
اللعب صار على المكشوف!.. غسان ريفي
بعدما عُرف سبب المجيء بالقاضي نواف سلام رئيسا للحكومة في عملية إنقلابية دُبّرت بليل، بطُل عجب القرارات الحكومية ذات التوجهات الأميركية، حيث سقطت كل الأقنعة وصار اللعب على المكشوف بين جناح حكومي ينفذ الأجندة الأميركية بحذافيرها وفي رأس أولوياتها حماية أمن إسرائيل وتأمين إستمرار تفوقها العسكري في المنطقة بمعزل عن موازين القوى، وبين جناح تمثله المقاومة وحلفاءها وإن باتوا قلّة قليلة لأسباب عدة.
أدخل موقف الحكومة اللبنانية بتكليف الجيش اللبناني إعداد خطة تطبيقية لحصر السلاح بيد الدولة في جلسة الثلاثاء الفائت، وبإقرار بنود الورقة الأميركية التي قدمها توم باراك في جلسة الأمس البلاد في مرحلة جديدة بالغة الخطورة والحساسية، لا سيما مع إنسحاب الوزراء الشيعة من جلسة الحكومة بمن فيهم الوزير المستقل فادي مكي الذي شعر بخطورة ما يحصل وفشل في العمل على تصويب الأمور على طاولة مجلس الوزراء، فآثر الإنضمام إلى زملائه كونه غير قادر على تحمل تداعيات قرار يستهدف طائفة بكاملها، وهو سبق وسجل تحفظا على قرار حصرية السلاح دون احترام الأولويات التي جاءت في خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة.
وبغض النظر عن ميثاقية القرار الذي إتخذته الحكومة بغياب ممثلي مكون أساسي في البلد، فإن تجاوز الحكومة لانسحاب الوزراء الشيعة وإقرارها ورقة باراك من دون إطلاع أكثرية الوزراء عليها، وكأن إقرارها قدرا لا بد منه، قد حرك الشارع الداعم للمقاومة إحتجاجا على هذه القرارات التي تدخل في إطار التهديد الوجودي لطائفة بكاملها، حيث شهدت العديد من المناطق مسيرات بالدراجات النارية وتحركات غاضبة، في ظل إنتشار كثيف للجيش اللبناني في كل المناطق لقطع الطريق على المصطادين بالماء العكر ومنع تحويل هذه التحركات من سلمية إلى توترات لا يحمد عقباها.
وبدا واضحا، غياب أي قرار بالتصعيد في الشارع، خصوصا أن مصادر الثنائي الشيعي أكدت الحرص على السلم الأهلي ورفض الانزلاق إلى أي فتنة يمكن أن تستغلها إسرائيل التي تسعى منذ البداية إلى تأجيجها بشتى الطرق، لضرب اللبنانيين ببعضهم البعض، ونقل الصراع من لبناني إسرائيلي إلى لبناني لبناني.
ولا شك في أن بعض التيارات السياسية المناهضة للمقاومة كانت ترغب في أن تؤدي قرارات الحكومة إلى إستدراج حزب الله للخروج عن طوره والتحرك عسكريا في الشارع، لذلك هي لم تتوان منذ أسابيع عن ممارسة شتى أنواع الضغوط والاستفزازات عليه، وكانت تنتظر يوم أمس أي تطور أمني لتستثمر فيه لكن التحركات التي بقيت ضمن سقف معين خيّبت أملها.
ترى مصادر مواكبة أن “رئيس الحكومة نواف سلام إستعجل في تقديم أوراق إعتماده للجانب الأميركي ولم يأخذ في عين الاعتبار تداعيات قرارات من هذا النوع على مستوى الداخل اللبناني، خصوصا أن هذه القرارات إتخذت في ظل إمعان إسرائيل بإعتداءاتها ولم يكلف سلام نفسه حتى الاشارة اليها أو إستنكارها فضلا عن ضربه سلم أولويات بيانه الوزاري الذي يبدأ بالانسحاب الاسرائيلي والالتزام بوقف إطلاق النار والاعتداءات والاغتيالات وينتهي بالسلاح.
وتضيف المصادر: “بناء على هذا الترتيب حصل سلام على ثقة الثنائي الذي وافق ضمنيا على أن تسير الأمور وفق هذه الأولويات التي عاد ونسفها وبدأ ببند حصرية السلاح من دون أي من الضمانات الأميركية التي إقتصرت على أنه في حال وافق لبنان على ورقة باراك كاملة، ثم إستمرت إسرائيل في عدوانها، فإن أميركا تفكر في إمكانية الإدانة ورفع الأمر إلى مجلس الأمن، في وقت لا يقيم العدو وزنا لهذا المجلس ولا للأمم المتحدة التي شهدت إحدى جلساتها العامة قيام السفير الإسرائيلي بتمزيق ميثاقها إضافة إلى عدم إلتزام الكيان بالقرارات الدولية وإستهدافه قوات اليونيفل في جنوب لبنان”.
هذا يعني بحسب المصادر أن “الضمانات التي على أساسها وافقت الحكومة على ورقة باراك وأصدرت قرار حصرية السلاح هي كسراب يحسبه الظمآن ماء”.
وترى هذه المصادر أن “حزب الله ليس منظمة التحرير الفلسطينية بل هو مكون لبناني في الصميم ولديه بيئة حاضنة وازنة وحين تريد الحكومة أن تكون في موقع الصدام معه فإنها ستكون في صدام مع أكثر من ثلث الشعب اللبناني، وهذا الجانب كان يفترض أن يؤخذ بعين الاعتبار لا سيما على صعيد إحترام الأولويات وإستمرار الحوار للوصول إلى قواسم مشتركة، لكن يبدو أن إلتزام الأجندة الأميركية بالكامل جاء على حساب الاستقرار وأدى إلى فتح الأبواب على مصراعيها”.
لا شك في أن رئيس الجمهورية جوزاف عون ما زال قادرا بعقل راجح على تدوير الزوايا لإنقاذ الموقف وعهده على حد سواء، وهو في حديثه إلى قناة العربية أمس فتح هامشا بسيطا للمناورة عندما قال “إن مسألة التنفيذ تحتاج إلى
وقت طويل”، فضلا عن قدرته على التخفيف من الاحتقان الحاصل بالدعوة إلى طاولة حوار باتت أكثر من ضرورية لسحب كل الفتائل القابلة للتفجير..
المصدر سفير الشمال