّريَّة لتَتغلغَل في النٌفُوس ، حتى تتصَدَّر بالنٌصُوص ، فكَانَت الدَّعواتُ التُّركيَّة ، والفَارسيَّة ، والصَفَويًّة ، والكٌرديَّة ، والعَربيَّة ، والقِبطيَّة ، والبَربريَّة ، والأمَازِيغيَّة ، وغيرها من الدعوات العَشائِريَّة ، والدِّينيَّة ، والعَصبيَّة ، التي يَعتَّدُّ بها ذَوي النُفوس الضَّعيفة أمَام السُّلطة والمَال ، وأصحاب الرؤوس الفارِغة ، التي تمتَلِئ بالأبَّهَة والجَاه والنُعوت ، التي تنتَهي بالنُّعوش ، من بعد التَّغنِّي والتَّفاخٌر بالعُروش ، وإمتِلاء البُطون والكرُوش ، كما الحَيوانات والوُحوش ...
*لقد إجتَمعت الغايَة والأهدَاف بين المُتآمِرين والخَائِنين ، وباتًت الوَسيلة التي تتَناسَب مع كلِّ حالةٍ من الحَالات ، التي إختَرعهَا المُتآمِرون لتَمزِيق الأمَّة ، تسري كالنَّار بالهشِيم عِند الخائِنين ، الذين يَلهثُون نحو السُّلطة والمَال ، فبَاتوا سِلعَةً طيِّعةً بين أيدِيهِم ، يُسيِّرونَهم كَيفَما كان ، كالقَطيعِ الجَائِع ، الذي يَتراكَض نحوَ المَأكل والمَشرَب ليسَ إلاّ ، وهي بين أيدِيهم ويَستَطيعون تَجواعِهم أو مَأكَلِهم متَى شَاؤوا وأرَادوا ، وبِذلك تتحَقَّق غايَتهُم التي تُبرِّر الوَسِيلة ، التي يَتعامًلون بها مع كل حالةٍ أو فِئةٍ من هَؤلاء الخَائِنين ، وِفق أهوَائِهم ونَزوَاتِهم ...
*وعليه فقَد وزَّعوا المِنطقَة التي أسمُوها الشَّرق الأوسَط نسبةً لبلاد الإستِعمار الإنكليزي والفَرنسي ، إلى بلادٍ ودولٍ وأوطانٍ وممالكَ وسَلطناتٍ وإماراتٍ ، قد وُزِّعَت عليهِم بالتَّراضي ، مُقابِل خِيانَتهِم لأمًّتهِم والتَّسلِيم بِمُقوِّمَات البِلاد للمُتآمِرين ، الذين أقامُوا الوطَن القومِي اليَهودي في فلسطِين ، حيث قدَّموها قُرباناُ لآلهتِهِم ، حيث يَنقادُون لهُم تَطواعاً ، لأنَّهم أولِياء نِعمَتهِم بالسُّلطَة والمَال ...*
هكَذا مَرَّت الأيَّام والسُنون ، من بعد إنتِصار الحُلفاء وخاصَّةً ( إنكلترا وفرنسا) ، التي وزَّعَت الغَنائِم بالأراضي والشُّعوب ، حسَب أهوائِها ومَصالحِها ، حيث زرَعت اليَهود ، المُستَورَدين مِن أوروبا وغيرِها ، وفق وَعد بِلفور المُتآمِر ، وتلبِية الشَّريف حسين والأشرَاف الخَائِنين أمثَالَه ، وِفق رَسائِل مَاكمَاهون ومُقرَّرات سايكِس بِيكو ، التي توزَّعت المَغانِم بينَهم ، كَمِثل عَمليَّة تِجارَة المُقايَضة : الأرضُ مقابِل السُّلطة والمَال ،ولِكُل أرضٍ ثمَنُها من السُّلطات والبَلاط ، وفَتح مَجالاتِ الإستِقواء وتسَلُّم زِمام الأمورِ ، لأجلِ السَّيطَرة والهَيمَنة على مُقدَّرات الأمَّة في الأرض ومُقوِّماتِها وإنتاجِها ...
وليس آخراً : شُعوبَها التي بِيعَت من ضِمن الصَّفقَات ، التي عُرِفَت بالتَّطبِيع الكُلِّي ، والمُعاهَدات تحتَ مُسمَّى( السًّلام ) وتَنميَّة المِنطقَة بعدَ تَكريسِ الكِيان الصُهيوني المُسمَّى (إسرائيل) ، حتى يَتمَكًّن من مُقرَّرات جامِعة الدُّول العربِيَّة ومُؤتمَرها بالسُّودان ، التي تُخوِّنها لأجلِه وتعمَل بعكسِها كما : لا إعتِراف ، لا تفَاوُض ، لا إعتِراف ، لتتَحقَّق جميعُها عَكسِياً ، تَطبيقاً لإرادَة الكِيان الشَّيطاني مع أبالِسَته المُتسَلِّطين …
ما نُشاهِدُه اليَوم ، وما يَجري على أرض فلسطين ، بل على أرض الأمَّة والشَّرق الأوسَط ، المُستَهدَف لإقامَة الوَطن القومي اليَهودي ، تحت مُسمَّى( إسرائِيل الكُبرى) والذي يَقضِم الأرض والبِلاد ، وِفق قاعِدة كيسِنجر : (بالخُطوَة خُطوَة ) مع السُّكوت المُطبٍق لكلِّ الأنظِمَة العربيَّة والإسلامِيًّة ، ومع التَوافُق الدَّولي ومُساهمَته بضَغط من الصُّهيونيًّة العالميَّة ، على مٌساعَدة الكِيان بالإستِيطَان ، والتَّوسُّع والإبادَة لِشعب فلسطين ، وخاصَّةً ما يَجري في غزَّة من قتلٍ وتدمِيرٍ ، لكلِّ مَا هو إنسانٌ وحَجرٌ وبَشرٌ . حتى طالَ إجرَامَه كُلَّ المَشافِي والمَآوي والمُخيَّمات القِماشِيَّة وإحراقها بمن يأوي فيها دونَ إعتبارٍ للأطفَال والنِّساء والشُيوخ ، أو أيِّ مَدن؟ِي مُسالِم ضَاربين بِعرضِ الحائِط كلَّ المُقرَّرات والمُعاهَدات الدَّوليَّة والعَربيَّة وكٌلِّ الأنظِمة والمَحاكِم العالميَّة ، التي تُطلِق العنَان في فَضاء القَانون الدَّولي ، الذي تبخَّر مع هَيمَنة المُتآمِرين من الصُّهيونيَّة العالمِيَّة ، والخَائِنين من أنظِمة الأمَّة والدٌول العربيَّة …
القضيَّة الفِلسطينيَّة ، التي عِشنا مَسارَها على مَدى أكثرِ من مائة عام ، وكانَت لنا مَادًّةً دسِمةً في الواقِع العَربي والإسلامي ، وكانت المَادَّةُ الأساسِيَّة في المَناهِج التَربَويَّة المَدرسيَّة والجَامِعيَّة …
حتى ، وأنَّها كانَت هي المُقدِّمة لِكلِّ نًشاط وتحَرُّكٍ شَعبيٍّ أو رَسمِيٍ في كلِّ الدُّول ، وخاصَّةً عند شُعوب الأمَّة ، ليَتبَيَّن لنا وللعَالَم أجمَع ، مَدى الخِيانَة والعَمالة وتأثِيرها على القَضيَّة ، التي بانَت بأنَّها سِلعةً تجارِيةً يَتداول بها المُتآمِرون مع الخَائِنين على قاعِدة : (على عَيني وعَينك يا تاجِر) ، من دون خَجل ولا وجَل ، كما كانَت قاعِدة خَطِّ المُمانَعة والمُسانَدة ، وأرضُ جَبهة المُقاوَمة والمُواجَهة ، التي سَلك دَربها النِّظام السُّوري كَعيِّنةٍ من هَذه الأنظِمة …
وما جَرى فِيه على مَدى السَّنوات البائِدة ، وما يَجري له على مَدى الأيَّام القادِمَة، لتَكون عِبرةً لكُلِّ الخَائنِين من الأنظِمَة والمُنظَّمات ، بأنَّ فِلسطِين ليسَت سِلعَةً للتِجارَة ، إنما هي قَضيَّة مُقاوَمة مُستَمِرَّة بجَدارَة ، وهي مَسألَة عزيمَةٌ وإرادةٌ ومَهارَة ….