
خبايا القصص القرآنية \ قصة امرأة عمران (١)✍️د.غنى أحمد عيواظة
قال تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٣٤﴾ إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴿٣٥﴾ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ ﴿٣٦﴾ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
يتطلع الواحد منا إلى محبة البشر له، فكيف لو كان الاصطفاء هو اصطفاء الله سبحانه؟
فقد اصطفى آدم عليه السلام واختاره على سائر المخلوقات حين خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وأسكنه جنته، وأعطاه من العلم والحلم والفضل ما فاق به سائر المخلوقات، واصطفى نوحا فجعله أول رسول إلى أهل الأرض حين عبدت الأوثان، واصطفى آل إبراهيم وهو إبراهيم خليل الرحمن الذي اختصه الله بخلته، واصطفى الله آل عمران وهو والد مريم بنت عمران، فهذه البيوت التي ذكرها الله هي صفوته من العالمين، وتسلسل الصلاح والتوفيق بذرياتهم.
أما قصة ابنة عمران فابتدأت بحال أمها، أم مريم ابنة عمران، أم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، وكان اسمها فيما ذكر حَنَّة ابنة فاقوذ بن قتيل، وزوجها عمران بن ياشهم، وكانت، فيما روي، عجوزًا عاقرًا لا تلد، فجعلت تغبطُ النساء لأولادهن، فقالت: اللهمّ إنّ عليّ نذرًا شكرًا إن رزقتني ولدًا أن أتصدّق به على بيت المقدس، فيكون من سَدَنته وُخدَّامه، أو أحبسه على خدمة البيعة والكنيسة، عتيقةً من خدمة كلّ شيء سواك، ومفرّغة لك خاصة، فتقبل مني ما نذرت لك يا سميع لما أقول، وعليمُ لما أنوي في نفسي وأريد، لا يخفى عليك سرّ أمري وعلانيته.
وسبب النذر بأن جعلته عتيقًا لعبادة الله، لا ينتفع به بشيء من أمور الدنيا أن تزوج زكريا وعمران أختين، فكانت أمّ يحيى عند زكريا، وكانت أم مَريم عند عمرانَ، فهلك عمران وأم مريم حاملٌ بمريم، فلما عرفت أن في بطنها جنينًا، جعلته لله نَذيرةً لا يُنتفع به بشيء من أمور الدنيا، وكانوا إنما يحرّرُون الذكور، وكان المحرَّر إذا حُرِّر جعل في الكنيسة لا يبرَحها، يقوم عليها ويكنُسها
فجعلت ولدها لله، وللذين يدرُسون الكتاب ويتعلَّمونه.
فلما رأت حنة أن مولودها أنثى، والله أعلم بذلك، لم تتراجع عن نذرها بل أكملت مسار إيمانها مع الله سبحانه بأن دعت لها أن يحفظها وذريتها من الشيطان الرجيم، فتقبل الله قلبها السليم ودعاءها الخالص، وجعلها مباركة في بدنها وخلقها وأخلاقها، وقيض لها زكريا عليه السلام يكفلها ويربيها على أكمل الأحوال، فنشأت في عبادة ربها وفاقت النساء، وانقطعت لعبادة ربها، ولزمت مصلاها، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل إلى محرابها وجد عندها رزقا من غير تعب، وقد ثبت إيمان مريم عليها السلام ببركة نذر والدتها لها، لتخبره بأنه من عند الرازق الذي يرزق من يشاء من دون سعي ولا كسب، فتطلع زكريا إلى تلك البركة وتمنى أن يرزقه الله ولدا أيضا من غير حساب.
من خبايا القصة القرآنية:
١- ذكر تنظيف الكنيسة في القرآن ما هو إلا لأن الإسلام دين جامع من عند الله سبحانه، فيه ذكر من وما كان قبله، معترفا بهم، ضمن أركان الإيمان مقرا بالرسل والكتب.
٢- لا تقطع الأمل بالله، وهو اليقين وحسن الظن به سبحانه، مهما ساءت أحوال الحياة بك، فالذي اصطفى الأتقياء قبلك يصطفيك كذا.
٣-لا ينبت الغرس الطيب إلا مع ثمر طيب، ذرية بعضها من بعض.
٤-كل ما تراه صعبا ومستحيلا هو على الله سبحانه هين، شرط الثبات والتقوى.
٥- إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله.
٦- استقم كما أمرت ويأتيك الخير والرزق كما طلبت.
٧-تذكر أن تجعل جزءا من نعم الله عليك في سبيله.
٨- تربية الأبناء كما نذرت امرأة عمران يكفل للأبناء الرزق الطيب.
٩- الكفيل تكملة مسيرة حياة لكل نفس هنيئة، كفل منها في الخير والصلاح والبركة.
١٠- حيث الخير توقف وتمنى.