
ثلاثي السلطة، المركزي والمصارف : سرقات موصوفة لأموال المودعين . \ نبيل الزعبي
في واحدة من اكبر عمليات النصب المتواصلة التي يتعرّض لها المودعون في المصارف اللبنانية ، ما ورد مؤخراً على صفحات اكثر من وسيلة صحافية وإعلامية عن الخطة الحكومية الرامية إلى كيفية تسديد اموال المودعين إلى اصحابها لا سيّما الفئة صاحبة الإيداع بالليرة اللبنانية التي حولت حساباتها إلى الدولار الاميركي بعد التاسع من تشرين ٢٠١٩ حيث لحظت الخطة تسديدها على اساس احتساب ٣٥ الف ليرة لبنانية للدولار الواحد المسعّر رسمياً ب ٨٩٥٠٠ ليرة لبنانية اي بشطب ما قيمته ٥٤٥٠٠ ليرة لكل دولار ما يعني ان المودع لم يكن فريسةً سهلةً للمصرف الذي يتعامل معه وحسب بل تحوّل إلى “كِبشٍ” مذبوح على مائدة اصحاب المصارف والسلطة اللبنانية ومصرف لبنان معاً ، هؤلاء الذين لم يكتفوا بكل الاقتطاعات الشهرية من حسابات المودعين وانما تجرأت خططهم الجهنمية على التمييز بين المودعين بالليرة وغيرهم بالدولار متجاهلين ان مصرف لبنان عندما عمّم على المودعين بالليرة استبدال إيداعاتهم بالدولار بعد انتفاضة تشرين العام ٢٠١٩ لم يكن الدولار حينها قد وصل في ارتفاعه الى مستوى الالفي ليرة لبنانية ولو تسنّى للمودع حينها سحب امواله وحوّلها إلى الدولار لما تجاوزت خسارته الخمس عشرة بالمئة من سعر قيمة الصرف الرسمي المحددة ب١٥٤٧ ليرة في اعلى تقدير ، فكيف تفتقت عبقرية ثلاثي المنظومة السلطوية والمصرف المركزي والبنوك إلى تحميل المودع خسارةً تتجاوز الستين بالمئة من حقوقه المتوجب دفعها له حتى مع احتساب الزيادة الملحوظة على سعر الدولار في حينه .
على من يضحك هذا الثلاثي المتذاكي وهم يأخذون بوصلة التصحيح المالي إلى غير وجهتها الأساسية متجاهلين كل من استغل انهيار الليرة اللبنانية في أيامها الاولى ف”نَصَبَ” وعن سابق تصوّر وتصميم على الآلاف من المودعين الذين صدّقوا خدعة الشيكات البنكية المباعة بنصف أثمانها الحقيقية وكم عدد المصارف وشركات الصيرفة التي تواطأت لتقتسم قيمة هذه الشيكات الحقيقية ، ومن استغلّ الأوضاع المالية المنهارة ليسدّد ملايين الدولارات التي عليه سدادها للمصارف على سعر ال ١٥٤٧ ليرة للدولار ومن هي المصارف التي سهلّت ذلك وكم عدد المدراء والموظفين الكبار الذين اثروا وتنامت ثرواتهم بفحشٍ غير مسبوق على حساب المودعين ، وهنا يمكن الاستعانة بما تنقله الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل عن مدى كمية هذه السرقات وحجمها سيّما ان احد المواقع كشف مؤخراً عن “توقيف مديرة أحد المصارف اللبنانية بعد ان قامت بسرقة أكثر من مليون دولار من حساب أحد المودعين”( موقع جمعية أموالنا لنا ٢٥/٩/٢٠٢٥) ، هذا إذا لم نتطرّق بعد إلى سائر ” المحظوظين” الذين عرفوا كيف يهرّبون أموالهم إلى الخارج وقطعاً ، ما كانت لهم كل هذه الحظوات لولا ان ايادٍ داخلية سهلّت ومرّرت واستفادت وكان لها نصيبها من كل ذلك .
هؤلاء هم الحيتان واللصوص الكبار المطلوب تسليط سيف العدالة فوق رؤوسهم اليوم ان لم يكن غداً وقبل البارحة ، وفي كشفهم وتسميتهم ستتظهّر جيداً حقيقة الأزمة المالية وخلفيات انهيار العملة الرسمية للبلد طالما ان القَسَم الرئاسي والبيان الوزاري تعهدا بإعادة الحقوق إلى المودعين والحقوق لا يجوز ان تعود الى اصحابها مبتورةً ومنهوبةً بعد السنوات الست التي انقضت والسنين الاخرى المحددة لتسديدها وقد فقدت من قيمتها الشرائية بقدر ما تعرضت للاقتطاع او الhaircut على ايدي المصارف وما ستفقده قيمتها الشرائية في السنوات المقبلة في ظل التضخُّم المالي الحاصل والغلاء والمتراكم ليبقى المودع وحيداً في مواجهة كل هذه الأزمات سواء كان يملك أرصدته بالدولار قبل التاسع عشر من تشرين اول ٢٠١٩ او ما بعده عندما حوّل رصيده اللبناني إلى الدولار وفي كلا الاحوال تبقى المصارف هي ( امرأة القيصر ) الممنوع تجريمها امام مصرف مركزي ووزارة مالية يتعدى دورهما شهود زور ان لم نقل اكثر من ذلك وهم الشركاء بدون منازع في هذا الشِرك المنصوب للمودعين اليوم على ايدي اكبر وأضخم “لوبي” صَهَر ميلشيا الفساد السياسي والمالي والمصرفي معاً في بوتقةٍ واحدة ، من القليل القليل تسميتهم بعصابة اشرار لم تزل تتبادل ادوار تحميل المسؤوليات على بعضهم البعض بهدف تمويه الحقائق تمهيداً لفرض امراً واقعاً على المودعين خلاصته : عليك ان تقبل بما ستحصل عليه اليوم مهما كانت قيمته او لن يكون لك عندنا اي حقٍ غداً .
