
دور الإعلامي أوسع من نقل الأخبار والصور والتعليق عليها \ أسامة إسماعيل
على الإعلامي والمثقف الحقيقي أن يأخذ بمفهوم الإنسان كائن فردي _اجتماعي بشروط وحدود ويسير عليه فيعارض وينتقد كل مالايتوافق مع اقتناعاته وحريته واستقلاله وكرامته وحقوقه، وأن يقول ويكتب وينشر مايريده هو لامايريده السياسيون والأحزاب والجماعة والطائفة والسلطة الدينية المذهبية وهذه الدولة الخارجية أو تلك. وإن دور الإعلامي الحقيقي أكبر واوسع من نقل الأخبار السياسية والأمنية الآنية واليومية والتعليق عليها وتحليلها والدعاية السياسية والإنتخابية والإيديولوجية والدينية المذهبية.
دوره يبدأ بنقد المجتمع
إن دور الإعلامي والمثقف الحقيقي يبدأ بنقد المشكلات والشوائب والسلبيات في المجتمع الذي يعيش فيه والمجتمعات الأخرى، وكذلك نقد السلوك السيء الذي يقوم به بعض الأشخاص مثل “التشبيح” و”الشيطنة” والإزعاج والتعدي على حرية الآخر وخصوصيته وكرامته وحقوقه بغطاء من قبل نافذين وتغاضي المجتمع عن سلوكهم السيء. ولوقام الإعلامي والمثقف بهذا الدور منذ البداية لماسادت هذه الظواهر الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والأمنية السيئة جدا”، ولمااستطاع الطفيليون والفاسدون وغير الجديرين والإمعة والوقحون أن يصلوا إلى المناصب والمراكز العليا والوظائف وان يحكموا غيرهم وان يغنوا ويثروا على حساب غيرهم وخاصة الأفضل والأجدر منهم.
أسباب انحسار هذا الدور
هذا الدور انحسر، على الاقل في لبنان، لأن الإعلام حصر في هذا البلد بنقل الأخبار السياسية والأمنية والإنتخابية والتعليق عليها وتحليلها وتقديم البرامج الترفيهية الخفيفة والسطحية، والدعاية السياسية والإنتخابية والدينية المذهبية، بسبب تبعية معظم وسائل الإعلام في هذا البلد لسياسيين وأحزاب وسلطات دينية مذهبية وحاجتها إلى التمويل والدعم والغطاء لتبقى وتستمر ولأجل الأهداف التجارية وتحقيق الأرباح، وكذلك غياب التنظيم الشامل والعادل لوسائل الإعلام، حيث تقف التبعية و”المحسوبية” Favouritism وغياب هذا التنظيم جدارا”حديديا” أمام الإعلامي والمثقف الحقيقي الحر المستقل، فممنوع عليه أن يكون له دور وقرار وراي وتأثير وعمل ودخل مالي ومكانة واحترام في مجال الإعلام والصحافة في هذا البلد. فمن كان تابعا”ومحسوبا” ومتملقا”ومداحا”وهجاء”تمنح له الوظيفة وفرصة العمل والإستثمار والمنصب والدخل المرتفع والشهرة وإن كان غير متخصص بالإعلام والصحافة ولايملك حتى شهادة البريفيه أو البكالوريا القسم الأول ولاالذوق السليم. بل إن بعض وسائل الإعلام تسهم عن قصد أو عن غير قصد في تضييق الخناق على المتخرج من كلية الإعلام، الذي يعمل في هذا المجال، عبر الدعاية وفتح الباب واسعا”امام العامة للانخراط في دورات تأهيل وتدريب للعمل في مجال الإعلام المرئي l’information audiovisuel فتزداد المنافسة الشرسة غير المشروعة ضد المتخرج، وحالة غياب التنظيم الشامل والعادل لهذه المهنة ويزداد ترسيخ المفاهيم والقيم التقليدية والجامدة والسطحية والقشور المتعلقة بالدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والفن والإعلام، نظرا”الى أن هذه الوسائل Mass Media غير مستقلة وغير نخبوية وغير ناقدة وغير متخصصة.
الإعلامي ليس مداحا” وهجاء”
الإعلامي الحقيقي ليس مداحا” ولاهجاء”ولامتملقا” ولامجاملا”ولامنافقا” بل هو يعترض وينتقد كل مالايتوافق مع عقله وإرادته واقتناعاته وحريته واستقلاله وكرامته وحقوقه وانسجامه مع نفسه في الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والفن دون خوف ويقترح البدائل الأفضل. ففي الدين يرفض وينتقد عبادة الأشخاص أو تقديسهم والولاء لهم بعدما جاءت الأديان لتحرير الإنسان من عبادة الاصنام والأوثان والأشخاص والجماعات وتقديسهم، و لترسيخ عبادة الله الواحد الأحد، كما يرفض الأساطير والخرافات المدسوسة في الأديان وارجاع كل شيء إلى سبب ديني أو غيبي، وكذلك يرفض اعتبار “رجل الدين” اعلم وأفهم من غيره في كل شيء، فلديه اختصاص محدد هو العقيدة والشريعة الدينية أو الفقه،وليس أعلم من غيره وأجدر في مجالات السياسة والإدارة والإجتماع والإقتصاد والنفس والأمور العسكرية. ويرفض الإعلامي والمثقف الحقيقي أن يكون هدف السياسة الإنتخابات الشعبية والزعامة والسلطة وتمكين ناس على حساب آخرين كمايرفض العصبية الطائفية والحزبية والعشائرية على أساس القول المبتور :”أنصر أخاك ظالما” ومظلوما”” دون اكماله بجملة :”بأن تردعه عن ظلمه…”. فيغطي بعض السياسيين والأحزاب و “رجال الدين” والمجتمع المزعجين والوقحين والفاسدين و”الشبيحة” والكذابين والطفيليين والإنتهازيين وغير الجديرين والمنافسين غير الشرعيين بحجة الإنتماء المذهبي والطائفي والحزبي والعشائري بل إنهم يمكنونهم اقتصاديا” واجتماعيا”ومعنويا”على حساب النخبوي الحر المستقل الجدير.
الموقف من الإصلاحات الجزئية
الإصلاحات الجزئية التي تستهدف بمعظمها القطاع المصرفي ومشكلة الودائع وقانون الإنتخابات لاتعالج مشكلات الواقع الإقتصادي والإنمائي والإجتماعي مادامت التبعية الطائفية والحزبية والعشائرية و”المحسوبية” وغياب التنظيم الشامل والعادل والمتكامل مستمرين. وهذا الواقع السيء لايتغير بانتخابات شعبية وتظاهرات شعبية وافتعال أزمات، وباصلاحات جزئية ومؤقتة، وهذه الأمور أسهمت ولاتزال تسهم في استمرار الدوامة أو الثقب الأسود The black hole الذي تغيب فيه العدالة والحرية والإستقلال الحقيقيين والإصلاح الشامل والعادل واللاطائفية وقيمة الفرد النخبوي الحر المستقل.فمايحتاج إلى إصلاح وتغييرات هو النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي والإقتصاد الرأسمالي المفتوح والسياسة الشعبوية الإنتخابية الطائفية الحزبية وقانون الأحزاب والتربية.
الإعلامي والمثقف الحقيقي يرفض أن توضع السياسة والإدارة والقيادة والإقتصاد والإعلام بين أيدي جهال وسطحيين وغير جديرين وفاسدين وامعة وانتهازيين وطفيليين عبر الإنتخابات الشعبية العددية والتظاهرات الشعبية وافتعال الأزمات المالية والنقدية والإقتصادية والتبعية والتحزب والطائفية والمحسوبية والتملق والتزلف والمحاصصة والدعم الخارجي. ولأنه متحرر ومستقل يرفض الإحتلال وخاصة الإحتلال الإسرائيلي وحروبه والسياسة الداعمة له من قبل بعض الدول الكبرى ولكنه في الوقت ذاته يعارض الطريقة التي تدار بها المواجهة ضده، ويرفض استغلال “المقاومة” لأجل الزعامة والسلطة والسيطرة وتأمين مصالح مادية ومعنوية لفئة معينة من الناس على حساب آخرين وخاصة المتحررين المستقلين، وكذلك يرفض استغلال “المقاومة” لأجل نشر وترسيخ معتقدات ومناسبات وعادات وطقوس مذهبية وحزبية تتعارض مع جوهر الدين والعقل والعلم والمنطق وحرية الفرد واستقلاله وكرامته.والإعلامي والمثقف الحقيقي ضد فتح جبهات حروب تعطي هذا الكيان ذرائع وأسبابا”لشن حروبه التدميرية والفتاكة وتوسعتها، ولكنه في الوقت ذاته ضد اتفاق سلام تعطي الكيان أكثر مما تأخذ منه وتقر بالأمر الواقع الذي فرضه وتتغاضى عما فعله وعما يستمر بفعله رغم اتفاقات السلام المعقودة معه.
أسامة إسماعيل
