مقالات

بلديات الفيحاء تُجبر على الإفلاس: مناقصة نفايات بلا تمويل \ ناريمان الشمعة

في طرابلس والميناء والبداوي والقلمون، لا تُجمع النفايات فقط من الشوارع، بل من أعماق أزمة مالية وإدارية باتت تهدد وجود البلديات نفسها. فالمناقصة العمومية التي أطلقها اتحاد بلديات الفيحاء في أيلول 2025 لتلزيم أعمال كنس وجمع وترحيل النفايات، تحوّلت من إجراء روتيني إلى اختبار وجودي: هل تستطيع البلديات أن تدفع؟ وهل يحق للدولة أن تُلزمها بذلك؟
مناقصة بـ 6 ملايين دولار… بلا تمويل
المناقصة التي تزيد قيمتها عن ستة ملايين دولار أميركي، والتي أُعلن عنها في أيلول الماضي، لم تكن وليدة خطة استراتيجية، بل جاءت كردّ فعل على انتهاء عقد شركة “لافاجيت” بعد سنوات من التمديد الرسمي وغير الرسمي، وإضرابات متكررة نفّذتها الشركة احتجاجًا على تأخر مستحقاتها. لكن جوهر المشكلة لا يكمن في المناقصة نفسها، ولا في حجم العقد، بل في غياب أي مصدر تمويل واضح له. فالصندوق البلدي المستقل، الذي كان تاريخيًا يتكفّل بتغطية مثل هذه العقود، بات شبه مفلس. والوزارات المعنية، بدلًا من إيجاد حلول مستدامة أو تأمين دعم مالي، تنصّلت من مسؤولياتها وألقت بالعبء الكامل على البلديات، التي بالكاد تستطيع دفع رواتب موظفيها.
ضغوط مركزية… ورفض بلدي
وفق مصادر مطلعة، تمارس وزارة الداخلية ووزارة المالية ضغوطًا مباشرة على البلديات الأربع لتحمّل كامل الكلفة، رغم أن المجالس البلدية تعاني أصلًا من عجز في دفع رواتب موظفيها وعمالها. وقد أقرّت هذه المجالس الموافقة من حيث المبدأ على إجراء المناقصة، مع رفض صريح لتحمّل أي التزام مالي. لكن الضغوط لم تتوقف، إذ طُلب من رؤساء البلديات حضور جلسة فض العروض المقرر عقدها اليوم الأربعاء، ما قد يُفسّر لاحقًا كموافقة ضمنية على الالتزام بالدفع، وهو ما يُعرّض البلديات لمخاطر قانونية ومالية جسيمة.
صفقة ناقصة… وكلفة إضافية قادمة
ما يزيد الطين بلة أن الصفقة الحالية لا تشمل كلفة الطمر وإدارة المطمر، إذ أن دفتر الشروط ينص على كنس وجمع وترحيل النفايات إلى المطمر ولا يشمل طمرها. ومن المتوقع أن يُطلق الاتحاد مناقصة منفصلة للطمر والمعالجة في وقت لاحق، ما يعني تحميل البلديات كلفة إضافية غير محسوبة، قد تصل إلى ملايين الدولارات سنويًا. هذا الترتيب يُنذر بأن البلديات ستُجبر على دفع كلفة مزدوجة: جمع النفايات أولًا، وطمرها ثانيًا، دون أي مصدر تمويل مركزي.
البلديات تتحوّل إلى جُباة… لا مؤسسات حكم محلي
في حال إقرار المناقصة وتوقيع العقد دون تمويل مركزي، ستتحوّل البلديات الأربع فعليًا إلى جُباة ضرائب ورسوم فقط لتسديد كلفة عقد النفايات، ولن تعود قادرة على دفع رواتب موظفيها وعمالها، كم ستتآكل قدرتها على أداء أي وظيفة أخرى. فما بالنا بتنفيذ أي مشروع إنمائي أو بيئي أو اجتماعي.
هذا الانحراف في الدور يُفرغ البلديات من مضمونها كمؤسسات حكم محلي، ويُحوّلها إلى أدوات تنفيذية لصالح شركة متعهدة، في ظل غياب أي خطة حقيقية متكاملة لإدارة النفايات أو دعم البلديات وتمكينها من القيام بدورها التنموي والخدماتي.
أين تبخّرت عائدات الصندوق البلدي المستقل؟
الصندوق البلدي المستقل، الذي شكّل لعقود مصدرًا أساسيًا لتمويل عقود الخدمات العامة في البلديات، يبدو اليوم وكأنه هيكل فارغ. وفق تقديرات خبراء ماليين وبلديين، فإن الصندوق بات فعليًا في حالة إفلاس وظيفي، نتيجة عاملين رئيسيين: أولًا، قيام الحكومة باقتطاع مبالغ ضخمة من أموال الصندوق لتغطية نفقات مركزية سابقة، دون أي تعويض أو إعادة ضخ. وثانيًا، التآكل الحاد في القيمة الفعلية لحصص البلديات المتأخرة بالليرة اللبنانية، حيث أن مجموع الحصص المتأخرة عن عامي 2023 و2024، لا يغطي سوى جزء ضئيل من كلفة المناقصة المُسعَّرة بالدولار الأميركي.
مساءلة غائبة… ومخاطر قادمة
في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة أولاً إلى تثبيت موقف البلديات بعدم تحمّل الكلفة دون تمويل واضح، حمايةً لها من أي مساءلة قانونية لاحقة. مساءلة شفافة حول أداء الصندوق البلدي المستقل وإجراء تدقيق مالي مستقل حول إدارة الأموال وكيفية صرف العائدات وجدوى وجوده في الأساس. وإعادة النظر في النموذج القائم لإدارة النفايات، بما يضمن الاستدامة والعدالة المالية والبيئية.
نحو نموذج بديل
ما يجري في الفيحاء ليس استثناءً، بل نموذجًا لما قد يطال سائر البلديات في لبنان إذا لم تُعالج جذور الأزمة البنيوية في تمويل الحكم المحلي. المطلوب ليس فقط تمويل عقد نفايات، بل إعادة بناء الثقة بين الدولة والبلديات، وبين البلديات ومجتمعاتها. وهذا لا يتم إلا عبر شفافية، مساءلة، وتمكين مالي حقيقي.

اتحاد بلديات الفيحاء
بلدية طرابلس Tripoli Municipality
صفحة بلدية القلمون الرسمية
الصفحة الرسمية لبلدية البداوي

اتحادبلدياتالفيحاء #بلديةطرابلس #بلديةالبداوي

بلديةالميناء #بلديةالقلمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى