
السويداء… الجبل الذي يحاول الشيطان أن يُحوّله إلى بوابة للخراب بقلم: عماد أحمد العيسى
ليست السويداء مدينة ضائعة في الجغرافيا…
إنها اليوم قلب الهدف، مركز البوصلة، وبؤرة الضوء الذي يحاول الشيطان أن يخنقه.
في ظاهر المشهد، يبدو أن السويداء تحتج، تصرخ، تتمرد على الإقصاء والتهميش والفساد.
لكن الحقيقة التي تُخفيها عناوين الأخبار ونشرات الدعاية، أن الجبل اليوم أصبح ملعبًا مفتوحًا لأخطر المشاريع: مشروع الصهيوأمريكي لإعادة تشكيل المنطقة وفق خرائط الحقد والتقسيم.
الجغرافيا التي يريدون أن يُعيدوا كتابتها
منذ سنوات، لم تتوقف محاولات واشنطن وتل أبيب عن رسم خط يمتد من الجولان إلى التنف، من السويداء إلى دير الزور، من درعا إلى أربيل.
مشروع ناعم أحيانًا، دموي غالبًا، لكنه يتقدّم خطوة بخطوة.
فما الذي يريدونه من السويداء تحديدًا؟
أن تكون فاصلًا طائفيًا يفصل بين الجنوب السنّي والشرق الكردي.
أن تُقدَّم كمثال لـ”نموذج حكم ذاتي درزي” قابل للتكرار في مناطق أخرى.
أن تُستخدم كورقة ضغط على النظام السوري من جهة، وكجسر نحو “الشرق الآمن الأميركي” من جهة أخرى.
الصهيونية الجديدة لا تدخل بالدبابة… بل بالمال والفيدرالية
المشروع الصهيوني الجديد، الذي يتغذّى على تطبيع الخليج، لا يبحث عن ضم مباشر، ولا عن احتلال عسكري.
بل يسعى لـ:
تفكيك الدولة الوطنية السورية إلى مكونات عرقية وطائفية تتصارع وتطلب الحماية من الخارج.
إنشاء ممر تجاري بديل لقناة السويس، يربط الخليج بأوروبا عبر “حيفا _ الجولان _ السويداء _ التنف _ أربيل “.
زرع كانتونات عميلة، تتكئ على الاحتلال الإسرائيلي أو القواعد الأميركية، وتبرّر ذلك باسم الحكم الذاتي أو “التمكين الطائفي”.
السويداء في عين العاصفة
ما يحدث اليوم ليس “حراكًا مدنيًا” فقط، وإن حمل مطالب محقّة.
بل هو ساحة مفتوحة لتجاذبات استخباراتية، من تل أبيب إلى واشنطن، ومن لندن إلى الخليج، تسعى جميعها لتحويل الجبل إلى ما يشبه “المنطقة العازلة” — لا هي مع النظام، ولا مع المقاومة، بل ممر آمن لمشاريعهم.
ضباط الموساد يتحركون من بوابة الجولان.
الضباط الأميركيون في قاعدة التنف ينسقون مع مجموعات مسلحة من خلف الجبل.
بعض الزعامات التقليدية التي تطلّ من السويداء باتت تتحدث لغة غريبة: لغة التحالف مع الغرب ضد المركز، ولو تطلّب الأمر “تفاهمًا” مع إسرائيل.
إسرائيل… اللاعب الأخطر في الخفاء
إسرائيل التي كانت تكتفي سابقًا بالسيطرة على الجولان، باتت الآن تتحرك بذكاء في الجنوب السوري، مستفيدة من:
تراجع الدولة المركزية.
تعطش المجتمعات المهمّشة للحماية والدعم.
اللعب على وتر الطائفة والمظلومية.
وما تريده بالضبط هو جدار أمني ناعم يفصلها عن أي تهديد سوري محتمل، ويضمن لها ممرًا بريًا وتجاريًا إلى أربيل، فالخليج، فآسيا.
إنه المشروع الصهيوني الجديد… بلا جندي، وبلا جدار… لكنه أخطر من أي احتلال كلاسيكي.
ولكن، هل السويداء كلها مستسلمة؟
لا.
رغم كل الضغوط، لا تزال في السويداء أصوات تعرف العدو من الصديق، وتميز بين المطالبة بالكرامة، وبين بيع الكرامة.
في الجبل رجال ونساء يعرفون أن اليد التي تمتد إليهم بالدولار، إنما تُخفي خنجرًا في خاصرة الوطن.
يعرفون أن الحكم الذاتي إذا جاء من بوابة السفارة الأميركية أو من جبهة الجولان، فإنه ليس حكمًا ولا ذاتيًا.
الختام: رسالة إلى من يهمه الأمر
ما يجري في السويداء ليس أزمة خبز ولا أزمة وقود… بل أزمة مشروع خارجي يُراد له أن يخترق الداخل من بوابة المظلومية.
هو ذاته المشروع الذي شطر العراق، وضرب ليبيا، وفتح أبواب السودان للحريق.
السويداء اليوم بين خيارين:
إما أن تكون حاجزًا للمشروع الصهيوني الأمريكي، كما كانت في الماضي سدًّا أمام الاستعمار…
أو أن تُستعمل، دون أن تدري، كممر عبور للخرائط الجديدة… حيث لا يبقى من الجبل إلا الاسم، ولا من الوطن إلا الشظايا.