
اللعبة الدولية تستغل الأديان والمذاهب لأجل غاياتها ومصالحها
كل الأديان تعرضت لتحريفات وتشويهات وشوائب منذ القرن الأول لمجيئها، وإن بنسب متفاوتة، وتزايدت هذه التحريفات والشوائب مع مرور الزمن على أيدي أشخاص وسلطات وأحزاب ومنظمات. واليوم، يتم التركيز على هذه الشوائب والتحريفات والبناء عليها واستغلالها من قبل اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين في مسرحيات صراعاتهم وأزماتهم وحروبهم. وإن جوهر الأديان واحد وهو توحيد الله بالعبادة والتقديس والولاء والدعاء ولكن التحريفات والشوائب والتشويهات ونزعة السلطة والثروة والزعامة وكسب الشعبية حولت الأديان إلى مذاهب وطوائف وفرق تقدس أشخاصا”وتعظمهم وتضعهم فوق العقل الفردي والطبيعة، ونشأت أحزاب ومنظمات تستغلها وخاصة الحركة أو المنظمة الصهيونية، وترسخت نظريات ومفاهيم وممارسات تتعارض مع العقل وإلارادة الفردية والحرية والعدالة التي يقوم عليها جوهر الأديان ويقصي دورها الاصلاحي والإرشادي.
تناقضات عقائدية وعملية
عندما حولت الأديان إلى مذاهب وطوائف وفرق أصبح اهتمامها ينصب على السلطة والخلافة والإمامة وتقديس أشخاص والولاء لهم، فأهملت عقيدة التوحيد وإصلاح السلوك وتقويم اعوجاجه على الصعيدين الفردي والإجتماعي، كما أهملت الحرية الفردية والعدالة والكرامة الفردية، وأصبح الباب مشرعا”امام الأساطير والخرافات والغلو لتبرير السلطة والخلافة والإمامة وتقديس أشخاص والولاء لهم والجبر والقدر،وأصبح المجال واسعا” أمام استغلال الأديان والمذاهب والطوائف من قبل حاكمين وملوك وسلاطين وسياسيين وأحزاب و”رجال دين”، وإن التاريخ القديم والحديث يشهد على ذلك، ولولا هذا الإستغلال لمااستطاعت الحركة أو المنظمة الصهيونية بدعم من قبل الإستعمار أن تحتل فلسطين، ولما استطاعت أن تسير أكثر معتنقي “الدين اليهودي” في القطيع وراءها تحت شعار”الوطن القومي لليهود” وأن تبرر حروبها العدائية. وإن تحريف الأديان وتحويلها إلى مذاهب وطوائف وفرق أوقعها في تناقضات عقائدية وعملية. وقد مر التناقض الموجود بين عقيدة التوحيد التي يقوم عليها أصل “الأديان السماوية” وتقول بها كتبها من جهة وتقديس أشخاص وتعظيمهم والتوجه إليهم بالولاء والدعاء من جهة أخرى.
العلاقة بين الرجل والمرأة
في الحياة العملية تقول الأديان إن العلاقة بين الرجل والمرأة في الجنة أو الحياة الأخرى أسمى من الزواج وإنجاب الأولاد في الدنيا أو على الأرض، فهنالك العلاقة روحية والمتعة روحية ولاحمل ولاانجاب، وليست النساء في الجنة كالنساء في الدنيا، ويسميهم القرآن “الحور العين”، ولا يولد الأولاد هنالك بل يخلقون ويسميهم القرآن “الولدان المخلدين”، فيما الغالب على رأي السلطات الدينية المذهبية و”رجال الدين” وأكثر أتباع الأديان والمذاهب والطوائف هو تشجيع الزواج المبكر والإكثار أو انجاب الكثير من الأولاد، مايخالف المبدأ السابق ذكره والعقل والمنطق، ويغلب العددي والكمي والشعبوي على الفردي النوعي والنخبوي في الحياة العملية والإجتماعية والسياسة والإدارة والإقتصاد مع ما يترتب عليه من نتائج سيئة في هذه المجالات بالإضافة إلى الظلم والتمييز والقهر حيث يفضل المتزوج ولديه أولاد بالوظيفة وفرصة العمل والدخل والترقية والإحترام على غير المتزوج وليس لديه أولاد رغم أن الأخير يتفوق على الأول بالمستوى العلمي والثقافي والأخلاقي والمعنوي، وهذا الأمر يخالف أيضا “المبدأ السالف ذكره!
نقض العدالة الإقتصادية
يقول مبدأ الأديان بالعدالة الإقتصادية والإجتماعية، وإنه” مامتع غني الابفقر فقير “، وإن دخول الغني في الجنة أو ملكوت السماوات أصعب من مرور الجمل عبر ثقب الإبرة، ولكن السلطات الدينية المذهبية و” رجال الدين “والأحزاب الدينية المذهبية والمتدينين يشجعون التفاوت الإقتصادي الكبير بين الأثرياء والأغنياء من جهة ومحدودي الدخل والفقراء من جهة أخرى، ويقولون ان الله خلق الغنى والفقر ويرزق أناسا”ويمنع الرزق عن آخرين، وخلق الناس طبقات فوق طبقات متناسين أن بعض الأثرياء والأغنياء كانوا فقراء قبل أن تتغير أحوالهم أو قبل أن تتوافر عوامل مساعدة لهم مثل استغلال أزمات إقتصادية ومالية ونقدية، والإستفادة من المال العام والصفقات والفوائد المرتفعة على الديون أي الربا الذي تحرمه الأديان، والتبعية والتملق والمحسوبية، فيما يبقى آخرون محدودي الدخل أو فقراء أو يصبحون فقراء بسبب عدم توافر الأحوال الملائمة لهم وعدم استغلال العوامل المذكورة ورفضهم ذلك وهل يرضى الدين بأن يمكن أشخاص غير جديرين وغير أكفاء وحتى فاسدين، ماليا”واقتصاديا” ومعنويا”لأنهم تابعون ومدعومون ويظلم النخبوي الحر المستقل الجدير والكفء؟ وهل يرضى بتفضيل الذي يملك المال الكثير بالمعاملة والإحترام على الذي لايملك المال الكثير وإن كان مستواه أعلى من الأول؟ ألايقوض هذا الأمر مبدأ العدالة الإقتصادية والإجتماعية الذي قالت به الأديان؟!
إن الإعلام مسؤول عن الكشف عن هذه الحقيقة وفضح التزوير والتزييف والتحريف الذي يطال الأديان ويجعلها غطاء”لتبرير تقديس أشخاص وجماعات وأحزاب ومنظمات والتبعية لهم وتسويغ الإستعمار والإحتلال والتوسع وخاصة الصهيوني والحروب وافتعال الأزمات، وترسيخ الظلم والتفاوت الإقتصادي والإجتماعي، وإهمال مسائل تقويم إعوجاج السلوك والعادات ومكافحة الفساد والفوضى ورفع مستوى الذوق العام في مختلف المجالات ورفض الإزعاج والضجيج العقيم والجمود المظلم.
أسامة إسماعيل