مقالات

حضارةالإسلام ركائزها أمم متحابة ومنسجمة (5_5)بقلم: د.رعدهادي جبارةالأمين العامل لمجمع القرآني الدولي

خصوصية المفردة القرآنية(54 )
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ…﴾
[الجمعة: 2]☆دفاعنا عن العرب كأمة ليس هجوماً على غيرهم ولا مدحاً للحكام الحاليين و ندعو للمحبةوالتسامح بين الشعوب☆.
📌مقدمة:
منذ اللحظة الأولى لنزول الوحي، قدّم الإسلام فلسفة مختلفة تماماً لفهم الأمم و الشعوب.
فهو لا يقوم على التفاضل بالقوميات ولا الأعراق، لكنه لا يلغي الخصوصيات ولا يتنكر للواقع التاريخي.
لقد جعل معيار الكرامة [التقوى] ، لكنه في الوقت نفسه اعترف بفضل مسلمي صدر الاسلام في حمل الرسالة، ووردت روايات كثيرة تنهى عن ذمّهم، لأن الرسول ﷺ وآله كان ابن اسرة عربية، وهو من العرب لحماً ودماً ونسباً:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا <مِّنْهُمْ> يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ…﴾
[الجمعة: 2]كلمة (الأميّين) على قول جمهور المفسرين تعني العرب الذين يقطنون ام القرى؛مكةوما حولها، وعبارة [مِنْهُمْ] تعني أنه من جنسهم وقومهم.وهذا أقوى تلميح في القرآن إلى كون النبي ﷺ وآله من العرب ومن قريش.
في هذا المقال الأخير من السلسلة، نعرض كيف جمع الإسلام العرب وغير العرب في حضارة واحدة، دون مشاعر شوفينية .

📌أولاً: العرب الأوائل قدموا خدمات كبيرة للإسلام
القرآن لم يمتدح العرب لأنهم عرب، بل:
1.اصطفى الله ﷻنبينا محمداًﷺ وآله منهم:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ}.
2.جعل ﷻ لغتهم وعاء الوحي:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}.
3.امتدح الأمة التي حملت الرسالة أول مرة:

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.(يا أيها الذين آمنوا..)
وهذه الآيات لا تعني تفضيل عِرقٍ على آخر، بل تعني:

أن العرب كانوا الحاضنة الأولى للوحي.

وأن الأمة التي آمنت بالنبي منذ البداية كان لها فضل السبق: {والسابقون السابقون.اولئك المقربون}.

وأن الاختيار الإلهي لحامل الرسالة منهم ليس ذماً لغيرهم ولا عصبية لقوميتهم،بل لأنهم أهل لذلك.

📌ثانياً:روايات كثيرة تنهى عن ذمّ العرب
ورد في التراث الإسلامي عدد من الروايات-بمستويات مختلفة من الصحة-تنبه إلى أمرين:
1.النهي عن سبّ العرب. فالعرب لهم مزية من جهة أنهم رهط النبي ﷺوآله، وأن الله بعثه فيهم وبعثه بلسانهم، فلهم مزية من هذه الحيثية أنهم حملوا الإسلام وهم رهط النبي ﷺوآله.
2.التذكير بأن النبيﷺ وآله عربي، وأن العرب هم قومه وأهله ونسبه.
ومعنى ذلك:
أن الذمّ القومي غير مقبول شرعاً.
وأن احترام العرب؛ احترامٌ لأمة النبي وآله، فهم أهله وعشيرته .
🔹يقول الامام علي(ع)في “نهج البلاغة”:«فَنَظَرَ اللهُ سُبحانَهُ فِي جَوَّالِقِ العَرَبِ فَوَجَدَ مُحَمّداً خَيْرَهُم نَسَباً وَأَفْضَلَهُم مَوْضِعاً…»
(الخطبة 192)
المعنى:
اختيار اللهﷻ للنبي محمد ﷺ وآله من بين العرب كان رفعةً لهم جميعاً.
وكان العلماء الأوائل يعبرون عن هذا المعنى بقولهم:
«محبة العرب محبة لرسول الله، وبغضهم بغضٌ له»

📌ثالثاً: الإسلام لم يبنِ حضارته بأمة واحدة
فبعد تأسيس الدولة الإسلامية،في المدينة و توطيدمؤسساتها المدنية وقواها العسكرية؛ دخلت شعوب جديدة في الدين بالفتوحات:
الفرس،الروم،الأمازيغ،الأتراك،الهنود،السلاجقة،الأكراد،الأفارقةوغيرهم
فأصبحت الحضارة الإسلامية عابرة للقوميات، لكن العرب ظلوا أول حلقة فيها، والحلقة التي حملت النصّ، وحمت لغته، ونقلت سنّة النبي، ووضعت الأسس الأولى للعلوم.أما العرب الكفار فلا فضل لهم، وهكذا العجم الكفار لا فضل لهم .
إذن الإسلام:
بدأ في بيئةعربية عند نزول الوحي ،وانطلقت مفاهيم الاسلام باللغة العربية.وأصبح عالمياًبالمشاركة الحضارية الواسعة.
لا يمكن أن نفصل بين الأمرين.فمن ضحى لنشر الرسالة وجاهد و استشهد من أجلها لايمكن إنكار فضله، بحجة أن حفنة من أهل مدينته قاوموا النبي (ص) بادئ الأمر.

📌رابعاً: كيف تناغم العرب وغير العرب في صنع الحضارة؟
1.العرب حملوا النصوص،فقدجمعوا ودونوا وحفظوا القرآن، و وضعوا قواعد النحو، ورووا الحديث، و أسسوا الفقه الأول.
2.الأمازيغ والأكراد والبلوش والفرس و الروم وغيرهم استجابوا للدعوة التي حملها لهم العرب وابدعوا في العلوم
وكان التعاون و الانسجام بين العرب و غيرهم نموذجاً فريداً في التاريخ الإنساني.
3.الإسلام أذاب العصبيات
رفع القرآن العصبيات، فصار المسلم يُعرف بدينه وأخلاقه، وإن أحب قوميته أو قبيلته.
ومع ذلك لم يمحُ الإسلام الهويات، بل نظّمها تحت مظلة واحدة.

📌خامساً: لماذا ينهى الإسلام عن سبّ العرب أو غيرهم؟
لأن سبّ الأقوام يفتح أبواباً خطيرة:
1.إحياء العصبيات الجاهلية.
2.إشعال الأحقاد بين الشعوب.
3.تشويه قراءة التاريخ.
4.هدم وحدة الأمة التي بناها الإسلام.
والحقيقة أن سبّ العرب اليوم ليس إلا انفلاتاً أخلاقياً، وقد يصدر—كما ذكرنا في المقال السابق—من قلّة قليلة من الشعراء و الكتّاب الذين خافوا من بطشالحكام، فصبّوا غضبهم على الناس والقبائل والأجداد.وهذا جعلنا نوضح الحقائق في سلسلة من المقالات.

📌سادساً:العرب أمة حملت الرسالة للعالم
لا يمكن إنكار حقيقة تاريخية:
🔹العرب هم الذين قالوا الشهادتين أولاً بعد ان عارضها متنفذو قريش مدةً.
🔹وهم الذين حملوا القرآن أولاً.
🔹وهم الذين نشروا الإسلام وبشروا به بقية الشعوب حتى صار خيراً عاماً للناس.
🔹وهم الذين هيّأوا الطريق لتشارك الشعوب كلها في حضارة الإسلام.
وهكذا:
العرب كانوا البداية… والأمم الأخرى كانت الامتداد.وبهما معاً قامت الحضارة الإسلامية.

📌الخاتمة:
الإسلام لم يُبنَ بالتعصب، ولا بالذمّ، ولا بالشتم، بل بالعدل والاحترام والتكامل.
العرب هم أمة النبي ﷺ وآله، الذين حملوا رسالته الأولى، وخاضوا الحروب إلى جنبه وضحوا بأنفسهم.
🔹نهى الإسلام عن سبّ العرب، ونهى كذلك عن سبّ غير العرب، لأن الأمة وحدتها ليست بالدم بل بالإيمان، ولا بالنسب بل بالقيم.
🔹وبذلك اكتملت صورتنا:الإسلام رسالةٌ عالمية بدأت عند العرب، ثم صارت حضارة إنسانية ركائزها أمم متحابّة ومنسجمة، وهذا هو مانركّز عليه الآن.أما من ينتقد الحكام فنحن معه و نؤيده.
📌الخلاصة:
كان للعرب دور مهم و مساهمات جليلة في نشر الإسلام والرسالة المحمدية [بعد أن قاومه عند الظهور جمع من نافذي قريش ،ثم مالبثوا أن قتلوا أو أسلموا]، وكذلك في تهيئة البيئة لازدهار المعرفة وبروز العلماء من مختلف الأمم. إذ:

  1. هوية النبي العربي كعامل مساعد: فكون النبي محمد (ﷺ وآله) عربيًا ميزة مهمة له، حيث كان للمجتمع العربي إحساس قوي بتقبّله وفهم مايقوله لهم، بسهولة.
  2. الدعم الأولي والحماية: لعب العرب دورًا حاسمًا في حماية النبي (وآلـﷺـه) ودينه:كالأنصار
    والمهاجرين، فلهما دورأساس في نشر الإسلام. أظهر الأنصار نكرانًا للذات وتفانيًا كبيرين،واستبسل المهاجرون في تحقيق انتصارات عديدة للإسلام.وكانوا من العرب عدا 3.
    3.فالإمام علي بن أبي طالب (ع)-وإخوته وأبناؤه واحفاده عرب،ولهم الدور الأعظم في نشر الإسلام،مع السيدة خديجة الكبرى، وقد كانت مساهمتهما في ترسيخ الإسلام مثالية..
    إن الفكر الإسلامي الذي تبناه العرب وساعدوا في نشره، زرع بذور التقدم العلمي ليس فقط في محيطهم العربي بل امتد إلى بقية أجزاء العالم الإسلامي التي ضمت أممًا غير عربية.مع قبول مساهمات غير العرب حيث أظهر هؤلاء قبولًا لمساهمات غير العرب بكل رحابةصدر.
    5.ساهم علماء المسلمين (العرب وغيرهم)بشكل كبير في تطور البشرية والتقدم العلمي في مختلف المجالات.
    ننشرالمصادر في المقال التالي،لاحقاً
    ⏹️انتهى▶️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى