مقالات

“متلازمة أوكرانيا” كمصطلح جديد يدخل قاموس السياسة العالمية . \ نبيل الزعبي

قيل في تعريف المتلازمة ، انها مجموعة من العلامات و الأعراض التي تظهر بشكل مترافق مع بعضها ويدل ظهورها مجتمعة على الاصابة بمرض , اضطراب نفسي أو حالة شاذة .( عن قواميس السياسة والمعاجم والمصطلح اليوناني لها) .
لعل ابرز ما أسفرت عنه مشهدية اللقاء الثلاثي الذي جمع رئيس أوكرانيا فلوديمير زيلنسكي بالرئيس الاميركي دونالد ترامب ونائبه جي فانس في البيت الأبيض عصر يوم الجمعة ٢٨/٢/٢٠٢٥ هو ظهور السفيرة الأوكرانية في واشنطن وقد غطّت وجهها متحسبةً للقدر الكبير من الاهانة التي يتعرض لها رئيسها على هواء الشاشات الفضائية التي يشاهدها الملايين في تلك اللحظة التاريخية غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الديبلوماسية بين الدول حيث تخطت
الادارة الاميركية الجديدة كل ادبيات اللياقة والضيافة باهانة رئيسٍ ضيفٍ عليها علناً وطرده من البيت الأبيض بعد ان سبق للرئيس الاميركي بايام ان قام بتهزئة وتقريع هذا الرئيس بأقذع الأوصاف ، وهو يطالبه وبالعلن بما قيمته خمسمائة مليار دولار أميركي تعويضاً عن ثلاثمائة وخمسين ملياراً من الدولارات احتسبها على أوكرانيا مع الفوائد بدل مدّها سابقاً بالسلاح والذخيرة في اوقح خطوةٍ استعمارية لاقتسام ما لدى أوكرانيا من ثروة معدنية نادرة لم يكن ليجرؤ عليها حتى الاستعمار الأوروبي القديم لتبدأ الولايات المتحدة الاميركية بواكير عهد ترامب الثاني كزعيمة للاستعمار الجديد فتلغي عن نفسها مسمى زعيمة العالم الحر وتُطرَح اكثر من علامة استفهام حول ما سوف ينتظر دول العالم برمته غداً من ابتزاز واستهتار واستعلاء أميركي غير مسبوق في عصرنا الراهن .
ولعل اخطر ما ادلى به الرئيس الاميركي وهو يعمل على صفقة عالمية كبرى مع نظيره الروسي بوتين لانهاء الحرب في أوكرانيا على حساب الأخيرة ، هو ما دعا اليه الرئيس الأوكراني بعدم التفكير بعد اليوم في دخول حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليجعل وبشحطة قلم ، كل تضحيات شعب أوكرانيا ودولته تذهب هُباءً بعد كل ما خسرته سنوات الحرب بدءاً من اقتطاع للعشرين من المئة من أراضيها وتدميرٍ يحتاج اعادة إعماره إلى ما يزيد عن النصف تريليون دولار وهي الدولة التي تجد نفسها اليوم معزولةً ومكبّلة الارادة امام تهافت الدول العظمى على اقتسام ثرواتها بعد التضحية فيها يوم جرى خداعها بتقديم كل ما يلزمها من حمايات خارجية ودفعها على تدمير ترسانتها النووية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وفاجعتها الكبرى بانفجار مفاعل تشيرنوبيل وتصديقها لأكذوبة ربيع اوكرانيا وشعاره البرتقالي عندما انتفضت ايضاً على النفوذ الروسي وإجبار آخر رئيس لها قبل زيلنسكي على الهروب إلى روسيا لاجئاً سياسياً إلى مرحلة القبول بممثل مهرّج رئيساً جديداً لم ينفعه اللباس الزيتي المقاتل الذي لازمه منذ ايام الحرب ليتحول الى مثار سخرية الرئيس الاميركي ونائبه معاً ، ولولا قطرات الشجاعة التي تحلّى بها هذا الرئيس وهو يواجه الاثنين بردات فعله العصبية المعهودة قبل إخراجه مُهاناً لكان قد وقع عقد الاذعان الاميركي ، وتلك سابقة تُحتَسَب له، انه استطاع ان يظهر امام شعبه بطلاً رافضاً لما تعرّض له من ازدراء ومس متعمد بكبريائه الوطني وتلك سابقةُ ايضاً يسجلها مع بداية عهد ترامب على باقي رؤساء الدول الاقتداء بها حفاظاً على ماء وجوههم امام شعوبهم على الاقل .
قد يختلف التقييم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحديد اسباب حربه مع أوكرانيا واصرار رئيسها على دخول حلف الشمال الأطلسي ، الأمر الذي اعتبرته روسيا تهديداً أمنياً استراتيجياً لها يتيح المجال لوصول صواريخ الناتو إلى عمق بلادها في اقل من خمس دقائق ، فبذلت ما امكن من محاولات ومبادرات فيها من الترغيب الكثير لثني ساسة أوكرانيا عن هكذا مغامرة فكان آخر الدواء الكي بالنسبة لهم خاصةً ان الرئيس الاوكراني رفس بمواقفه المستفزة كل إغراءات الروس المالية والنفطية للإبقاء على علاقاته التقليدية معهم ، فكان ان خسركل ذلك ولم يربح مع الغرب سوى المزيد من إغراقه في الديون والخسائر وما لم يكن بحسبانه على ما آلت اليه الحرب خلال السنوات الثلاث الماضية .
حتى الاتحاد الأوروبي المتباكي على استقلال أوكرانيا وكل ما يدفعه لها من مساعدات هو على شكل القروض وليست بالمجان ، فقد عبرّت الدولة الفرنسية ادق تعبير عن خلفيات موقفه غير البعيدة عن الاستعمار الجديد عندما طالبت ايضاً بدورها بحصتها من ثروة المعادن النادرة في أوكرانيا مقابل تقديماتها العسكرية واللوجستية لهذه الدولة طوال سنوات حربها الثلاث ضد روسيا الاتحادية ، مؤكدةً الحنين العميق إلى ثروات هذا البلد وهي تفقد الدولة الفرانكوفونية تلو الأخرى في أفريقيا لتحذو اليوم حذو الولايات المتحدة مع بقاء المضمون واختلاف شكل المطالبة .
ايّة مواقف استقلالية حققها زيلنسكي بعد كل ما تقدّم وهو الذي قفز على كل روابط التاريخ والجغرافيا والجينات الوراثية التي تجمع بلاده بروسيا الاتحادية فقفز عليها ليفضل الغرب الأوروبي والاميركي عليها ويقع في اقذر فخٍ منصوبٍ له اسمه حلف الناتو فلا يجد بعد كل ذلك من مكسبٍ ذاتي سوى دخوله التاريخ من أبوابه الخلفية كصاحب متلازمة جديدة تدخل حديثاً إلى قاموس السياسة العالمية اسمها : متلازمة زيلنسكي او المتلازمة الاوكرانية ، لا فرق في ذلك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى